أقلام حرة

رسالةٌ إلى مجلس محافظة النجف والمحافظ الجديد

في كلِّ ما له علاقةٌ بتعمير وترميم الطرقات والشوارع الفرعيَّة والرئيسيَّة، وكان الغرض من كلِّ ذلك واضحاً جداً، وهو محاولة تضليل الرأي العامِّ في هذه المحافظات بأنَّ الأطراف التي تهيمن على مجالس المحافظات وقتئذٍ مهتمةٌ للغاية بشؤون الإعمار ومصالح الناس العامَّة والخاصَّة، للفوز في دورةٍ انتخابيَّةٍ جديدة، ولاحتطاب المزيد من المال العامِّ الذي هو بحسب الرسالة العمليَّة التي يعمل بموجبها باسم الماضي الحسناوي نارٌ في تلك الأكراش التي ما دخلها طعامٌ من حلالٍ قطّ إلا في تلك الفترات التي كان هؤلاء يعملون في مهنهم الحرَّة لبّاخين وبنائين في بيوتنا المتواضعة قبل أن يصبحوا بفعل الظروف الشاذَّة على رؤوسنا ومصائرنا حكاماً ونواباً ومحافظين.

طبعاً أنا لا أنتقص من هؤلاء كونهم كانوا يعملون في هذه المهن الشريفة قطعاً، لأني طالما كنت عاملاً بسيطاً أجلب لأحدهم الجصَّ والطابوق في الفترات السابقة، وما زلت أعيش في مستوى الكفاف من خلال عملي في مجال الثقافة والفكر، وما زلت مستعداً للوقوف في مسطر البنائين دون أن أشعر بأدنى خجلٍ من ذلك، بل سأشعر بالفخر والإعتزاز الكبيرين بالتأكيد، ولكني أعتقد أنَّ من حقِّ أيِّ إنسانٍ أن يذكِّر الآخر بماضيه الذي كان فيه واحداً من حشود الأشقياء عندما ينسى ذلك، وعندما يخالف ما كان يقوله في السابق بحقِّ المسؤولين المقصِّرين، وعن فسادهم الإداريِّ والماليّ، وعن إهمالهم للشؤون العامَّة، فيتصرف طبقاً لمنظومةٍ سلوكيَّةٍ مطابقةٍ لما كان هذا السابق يفكِّر فيه ويعمل، فيقصِّر كما يقصِّرون، ويهمل الشؤون العامَّة كما كانوا يهملون، ويكون مستعداً للإستزادة من الأموال العامَّة على حساب الشقاء العامِّ الذي يعيش في ظله المواطنون، وعلى هذا الأساس فأنا أعتبر أنَّ كلَّ من جاء إلى مجلس المحافظة الجديد في النجف الأشرف ليسوا بأفضل من سابقيهم في شيءٍ، وربما برهن لنا المستقبل على أنهم أسوأ منهم بكثيرٍ ما لم نحاسبهم ونتابع مسيرة أعمالهم وتصرُّفاتهم، ونعترض على إهمالهم وتقصيرهم بسلطةٍ هي سلطة الثقافة والفكر، كي نبرهن لهم على أنَّ هذه السلطة التي لا يعترفون لها بأيَّة فاعليَّةٍ هي التي تحرِّك البيادق على رقعة شطرنج السياسة في مستقبل العراق، وليست هي السلطات النابعة من ظروفٍ وعوامل أخرى هي كالزبد الذي يذهب جفاءً لأنه غير قادرٍ على أن ينفع الناس.

ثمَّ دارت رحى الإنتخابات، وتمخَّضت عن أناسٍ قيل لنا إنهم من العباقرة التكنوقراط الإختصاصيين العلماء، وإذ أميط اللثام عن الوجوه فإذا هم لا يحملون من هذا الوصف إلا تلك الدعاية الصارخة التي توضع على الصابون الرديء من أجل ترويجه في السوق الكاسدة، ولم تكن الصدمة كبيرةً على النفوس بطبيعة الحال، لأنكم تعلمون أننا لا ننشغل كثيراً في هذه الأمور، وإلا لما أقدمنا على انتخاب هؤلاء من الأساس، ولكنا قادرين على ترشيح وانتخاب سواهم من المئات والعشرات الأكفاء الذين هيمن على أصواتهم الشريفة ضجيج طبول هؤلاء.

المهمّ، نحن الآن في النجف الاشرف مثلاً، نعاني من ساعات قطعٍ في الكهرباء هي كما كانت موجودةً في السابق بلا أدنى تغيير، وقد توقفت حملات رصِّ الطابوق الأحمر الرديء ودسِّ الأنابيب الضيِّقة المخالفة لكلِّ المواصفات الهندسيَّة العلميَّة تحت إسفلت شوارعنا التي أصبحت بفعل رمي عشرات الأطنان فيها قبل التعبيد في مستوى سقوف بيوتنا، أما عن حرمان مئات البيوت التي يعتبرونها من التجاوزات من حقِّ أهلها في الحصول على خدمات الكهرباء والماء فحدِّث ولا تشعر بالحرج، وليس من منادٍ بالحقّ، لأنه لا يتوقَّع أنَّ هناك من سيجيب.

المهمّ، إني لا أريد أن أطيل في الكلام بعد الآن أيها المحافظ، فلكم أن تفعلوا فينا ما تشاؤون، فنحن شعبٌ مقدَّرٌ عليه أن لا توجد فيه سلطةٌ صالحةٌ إلى أبد الآبدين، فإن وجدت فلمدَّةٍ قصيرةٍ لا تسمن ولا تغني من جوعٍ، ولا تؤسِّس لوضعٍ سياسيٍّ صالحٍ يمكن أن يستمرَّ قرناً أو قرنين، فلكم أن تشفطوا المال العامَّ إن شئتم ذلك، وأنتم تشاؤون ذلك على الدوام ولله الحمد، ولكم أن تلفِّقوا التهم الباطلة لمن يثير في وجوهكم المتاعب إن أردتم، ولكم أن تتملكوا عشرات البيوت في الأحياء الراقية داخل وخارج العراق، ولكم أن تصدوا العجائز والشيوخ عن حقهم في الذهاب إلى مكة في موسم الحجّ، لتحجوا أنتم وأقاربكم ومعارفكم من الشباب، مع ما أنتم عليه من عدم التوبة والتورُّط في عشرات الجرائم التي تخصُّ حقوق العباد. نعم لكم كلُّ هذا، ولا يمكن أن يعترض عليكم اعتراضاً فاعلاً مؤثراً لا باسم الماضي الحسناوي ولا غيره من أبناء المحافظة، ولكني أذكِّرك بشيءٍ واحدٍ، قد تستغرب منه كثيراً، لأنه بسيطٌ للغاية، وهو أن تصدر أمرك في صيانة وتعبيد شارع السهلة – الكوفة، لأنه شارعٌ رئيسيٌّ رابطٌ بين أهمِّ مسجدين في العراق على الإطلاق.

  إنَّ إصلاح هذا الشارع الهامِّ وتعبيده بشكلٍ جيدٍ مما يعود عليكم أنتم بالسمعة الحسنة، وليس عليَّ أنا المواطن المسكين، فليس من المعقول أن أكون أنا المجرَّد من كافَّة الصلاحيات أكثر حرصاً منكم على سمعتكم وسمعة المحافظة أمام الزوار الأجانب الذين يأتون من كافَّة أقطار العالم لزيارة العتبات المقدَّسة، وهم يحملون في رؤوسهم وهماً كبيراً يتبدد خلال أيام إقامتهم القصيرة في العراق، وهو أنَّ الدكتاتور قد مات، وأنَّ مقاليد الحكم الآن في يد من هم خليقون بها من ذوي الحرص على المصالح الوطنيَّة العليا والدنيا، وإذا بهم يفاجأون بأنهم يقطعون هذا الشارع القصير في خطِّ سيرٍ واحدٍ بإسفلتٍ زال أكثره من التراب، بل إنَّ عدد الحفر والمطبّات يفوق عدد السيارات المارَّة به ذهاباً وإياباً على كثرتها، فبئس مجلس المحافظة إذن وبئس الإعمار.

ربما كان لا بدَّ من الإنتظار حتى حلول الفترة الزمنيَّة التي تسبق الإنتخابات المقبلة مرةً أخرى، ليكون الإتفات إلى هذا الشارع جدِّياً وحقيقياً، ولكنني لن أنتظر طويلاً، لأنني مواطنٌ عراقيٌّ بكامل مواصفات المواطنة، ولأنني صحافيٌّ من الطراز الأوَّل الذي لا يستكين، فلن أهدأ عن الكتابة ضدَّ مجلس المحافظة والمحافظ على وجه التحديد حتى أرى هذا الشارع نظيفاً ومعبَّداً.

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1125  الجمعة 31/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم