أقلام حرة

زمن الوساطات المقرف / سلام جمعه المالكي

والعقائل خلف ظهره متعلق ابصارهن بتلك القامة الشامخة وبقية الله في ارضه، حينها فجّر الرجل اذانا ما مثله أذّن بلالا قبله ولا ابن ام مكتوم، وصكّ رعد صوته اسماع العدوّ، اذا لا صديق يومذاك: الا من ناصر ينصرنا....

ماذا اراد الرجل بذا النداء؟ اتراه احّس بالانكسار فآثر طلب العون؟ وممن يطلب العون وقد لمس اصرار القوم على الفجور والدنيّة؟...لقد ظلّ الكثير من المحدثين عن فهم ماهية ذاك النداء الخطير حين غمطوا قيمة الرجل وظنوا انه طلب رحمة من قوم لم يرو ظمأهم للدم قطع الرؤوس ولا التمثيل بالاجساد الشريفة، بل وغاب ذلك عن واعية الكثير من محبي وشيعة الرجل حين فسّروا نداءه على أنه تحفيز للقوم على الرجوع عما عزموا عليه والاوبة الى سبيل الحق، ولو انهم قدروا الرجل حق قدره ورأوه بسربال النبوة  لادركوا أنما اراد وضع الحجة على العالمين في ذاك الزمان وكل زمان وبذا استحقت الامة التي قتلته اللعن والجحيم وكذا الامة التي سمعت بذاك فرضيت...و لذا فقد كان حجة الله على خلقه...

ما سوق تلك المقدمة الا تنبيه للغافلين والمتثاقلين والعاجزين الذين تملأ كتاباتهم المواقع الالكترونية بدعوى التحليل والنقد، واحيانا السب والقذف، واخرى لذكر المناقب والفخار...ان هي الا توضيح وقرع لاجراس الصحوة بعد ان اغفل الجميع نداء من استاذ جامعي يحفر باظافره من اجل كسب علوم وخبرات لم تمر على العراق (و لن تمر اذا انسحبت السياقات الماضية والحالية على المستقبل) في مجال هندسي راق يمثل عماد ديمومة الحياة، وكل ذلك بدعم وتسهيلات من احدى دول (الاستكبار العالمي وعبيد الكومبيوتر كما يحلو للمتفيقيهين تسميتها) وبالمجان دون ان تتحمل الدولة العراقية اية نفقات (قد تؤثر على حساب موازنة الدولة العامة)، ورغم ذلك فقد وضع السادة المسئولون جميع انواع العراقيل (القانونية) امام الاستمرار بذلك وليس اصعبها قطع رزقه ورزق عياله.... وما كان النداء الا تمثلا بذلك الرجل القامة العالية ووضع للحجة على المتشدقين بالغيرة على صالح الوطن واهله من مسئولين ورجال دين صمّت اصواتهم مايكروفونات الاذاعات ومنابر الجوامع والحسينيات بل والكنائس، ومن اكاديميين ارتضوا لانفسهم تكرار ديباجات فارغة الروح عن ضرورة تشجيع التواصل والاحتكاك مع العالم المتقدم وتناقل العلوم والمعارف...هذا الميدان يا "حميدان" فأيكم اثبت رجلا؟ وعلى قدر اهل العزم تأتي العزائم.

استطيع استيعاب ان السادة المسئولين بدءا من رئاسة الجمهورية وانتهاء بالسادة والسيدات البرلمانيين لا يقرأون، وهذه سمة من سمات (المسعولين) في بلاد العرب اوطاني وأن الامور جلّها بين ايادي وانظار السادة مدراء المكاتب والمستشارين المشغولين بأمور عظام ليست تشمل المنظومة التعليمية ولا الخدمية ولا البحث العلمي. فماذ عن اولي الشأن الذين سيأتي دورهم ان عاجلا او اجلا فيرون حينذاك انهم سيؤكلون كما تركوا الثور الابيض يؤكل قبلا (ان كان فيهم من قرأ عن كليلة ودمنة).

الغريب ان لا احدا البتة قد اظهر اهتماما او عناية بالنداء وذاك قد يكون مردّه لاحد الاسباب التالية: اما ان السادة والسيدات المثقفين والاكاديميين قد رضوا بحرمان صاحب النداء من الاستفادة المجانية من جميع موارد العالم المتقدم وانهم مقتنعون بضرورة الانكفاء على الذات واجترار الخيبات اليومية والتردّي المستمر والامية الضاربة اطنابها بين ظهراني جامعاتنا وليذهب العلم الحديث الى الجحيم...و تلك مصيبة.

او ان يكون السادة والسيدات المثقفين والاكاديميين قد خافوا ان يتسامع المسئولون همساتهم ودعواتهم بضرورة اسناد صاحب النداء، مما قد يؤدي الى غضبهم ونقمتهم وبالتالي حرمان المتهامسين من المنافع والعطايا والنوال  او هو خوف من عقوبات قد تزيح البعض عن كراس ظنوا انهم مخلّدون عليها (و هيهات)...و هذه مصيبة اعظم.

الادهى والامر من كلتي الحالتين انفتي الذكر (وهو ما يرجح عندي الظن به) ان يكون السادة والسيدات المثقفين والاكاديميين لا يقرأون وان كل ممارسات الكتابة والطروحات ما هي الا حوارات احادية الجانب، حيث الكل يكتب لنفسه ويظن ان على الاخرين سماعه دون التنبه الى ضرورة ان يجهد المتحدث نفسه بالسماع والقراءة عن الاخرين ومنهم كي يتسنى له او لها الانغماس في لجّة الاحداث واستنباط الدروس والعبر ومن ثم استخدامها معطيات للطروحات القادمة....هذه والله مصيبة المصائب.

اللطيف في الموضوع كله، ان تنبري عدد من الاقلام بين الفينة والفينة للتباكي على صغائر الحالات والدعوة للتضامن معها (وبعضها استجداء سافر) وهي غالبا ما تكون لاصدقاء السمر والمصالح الشخصية الضيقة، خاصة ان كان في ذلك نبز او شتيمة للحكومة (ايا كانت، فنحن امة تكره الحاكم كائنا من كان) او لتيار او جماعة معينين... فهل يصدق على اولئك سوى " اللي عدهه حبايب ........!"؟ وهل بمثل هؤلاء يُشّد ظهر او تقوم أمة....في كل يوم هناك نحر للحسين يفور عبيط دمه ويبدو أننا امة ادمنت انتظار حُسين يُذبح كي تقيم عليه سرادق النواح....اللهم اليك اشكو ضعفي وقلة حيلتي وهواني على الناس، واحتسب عندك القريب الذي يتجهمني واشكو اليك عدوا ملّته أمري. 

 

أ.م.د. سلام جمعه المالكي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1543 الثلاثاء 12/10/2010)

 

في المثقف اليوم