أقلام حرة

همسةٌ في أُذُنِ التاريخ

يقابل كابوس السلطان المرعب طيف العدالة والرفاهية، والحلم الهارب بدولة تنفرج فيها أسارير الواقع، لتحتضن أوجاع الإنسان التاريخية فتحولها بقدرة قادر الى سعادة قصوى هي غاية ما يتمناه المواطن أي مواطن على وجه هذه البسيطة..

 قلما وجدنا مصاديق محددة تنطبق عليها تلك الفكرة الحلم، فمهما سمعت عن سلطان وصف بالعادل ضمن الخطاب الثقافي المصدَّر للآخر فلا تستغرب بتاتا إن وجدت الأمر على العكس في الخطاب الداخلي أو الموروث الثقافي ألشفاهي.

 مضافا الى أن التاريخ ليس بالمنصف عادة إذ انه عندما يسمح لما يسطر في جوفه أن يأخذ محله، فإنما يفعل ذلك بدوافع شتى ومنها عادة الهوية والمجد القومي أو قل مجد الانتماء بصورة عامة قوميا كان أم غيره.

 فلابد آنذاك من ستر جملة من العيوب والهنات وإبراز المفاخر وما يوجب الحكم الايجابي على الشخصية التاريخية الرمز. وعلى هذا فان الكثير ممن وسمهم التاريخ بالعدالة إنما وصفهم بذلك بعدما ولّت أيامهم ولم يتبق لهم سوى أن يكونوا سطرا في تاريخ الأمة، تفضل نخبة الأمة أن تجعله سطرا مضيئا..

والسؤال هنا هل يوافق أولئك الذين عاصروا هذا الرمز أو ذاك على ما يكتب حول عدالته الأنموذج وكرمه السحاب وحجم نقاء ضميره المنعكس مساواة أسطورية ، لاسيما إذا كان السؤال موجها على من تغذت أبدانهم على القمامة أو ما يشبهها ونصف بطونهم لازالت جائعة لفرط بخل القمامة أن تشبع أراذلنا كما نسميهم نحن بكل تنكر لأي معنى إنساني يمكن أن يكبح جماح السبعية المهيمنة منذ أن ولد الإنسان على هذه الأرض مرتضعا من ثدي سبعة كان أبوها لا ريب من فصيلة الثعالب.

لو توجه السؤال للأرامل اللواتي على حساب أوجاعهن شيدت الإمبراطوريات الضخمة عبر التاريخ ولم نسمع التاريخ يوما سمح لصدى أوجاعهن أن يكون هامشا على متنه الحافل بالرموز والأبطال، فماذا سيكون جوابهن الممتزج باللوعة والأسى وحرقة صدمة أن تجاهلهن التاريخ بما أطنب حتى بات موجبا للسأم أكثر من أي شيء اخر...

ما تراها تقول إن حدثتها عن أساطير كسرى عادلٍ او قيصرَ منصفٍ او (يا دام ظله) يملك ضميرا يبعث نحو المساواة وإنصاف المظلوم من الظالم ومن نفسه ومن تاريخ نشوء الاجتماع على أساس انتخاب الأقوى والبقاء لمن لا يسلس قياده لدوافع الضمير الأخلاقي، بمعنى فوقية المعنى السامي كمرجعية أولى تحكم حركة القرار داخل الذهن قبل انصهار الواقع ليتشكل انسجاما معه ويخلق امتداداته المأساوية المنظورة واللامنظورة...!!.

للأسف فان أطنان التاريخ التي تثقل مخ الكيان البشري لم تنبأ جيوش آكلة لحوم الورق عن خبر الأرملة شيئا بما يجعل المتأمل يتساءل بعمق عن جدوى وجود التاريخ الذي يتجاهل المأساة بوصفها الوجه الأساسي للواقعة التاريخية، عن جدوى الأرخنة بما هي فعل له الأهمية القصوى بالمقياس المعرفي عبر تاريخ اهتمامات الإنسان بالمعرفة كسبيل لمجاراة وملاحقة شبح الحقيقة.

 مادام التاريخ يخاتل ويحترف الكذب كفنٍ لا يكتشف زيفه إلا من احرقه التاريخ بنيران مقاربته الموجبة لإشعال الحرائق في غابات الذاكرة المترامية الأطراف بما يحيلها رمادا تماما من أي معنى للشعور بالفخر والاعتزاز بالأحداث الكبرى وذلك لما في التفاصيل الجزئية المهملة من أهوال مأسوية وجرائم لا إنسانية، لا تنبئك إلا بحكمة مفادها أن الإنسان كائن في غاية القسوة...

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1116  الاربعاء 22/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم