أقلام حرة

إلى نبيه بري / علوان حسين

رمزيتك وشكليات الموقع وهيبة الأسم ومكانة الطائفة التي تمثلها وتلعب فيها دور الرمز والقائد ليس الضرورة بالطبع. نبيه دعني أعرفك عن نفسي أولا ً، أنا وبالرغم من كرهي الشديد للطائفية لكن واقع الحال يقول بأنني من طائفة المحرومين التي منحتك فرصة تمثيلها ولتكن زعيما ً وممثلا ً لها في وطنك الجميل لبنان. أنا من أسرة فلاحية فقيرة منحدرة من جنوب العراق، أنا من الجنوب الذي غنته فيروز والشعراء وتحول إلى أسطورة ورمز ولا فرق بين جنوب في لبنان وجنوب عراقي إنتفض بوجه الطغاة في كل الحقب بدءا ً من ثورة الزنج إلى إنتفاضة آذار ضد الطاغية صدام حسين. أُرغمت ُ على مغادرة وطني العراق بسبب رفضي الإنخراط في حزب الطغاة وجئت ُ لبنان ألوذ به كما يحتمي العصفور من البنادق. لم أكن رجل أمن في سفارة العراق ولا مخبرا ً أو قاتلا ً مأجورا ً. كنت أكتب قصائد حب لصديقتي (رندة). وقتها كان صديقي (شوقي بزيع) لا (سمير جعجع) كل حلمي أن أعيش في وطن الجمال لبنان بشكل لائق وجميل بلا خوف أو كوابيس وبعيدا ً عن زنازين البعث. لم يخطر ببالي ولا للحظة ٍ واحدة بأنك سوف تتكفل بأرسالي مخفورا ً لزنازين البعث، ولا فرق مابين بعث في العراق وبعث سوري فكليهما سواء في الإرهاب والفتك والقتل ومن مدرسة واحدة . قد تقول بأنها حكاية قديمة فات أوانها. هي عندك مجرد حكاية وقديمة وتذكرها قد يصدع الرأس بلا طائل، لكنها عندي ليست حكاية، وليس كابوسا ً أفيق منه فزعا ً ثم أنساه بعد حين. لو كان حكاية ً لما صدعت رأسك بها. ولو كان مجرد كابوس لنسيته. أنه بالضبط أن تـُؤخذ عنوة ً وتحت تهديد السلاح وأنت الإنسان الأعزل من مقهى ترتاده كل يوم لترتاح فيه وتسترخي إلى قبو تحت الأرض، تقضي فيه ليلتك ضيفا ً على الجرذان التي أحسنت إستقبالك، بعدها تنتهي وأنت بين يدي زبانية البعث في سراديب المخابرات السورية التي أرتك نجوم الظهر ساطعة ً في يومك الذي لا تميز فيه مابين الليل والنهار. نبيه.. عشرة أعوام ونصفا قضيتها بعد ذلك وأنا في مسلخ بشري تحكمه الضباع في معتقل صحراوي أسمه تدمر. عشرة أعوام ونصفا لا أسم لي ولا صفة ً بشرية. لا أدري مالخطأ الذي إرتكبته بحقك كي ترسلني إلى الجحيم.. ومن خولك وأعطاك الحق كي تحول حياة إنسان ٍ عادي إلى حشرة ؟ نبيه.. هل تود أن تعلم كيف إنقضت تلك السنوات العجاف على مخلوق رمته أقداره على يديك وسط ذئاب ٍ بشرية لا تعرف رحمة ً ولا يجري بين عروقها دم ٌ بشري لما تميزت به من بطش وولوغ في سفك دم ولحم وأحلام البشر وفي فن ترويع وتجويع وإذلال وقهر الناس العزل إلا من أجسادهم العارية ؟ أطنان من الورق الأبيض لا تكفي لوصف ماعشته وعانيته وتألمت وتمزقت فيه من وضع لا بشري ولا حيواني حتى الآن. يانبيه بري أُطالبك بأسم إنسان عانى وتألم ورأى أن تطلب مني الغفران، لو كنت بالطبع تخشى يوما ً تأتي فيه ربك عريانا ً تطلب منه الرحمة.. كيف يرحمك الله وأنا ضحيتك لم تسألني أن أغفر لك ومتى ضاعت حقوق الناس أحياء كانوا أم موتى ؟ أذا كانت قوانين البشر تعجز عن محاكمتك فقوانين السماء لا تحمي من كان (دولة رئيس) ولا (زعيم ميليشيا أو قائد طائفة) حتى لو كانت طائفة المحرومين.. أمنحك فرصة أن تتواضع وتعود لبشريتك التي فطرت عليها كإنسان وترجمة ذلك بأعتذارك لي ومحاولة رأب الصدع النفسي الذي كنت أنت سببه بعد خروجي من المعتقل وأنا حالة في نفسية ٍ مريعة ٍ وهذا أضعف الإيمان.

 

شاعر من العراق

[email protected]       

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1538 الخميس 07/10/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم