أقلام حرة

دُسْتُوْرٌ أَمْ طُّنْبُوْر ؟. * / محمّد جواد سنبه

 والعراق من الدول التي منّ عليها الاحتلال الأمريكي، ليتحول نظام الحكم فيه من دولة دكتاتورية بغيضة، الى دولة ديمقراطية مريضة. وهذا التغيير المفاجئ من النظام الشمولي إلى النظام الديمقراطي، يكمن في داخله سرّ تدهور العراق، انسانيّاً وأمنيّاً واقتصاديّاً وعلميّاً وخدميّاً. فالسادة الأمريكان نقلوا العراق بلمح البصر، الى الوضع المناقض للوضع الذي كان عليه، وبذلك اختزلوا مراحل من التاريخ، كان ينبغي أنْ يمر بها العراق، كي يتطوّر تدريجياً، ويتمكن من استيعاب التجربة الديمقراطيّة بشكل تدريجي وتراكمي، إسوة بالدّول الدّيمقراطيّة التي استغرق تكوين الأنظمة الديمقراطية فيها، أكثر من مئتي عام. والأمر الأسوأ أنّ القائمين على تطبيق النظام الدّيمقراطي، لا يؤمنون بهذا النظام، إلاّ بقدر تعلق الأمر بمصالحهم. وسيكون العبئ أكثر مما يحتمل، إذا ما أضفنا إلى ما سبق، ضَعف المتولّين لإدارة العمليّة الديمقراطيّة مهما كانت تسميتهم (سياسيون، قياديون). فهؤلاء السياسيون او القياديون وضِعوا في قلب التجربة فجأة، والأعم الأغلب منهم يسدّ ضعفه بالاستقواء بأمريكا أو بدول إقليمية، وهذا السبب يجعلهم فاقدين للإرادة الوطنيّة، وبالتالي عاجزين عن اتخاذ القرار السياسي المستقل الخاص بقضية العراق. أوّل معضلة واجهت الانتخابات التي جرت في 7 آذار 2010 ، إعادة العدّ والفرز اليدوي، الذي استغرق 113 يوماً، وهذا أوّل مؤشر بعدم وجود الثقة بين الفرقاء. في 13 تموز 2010 انعقدت أوّل جلسة للبرلمان، ودخل العراق في مسلسل خرق الدستور. الفقرات التالية تحدد مواطن خرق الدستور العراقي:

 

1.   المادة (1) من الدستور نصّت على مايلي :(جمهورية العراق دولةٌ اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ،  وهذا الدستور ضامنٌ لوحدة العراق). لكن غياب البرلمان وبقائه في جلسة مفتوحة يعني غياب الجهة المشرّعة للقوانين التي يحتاجها البلد، وكذلك الجهة التي تراقب عمل أجهزة الحكومة، وهذا يخالف الدستور.

 

2.   المادة (54) من الدستور تنصّ على:(يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسومٍ جمهوري، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة، وتعقد الجلسة برئاسة اكبر الأعضاء سناً لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه، ولا يجوز التمديد لأكثر من المدة المذكورة آنفاً). لكن ما حصل انسحاب السيد حسن العلوي، النائب الأكبر سناً من افتتاح الجلسة، وهذا يعتبر تقصيراً بالواجب، وحنثاً باليمين الدستوري الذي نصت عليه المادة (50) من الدستور العراقي والتي نصّها: (اُقسم بالله العلي العظيم، أن اؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية، بتفانٍ واخلاص، وان احافظ على استقلال العراق وسيادته، وارعى مصالح شعبه، وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي، وان أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة، واستقلال القضاء، والتزم بتطبيق التشريعات بامانةٍ وحياد، والله على ما اقول شهيد).

 

3.   نصّت المادة(55) من الدستور (ينتخب مجلس النواب في أول جلسةٍ له رئيساً، ثم نائباً أول ونائباً ثانياً، بالاغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس، بالانتخاب السري المباشر). وهذا لم يحصل في الجلسة الأولى وإنما تم تأدية اليمين الدستوري وجعل الجلسة مفتوحة وانفرطت جلسة المجلس.

 

4.   مخالفة المادة (56/ أولا) والتي نصها: (اولاً :- تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنواتٍ تقويمية، تبدأ بأول جلسةٍ له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة). لكن الذي حصل، أنّ سبعة اشهر قد انقضت على الانتخابات، ولم يمارس مجلس النواب أيّ عمل سوى أداء اليمين الدستوري وابقاء الجلسة مفتوحة.

 

5.   لا يوجد نصّ دستوري يتم بموجبه تحويل أيّة جلسة للبرلمان إلى جلسة مفتوحة والى أجل غير مسمى، وهذه مخالفة صريحة للدستور.

 

6.   مخالفة المادة (56/ ثانياً) والتي نصها: (يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسةٍ واربعين يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة). ومخالفة هذه المادة ان مجلس النواب الجديد انعقد بعد اكثر من اربعة اشهر من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة.

 

7.   مخالفة المادة (57) من الدستور حيث تم اختزال الفترة الزمنية للفصل التشريعي الأول حيث نصّت هذه المادة على ما يلي: (لمجلس النواب دورة انعقاد سنوية بفصلين تشريعيين أمدهما ثمانية أشهر، يحدد النظام الداخلي كيفية انعقادهما، ولا ينتهي فصل الانعقاد الذي تعرض فيه الموازنة العامة الا بعد الموافقة عليها). ولغاية يوم كتابة هذه السطور 14/10/2010 فقد تم استنفاد 75% من عمر الفصل التشريعي الأوّل للبرلمان بدون تحقيق أية فائدة للشعب العراقي. 

