تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

معرقلو الديمقراطية في مصر

الصحافة أهم مؤشر من مؤشرات الديمقراطية في مصر، وقد تكون من أفضل البلدان العربية من حيث حرية الصحافة والتأليف والنشر بما فيه لبنان، لا سيما في ظل وجود سلطة قضائية رادعة كواحدة من أهم هياكل الدولة القائمة منذ عشرات العقود .

 نقول هذا من باب المقارنة ليس إلا، والدليل أن الدولة في لبنان بقدر ما كفلت للصحفيين والمثقفين هامشاً من الحرية، فأنها لم تستطع أن تكفل لهم حياتهم جراء الاغتيالات السياسية التي تعرضوا لها، فلو نظرنا إلى مصر لوجدنا هامشاً من الحرية لا يقل عن الهامش في لبنان ويزيد عليه في حماية حياتهم كجزء من حماية الحراك السياسي المؤسس لنواة الديمقراطية .

 هذا على مستوى الصحافة التي على أساسها تكون هناك كلمة حرة وحرية رأي وتعبير أو لا تكون، وإذا ما انتقلنا إلى مستوى الأحزاب السياسية والمنتديات،فإنها لا تعد ولا تحصى ومن كل الاتجاهات والانتماءات وما تحتويه من عقائد وأيديولوجيات مختلفة المشارب، فما يوجد هنا من أحزاب يوازي ما يوجد في دولة أوروبية شرقية كانت أو غربية.

وبرغم هذا المشهد المكتمل الأجزاء، يبقى السؤال المخفي في ذهن كل منا، مَن الذي يعرقل قيام الديمقراطية في مصر، وهل هي موجودة أم لا؟.

ثمة قاعدة بسيطة تقول لطالما قامت الدولة على قواعدها وهياكلها وجدت الديمقراطية ولو بالحد الأدنى، ولا معنى لأي سؤال عن الدولة في مصر، لأن الدولة قائمة سواء كانت في العهد الملكي أو العهد الجمهوري، وبالتالي فإن الديمقراطية موجودة  في مصر قبلنا بها أم لم نقبل، لكن نعود إلى السؤال السابق، بما أننا جزمنا بوجودها المادي، فأين هي ومَن الذي يعرقلها؟.

لو أخدنا هذا السؤال وألقينا به على مسامع الشارع المصري والعربي  لتعددت الأجوبة كلٌ بحسب درجة ثقافته وخبرته ومستوى تفكيره وأيضا بحسب عقده النفسية، وقد يقول قائل إنها مغيبة أصلاً بفعل حالة الطوارئ وقد يحاجج آخر أن السبب يكمن في الفساد .

في الحقيقة هذه الحجج نجدها تتكرر على لسان بعض المثقفين المصريين وحتى المحازبين المعارضين، لكن لو أسقطنا بقعة من الضوء على حالتي الفساد والطوارئ في مصر، لتبين بوضوح وجلاء أن هاتين الحالتين من أقل الأسباب المعرقلة لانطلاق للديمقراطية، فالفساد موجود في كل دول العالم، وعلى أعلى المستويات السياسية وأدناها ولا نستطيع أن نتصور أن قيام الديمقراطية يتوقف على انتهاء حالة الفساد، لتوقفت عجلة الديمقراطية في العالم أجمع، واختفت من بلدان بعينها، والأمثلة على ذلك كثيرة وآخرها ما جرى من فساد مالي وسياسي وأخلاقي في بلد الديمقراطية الأكبر أميركا، فالأساس أن وجود الديمقراطية يحد من توغل الفساد في جسد الدولة وليس الفساد هو مَن يحد أو يقلل من الديمقراطية .

ولا يختلف الأمر كثيراً مع حالة الطوارئ، إذا ما علمنا أن مصر هي جزء من الشرق الأوسط المحكوم بحالة طوارئ لا تسمح لنفسها بالتساهل مع التطرف والإرهاب وإلا تحولت لدولة فاشلة أشبه بأفغانستان وبقدر قليل باكستان التي وبرغم ديمقراطيتها العريقة لازالت تعيش حالة الطوارئ ليلاً ونهاراً.

علينا أن نتوقف ملياً عند حالة الطوارئ، فالسؤال هنا يجيب على سابقه، إذا ما سألنا عن سبب حالة الطوارئ في مصر، هل هي لضبط حالة التطرف التي عانت منها مصر أم لضبط حراك المجمتع المدني ؟ الجواب الدقيق هو لضبط الجهل الأعمى في تفسير الدين كل على مزاجه، إدراكاً منا أن الدين المنغمس في السياسة ككرة ملتهبة تتدحرج من أعلى الهرم إلى أسفل القاعدة المجتمعية لتلتهم الجميع .

وإذا ما أضيف إلى هذه الكرة مفاعيل الواقع السياسي الراهن لمصر، الذي يفهمه البعض على أنه قمة المهانة والإذلال والإذعان، فإن في هذا إلغاء ونسفاً لفكرة الدولة بكرة ذلك الدين المجبول بالفهم القاصر للسياسة، وهنا لا يبقى مكاناً للديمقراطية على خارطة الصراع المفاهيمي والتأويلي الأرعن، الذي أنتج في النهاية ظاهرة اسلاموية ماضوية كابحة لكل مسارات التقدم الاجتماعي، خصوصاً حينما تتدعي هذه الجماعات والحركات الاسلاموية بعنصرية ساذجة ومراهقة، أنها الأنقى والارقى والاتقى، لكن الادهى والأمر حينما نسمع مطالبها للدولة المصرية بالإصلاح وإنشادها المشروخ للديمقراطية من دون أن تخجل فيما بينها وبين جمهورها المغرر بوعيه السياسي والديني .

إذن، الديمقراطية حقيقة قائمة في مصر، لكن ثمة مَن يعرقلها انطلاقاً من حسابات متشددة في غلوها وانزوائها المستعدي لمشروع الدولة من دون أن تفلح في تقديم مشروعها وتغليبه على مفهومي المعاصرة والاصالة اللذان تحمل لواءهما الدولة .

 

كاتب عربي

[email protected]                                     

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1127  الاحد 02/08/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم