أقلام حرة

هولوكوست كوردي / علوان حسين

من هنا نجد التعاطف الكبير الذي خصت به شعوب العالم مع قضية اليهود، عبر تصويرهم كطائفة وأفراد ضحايا الظلم والمذابح الجماعية . لعبت هولويود وماكنة الأعلام ورأس المال اليهودي دورا ً كبيرا ً وعظيما ً بتذكير الرأي العام العالمي بقضية اليهود وإظهارهم بمظهر الضحية والشعب المظلوم . لو عدنا إلى الشعب الكوردي وماعاناه على يد نازيي العراق البعثيين ومن قبلهم من الحكام الشوفينين، وأستعرضنا المئات من القصص الإنسانية التي يندى لها جبين البشر، لهول فظاعتها وعمق مآسيها والتي لا تختلف بشيء عما جرى لليهود على يد جنود هتلر المعلم الأول لصدام حسين وأستاذه في ترويع وذبح الأبرياء من الكورد لا لذنب سوى كونهم ينتمون لقومية أخرى . الحق يقال بأن الحرب ضد الكورد بدأت من أيام الملك غازي في ثلاثينيات القرن الماضي . هدأت لفترة قصيرة أيام الزعيم عبد الكريم قاسم ثم عادت يشكل أقوى مع عبد السلام عارف، الرئيس المشبع بالشوفينية والحقد ضد الكورد والذي بدأت معه حملات التهجير القسري للكورد ومحاولة تغيير الطابع الديموغرافي للمناطق المأهولة بهم مثل قرى جلولاء وديالى ومحافظة كركوك ذات الجذور الكوردية . عند مجيء البعث إتخذت مسألة تهجير الكورد وإفراغ قراهم ومحاولة زرع عرب الجنوب فيها عبر المغريات المادية، حيث كانت تمنح لكل وافد عربي قطعة أرض مجانية ومبلغ عشرة آلاف دينار عراقي وهو مبلغ كبير نسبيا ً في ذلك الوقت . تلاها العمليات التي أشتهرت بأسم الأنفال، حيث تم محو قرى بكاملها من على وجه الأرض و ترحيل قسم منها إلى صحارى الجنوب، ودفن عشرات الألوف منهم وهم أحياء في مقابر جماعية تحت مرأى وسمع العالم . الأكثر فظاعة ما حدث للكورد من مأساة حينما أقدم المجرم علي حسن المجيد وتنفيذا ً لأوامر من صدام حسين شخصيا ً بضرب منطقة حلبجة بالسلاح الكيمياوي وتمت عملية أبادة منظمة ومذبحة جماعية ليس فقط للرجال والنساء والأطفال، طالت المذبحة حتى الحيوانات والأشجار والهواء . لم تبق نبتة أو عصفور أو فراشة ولا حتى نسمة هواء إلا هلكت بالسموم الكيمياوية . ترى كم يلزم من قصص وروايات وأفلام لتدوين مئات القصص المأساوية كي لا ينسى العالم، ولا الأجيال المقبلة ماحدث للكورد من مآس . أتساءل الآن ما الفرق مابين هولوكست اليهود والهلوكوست الكوردي .. ولماذا تعاطف العالم كله مع قضية اليهود وغفل عن قضية الكورد ؟ آن الأوان ليصحو ضمير البشرية وليبدي تعاطفا ً صادقا ً وحقيقيا ً مع هذا الشعب النبيل الذي تعرض لأبشع وأقسى المذابح والمجازر على يد نازيي البعث العراقي . هولوكست الكورد مغيب ويكاد أن يكون مطموسا ً عن ذاكرة البشرية علما ً بأن الجراح لاتزال نضرة طرية ومفتوحة وتنز ليس دما ً فقط إنما ألما ً وشعورا ً بالحيف . ومن أجل عدم تكرار مثل هذه المآسي لا على الكورد ولا على غيرهم . كان يجب أن توظف هذه الدراما البشرية في أفلام سينمائية، سواء كانت محلية أم حتى في هولويود نفسها . أقترح أن تقام مسابقة أدبية في مجال الرواية والقصة والمسرح والشعر، خاصة بهذا الموضوع، وأن تـُرصد لها جوائز ثمينة تحفز وتشجع الأدباء الكورد والعرب والتركمان على السواء لتناول قصص من هم على قيد الحياة، الناجين من المذابح وتوثيقها كي لا يطويها النسيان . ولأجل هذا الغرض ينبغي إستنفار جميع الطاقات المبدعة وأن تقام لجنة من الأدباء الكورد والعرب والتركمان وغيرهم من الذين مشهود لهم بمواقفهم النزيهة وتاريخهم المشرف إضافة إلى طاقاتهم الأبداعية . في تقديري أن تحقيق مثل هذا الأمر ليس بالهين طبعا ً، لكنه ليس بالمستحيل لو تظافرت الجهود وخلصت النيات . أظن على الحكومة العراقية الحالية وكنوع من الإعتذار للشعب الكوردي أن تضع على كل برميل نفط ضريبة كأن تكون دولارا ً واحدا ً، يخصص لأنتاج سينمائي ضخم، كذلك لتشجيع وطبع ما يكتب من أدب خاص بالهولوكست الكوردي، تعبيرا ً عن تضامننا وشعورنا الإنساني العميق وأدانتنا للظلم والقسوة والبشاعة .

كاتب من العراق

 

 

في المثقف اليوم