أقلام حرة

الشاعر والملوك / علوان حسين

والتي تقوم على الود والمنافع المتبادلة . الشاعر بطبيعته المتمرده وأناه النرجسية وعذوبة روحه الطفولية إضافة إلى مايتمتع به من حس تراجيدي وحزن تلقائي قريب من حزن الأنبياء بالتضاد مع الملك بما لديه من قوة وقدرة على البطش ترافق شخصه المتسمة بالحذر وبالخواء في بعض الأحيان مع تماهي عجيب تقتضيه شكليات المنصب ولوازمه من رفعة ٍ وتعال ٍ  يبعده عن طبيعة الأنسان العادية والمكشوفة للناس، سمو  يضفي على شخصيته الغموض وتمنحه هالة ً قد لا يستحقها . عبر تاريخنا الشعري كان الشعراء يمدحون الملوك، ليس فقط تكسبا ً وتقربا ً منهم، بل وتأمينا ً على سلامة حياتهم من مكر وبطش الملوك . يمكن أعتبار المتنبي وعلاقته مع سيف الدولة الحمداني إستثناء لا يلغي القاعدة .لم يكن مدح الشاعر سواء لملك أو لغيره سبة ً أو ذمة ً أو عيبا ً، فالمدح هو أحد فنون الشعر العربي القديمة . كثيرون عابوا على الجواهري مدحه للملوك، ناسين بأن شاعر العرب الأكبر هو آخر الشعراء العظام والذي لم يشذ بمدحه الملوك عن غيره من الشعراء الكلاسيكين . لكن ثمة سجية  أو طبع عند الشاعر الجواهري هي مزاجه المتقلب وإعتداده بنفسه ورفعتها بحيث كان يشعر بأنه هو الآخر ملك، ملك يتصاغر الملوك الحقيقيون أمام قامته وشاعريته السامقة .  الجواهري وبالرغم من مدحه الملوك كان قريبا ً من نبض الناس والصوت الأكثر تعبيرا ً عن آلامهم وأحلامهم وقد ظل قرنا ً بأكمله وهو يعارض الحكام في العراق . مظفر النواب، الذي بنى شهرته على السياسة والموقف المعارض والساخر بحدة من سلاطين الخليج، كان يهجو الملوك بشعره لكنه كان يقبض من القذافي  مبالغ طائلة وفرت له حياة ً مرفهة ً في الشام . ليس للشاعر حرفة أو مهنة يعتاش من خلالها، فهو لا يملك سوى قصائده . في السوق هي لا تدر عليه مالا ً . ولكي يبدع الشاعر ويعطي أجمل مالديه، لابد له من أن يعيش حياة ً مريحة ً ومتناغمة ً مع مزاجه وشفافيته . نزار قباني لم يمدح ملكا ً، لكن دواوينه كانت تدر عليه ذهبا ً. نزار قباني حالة خاصة أو ظاهرة قد لا تتكرر . الشاعر عبد الوهاب البياتي، ظل ولزمن طويل يعتاش على الآيديولوجيا وسمعة المناضل الكبير حتى أصبح موظفا ً صغيرا ً في أحدى سفارات النظام العراقي وبتوصية من صدام حسين شخصيا ً . محمود درويش ورغم جماهيرته وحضوره الطاغي لم يكن يعيش من شعره، سعدي يوسف أيضا ً . لا ننسى بأن الشاعر الكبير بدر شاكر السياب مات فقيرا ً جائعا ً ومتشردا ً كذلك كان عبد الأمير الحصيري وحسين مردان وأحمد الصافي النجفي وعقيل علي وكزار حنتوش وجان دمو وكثيرين غيرهم .في الجانب الآخر نجد شاعرا ً كبيرا ً كعبد الرزاق عبد الواحد يزهو بمدحه جلادا ً ومخلوقا ً منبوذا ً ومكروها ً وكارها ً لشعبه هو صدام حسين، الذي وفر لشاعره الخاص حياة ً رغدة ً وأسكنه قصرا ً يطل على النهر، في وقت كانت الناس فيه تأكل الخبز ممزوجا ً بالزؤان  .

 

كاتب من العراق

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1499 السبت 28/08/2010)

 

 

في المثقف اليوم