 

8.   من المادة (61) وردت الفقرات التالية:(يختص مجلس النواب بما يأتي: اولاً:- تشريع القوانين الاتحادية. ثانياً:- الرقابة على أداء السلطة التنفيذية. ثالثاً:- انتخاب رئيس الجمهورية). وما ورد في التسلسل(1) أعلاه يغني عن الإيضاح، كما أنّ الاختصار فرض علينا أنْ لا نتتبع المادة (61) بجميع فقراتها.

 

9.   إنّ غياب السلطة التنفيذية وعدم وجود رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء، يتعارض مع نصّ المادة(66) من الدستور التي نصّها: (تتكون السلطة التنفيذية الاتحادية، من رئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء، تمارس صلاحياتها وفقاً للدستور والقانون).

 

10. نظراً لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، كما نصت عليه المادة المادة(70)، دخلت العملية السياسية في دوامة مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً. وعند غياب قائد البلاد فبالتأكيد تأخذ الأمور منحى من التراخي والتسويف، والمادة (67) عرفت هوية رئيس الجمهورية بما يلي: (رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة اراضيه، وفقاً لاحكام الدستور). 

 

11. نصّت المادة (72/ب) (يستمر رئيس الجمهورية بممارسة مهماته إلى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه، على ان يتم انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ أول انعقادٍ للمجلس).  لكن ما حصل أنْ اجتمع مجلس النواب لربع ساعة فقط، حتى يحقق تأدية اليمين الدستوري ليأخذ كل نائب وضعه القانوني كنائب، ومنها الراتب الشهري البالغ (27) مليون دينار لكلّ نائب.

 

12. نصّت المادة (72 ثانياً/أ) من الدستور على ما يلي:(تنتهي ولاية رئيس الجمهورية بانتهاء دورة مجلس النواب). وبناءً عليه يعتبر رئيس الجمهورية، منتهية ولايته منذ انتهاء دورة مجلس النواب السابق.

 

13. لَمْ تطبق الفقرة(أولا) من المادة(76) من الدستور والتي نصّها: (يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية).  وحسب جريدة المدى الصادرة بتاريخ 16/7/2010 ذكرت مايلي:(أعلن مجلس القضاء الأعلى العراقي، أمس أن المحكمة الاتحادية العليا سمحت باستمرار رئيس الجمهورية العراقية في أداء مهامه الدستورية حتى انتخاب رئيس جمهورية جديد، فيما اعترف ان تجاوز المدة المحددة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يعتبر خرقا دستوريا). ومجلس القضاء الأعلى كشف بهذا النصّ أنّ هناك خرقاً دستورياً. وكان من المفترض أنْ تقف المحكمة الاتحادية إلى جانب الدستور، وتعلن للشعب أنّ هناك تجاوزات قد حصلت على الدستور، منها عدم انتخاب رئيس للبرلمان ونائبية، ورئيس للجمهورية ونائبيه، وترك المجال مفتوحاً أمام الكتل السياسية، وإبقاء جلسة البرلمان مفتوحة، حتى يكون مثل هذا الإعلان وسيلة ضغط، على جميع الأطراف للإسراع بتشكيل الحكومة.

 

ملاحظة ختامية:

نظراً لعدم وجود نصّ دستوري أو قانوني يلزم الكتل النيابية الفائزة، للإئتلاف لغرض تشكيل الكتلة النيابيّة الأكثر عدداً خلال مدة محددة، وفي حالة تجاوز هذه المدّة، يترتب وضع دستوري أو قانوني جديد، جعل الكتل الفائزة تدخل في سجالات استمرت ثلاثة شهور من تاريخ عقد البرلمان لأول جلسة له. وإذا أضفنا الأربعة اشهر تقريباً (وبالتحديد(113)يوماً) التي صرفت من قبل المفوضية العليا للانتخابات، في عملية إعادة العدّ والفرز لنتائج الانتخابات، والتي لم تسفر عن نتائج ذات قيمة أصلا، ستكون الفترة الضائعة لغاية يوم 14/10/2010 مقدارها سبعة اشهر. ومن هذه الفترة ثلاثة اشهر تمّ فيها صرف رواتب لأعضاء مجلس النواب. وإذا حسبنا راتب كل نائب (27) مليون دينار عراقي شهرياً، مضروباً في ثلاثة اشهر، مضروباً بعدد نواب البرلمان(325) نائباً، يكون الناتج مبلغاً قدره (26) مليار و(325) مليون دينار عراقي عداً ونقداً. صرفت هذه المبالغ للسادة النواب دون أيّ عمل يقابلها، وهذا يتنافى مع أصول المعاملات في الفقه الإسلامي. ولا ادري ما سبب سكوت المرجعيات الدّينية عن هذه القضيّة، وهل هذا المال المقبوض بدون جهد حلال أمْ حرام ؟. وبعد عرض الخروقات المذكورة أعلاه، فهل أُلامُ إذا ما تساءلت هل هو دستور أم طنبور؟.

 

محمّد جواد سنبه

كاتب وباحث عراقي

[email protected] 

 

..........................

    الطنبور: آلة موسيقيّة. 

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1547 السبت 16/10/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم