أقلام حرة

القول الأشدّ في إبرامِ الردّ على الشيخ عبد الصمد .. رداً على مقالة "لم يفعلها المقتدائيُّون"

الصدريِّ نفسه الذي أعتزُّ بالإنتماء إليه، إذ من المعلوم أنَّ لكلِّ شخصٍ وجهة نظره الخاصَّة في بعض الشؤون، وله طريقته في مقاربة وتحليل الأحداث على الساحة السياسيَّة في الواقع العراقيِّ والإقليميِّ والدوليّ، وليس معنى أننا صدريون جميعاً، هو أنَّ وجهات نظرنا العلميَّة والسياسيَّة والثقافيَّة إلخ تتطابق ضرورةً في الكليات والتفاصيل، فهذا ليس معقولاً ولا مبرراً من الناحية الموضوعيَّة على كلِّ حال.

ومن هنا فإنَّ لكلِّ إنسانٍ الحقَّ في أن يختلف مع الأخ أبي علي النجفي أو غيره من الكتاب حتى لو كان صدرياً، ولا يستطيع أن يجرده من هذا الحقِّ أحدٌ على الإطلاق.

لكنني أكتب هذا الردَّ على الأخ عبد الصمد سويلم من منطلقٍ آخر لا يمتُّ إلى النيَّة في تجريده من هذا الحقِّ بصلةٍ، فإنَّ مقالته الموسومة "لم يفعلها المقتدائيون" تتخذ لها منحىً آخر خارج مدار هذا الحقّ، لتسقط في فخِّ التحليل المرتجل والكلام الملقى على عواهنه بلا أدنى قدرٍ من التحقيق والتدقيق في التحليل واستخلاص النتائج من مجريات الأحداث على الساحة العراقيَّة عموماً والساحة الخاصَّة بالظروف التي ألمَّت بالخطِّ الصدريِّ على وجه الخصوص. مع أنَّ نصَّ الكاتب مغلَّفٌ من رأسه حتى أخمصيه بالحقد غير الإعتياديِّ ليس على قرارات وتصرُّفات أشخاصٍ بأعيانهم في قيادات التيار الصدريِّ بقدر ما كان الكاتب يخبط خبط عشواء لم تصب الحقَّ في شيءٍ بتأثير ما يحمله في صدره من البغض الأعمى لكلِّ ما يمثل البعد القياديَّ في هذا التيار بدءاً من سماحة السيد مقتدى الصدر وانتهاءً بآخر فردٍ في التيار، حتى لو لم يكن قيادياً معروفاً، إذ وصل به الأمر إلى أن أصبح يستهدف توجيه لعائنه بالجملة على الجموع الطويلة العريضة من مقلِّدي السيد الشهيد محمد الصدر، لا لذنبٍ إلا لأنهم من أتباع السيد مقتدى الصدر حالياً، ومطيعون لأوامره وتوجيهاته، ومتمسكون بفلسفة هذا الخطّ، بالطريقة التي تعبر عن ثقتهم بقرارات سيدهم وقائدهم الذي تابعوه منذ البداية لأنه كان يمثل الوجه المشرق الأبرز في عراق ما بعد الإحتلال الأمريكيِّ الغاشم، في حين انَّ آلاف المتبرقعين زوراً بالهمِّ الإسلاميّ، اتخذوا لهم وجهاتٍ لم تكن مبرَّأةً من المطامع الشخصيَّة والإنتهازيَّة في أفضل الحالات. ناهيك عمَّن انجرَّ خلف مخططات المحتلِّ فأصبح سكيناً في يده تنغرز في صدور أهله وذويه دون حراجةٍ من دينٍ أو ضمير.

إذن لم تكن متابعة الجماهير الصدريَّة للسيد مقتدى الصدر نابعةً من الخواء أو الفراغ العقليِّ والنفسيّ، أو من سطحيَّةٍ في التفكير تمتاز به هذه الجماهير المليونيَّة الغفيرة، بل العكس هو الصحيح، فقد كان السطحيون والساذجون وطلاب المنافع الدنيويَّة القريبة يتابعون الإتجاهات الأخرى، دون أن يبذلوا أيَّ جهدٍ عقليٍّ في اختبار تلك الإتجاهات وتمحيصها من جهة الإنسجام مع الهمِّ الوطنيِّ والدينيّ، فمن بابٍ أولى أن يوصف أولئك إذن بالسطحيَّة والسذاجة، وأن يوصف هؤلاء بأنهم المحللون المختبرون للأفكار والقرارات جميعها، لأنهم اتبعوا الخطَّ الذي يسبب لهم المعاناة على مختلف المستويات، ولم يكونوا عن هذه المتاعب والمعاناة بغافلين يوماً، بل كانوا بها عالمين ومتبصِّرين.

ما يهمُّنا ها هنا هو أن نناقش الأخ عبد الصمد سويلم فيما تعرض إليه من الأمور في مقالته تلك، وليست غايتنا إلا التذكير بما للحقِّ من مسالك يجب على الزاعم بأنه من رواده ومن طالبيه أن يسلكها هي بعينها، وأن لا يخالفها إلى مسالك أخر، ربما كانت في ظاهرها توحي بأنها مطابقةٌ لتلك المسالك، ومحتويةٌ على كافَّة المعالم التي تدلُّ في النظر السطحيِّ الساذج أنها هي بالضبط، لكنَّ عين الدليل لا تخطئ، فتعرف أنها مجرد مشابهةٍ ظاهريَّةٍ مخادعة، هدفها تضليل السالك، وليس من هدفها هدايته إلا إلى ما يناقض تلك الغاية في بلوغ الحقّ، دون أن نأخذ على عاتقنا مسؤوليَّة كيل الشتائم والتهم للأخ عبد الصمد سويلم، وإن كان هو قد اختار هذا الأسلوب في محاكمة الأفكار والتوجهات التي إن تقاطع مع بعض تفصيلاتها فإنه يزعم أنه يشترك معها في الخطوط العامَّة، ويتبنى الفلسفة التي ترسم لها المعالم الرئيسيَّة الفاصلة بين ما هو صدريٌّ وغير صدريٍّ في نهاية المطاف.

يقول الأخ عبد الصمد سويلم: "ولأجل بيان وكشف الحقائق نجد أنَّ  الآلاف من المعتقلين والآلاف من الشهداء والآلاف من المهجرين قد تمَّ التخلي عنهم من قبل القائد مقتدى بوضوحٍ وصراحةٍ ولولا صفقة الرهائن مع العصائب المنشقة عنه لما خرج أحدٌ بمظاهرات الفريجي أو دعاء الناصري في مسجد الكوفة أو تصريح الناطق الرسمي المتلعثم صلاح العبيدي فأيُّ نصرٍ قد تحقق وبأيِّ ثمن".

 

يمكن تفكيك النصِّ السابق بأن نحلِّله إلى عناصره الأوليَّة التي يتكوَّن منها، والردّ عليها في الآن نفسه:

أوَّلاً: ينفي الكاتب أيَّ امتيازٍ للتيار الصدريّ، ويجرده من حقِّ ادعاء النصر على المخطط الإستعماريِّ الأمريكيّ، وله أن يبرهن على هذا الإدعاء، فبصفته كاتباً ومحللاً سياسياً لا يستطيع أن يجرده من هذا الحقِّ أحدٌ إطلاقاً كما نوَّهنا إلى هذا المعنى مراراً، ولكنَّ الكاتب يأتي بأدلِّةٍ مع أنها ليست صحيحةً مطلقاً، فإنها إن صحت افتراضاً فلا يمكن أن ترتقي إلى مستوى الدليل والبرهان على ما يريده الكاتب، لأنَّ أقصى ما يأتي به من الدليل هو أن يقول" نجد أنَّ  الآلاف من المعتقلين والآلاف من الشهداء والآلاف من المهجرين قد تمَّ التخلي عنهم من قبل القائد مقتدى بوضوحٍ وصراحة" وأيُّ رابطٍ يجمع بين هذه القضيَّة والقضيَّة الأخرى التي قوامها أنَّ مخططات المحتلِّ تعرقلت وحشرت في الزاوية الضيِّقة بسبب مقاومة الصدريين، فكلُّ عاقلٍ يفهم أنَّ من الممكن أن تحصل القضيَّة الثانية مع أنَّ القضيَّة الأولى باقيةٌ على حالها، غاية ما يمكن أن يقال هو أنَّ المقاومة الصدريَّة قد قصَّرت في حقِّ من عانى في سبيل تحقيق أهداف المقاومة، وكان عليها أن تتحمَّل مسؤوليتها بالتخفيف من حجم معاناتهم، وهذا في غاية الوضوح في رأيي، ولا يحتاج إلى مزيد كلام.

إذن تبقى االقضيَّة التي تقرِّر انتصار الصدريين صحيحةً ولا تتأثر بالقضيَّة الثانية مع فرض صوابها وعدم البرهنة على خطئها كما سيأتي لاحقاً، وهنا نقول: من المعروف أنَّ الشعب العراقيَّ تعرَّض إلى عمليات تهجيرٍ ظالمةٍ في الفترة السابقة على وجه الخصوص، وربما كانت بعض عمليات التهجير مستمرَّةً إلى الآن، وقد شاهد القاصي والداني كيف أنَّ الصدريين بأمرٍ من سماحة السيد مقتدى الصدر قد نصبوا السرادقات العديدة في أغلب مناطق العراق من أجل جمع التبرُّعات من الصدريين، بالإضافة إلى ما كان يقدِّمه مكتب سماحة السيد الشهيد بشكلٍ جادٍّ ومتواصلٍ من الدعم الماديِّ والمعنويِّ للعوائل المهجرة، إلى درجة أنَّ كلَّ عائلةٍ مهجرةٍ كانت تحصل على الإمتيازات العديدة التي من بينها الرواتب الثابتة التي يستلمونها من الهيأة الإجتماعيَّة بشكلٍ دوريٍّ ومنتظمٍ، بل إنَّ الدعم الذي تكفَّل به الصدريون لم تتكفَّل بمثله الدولة العراقيَّة نفسها بكلِّ ما في أيديها من مقدَّرات العراق، بل إنَّ دعم التيار الصدريِّ فاق ما تقدمه الدولة وما تقدمه كلُّ المؤسسات والهيئات الأهليَّة والدينيَّة داخل العراق وخارجه في هذا المجال، ولعبد الصمد سويلم أن يتحدَّث في مجلسٍ عامٍّ عن اعتقاده بتقصير التيار الصدريِّ في دعم المهجَّرين في أيِّ مكانٍ عامٍّ يتواجد فيه المهجَّرون أنفسهم ليجد ألف من يردُّه ويعتبر كلامه باطلاً ومغرضاً.

أما عن المعتقلين، فأرجوك أيها الكاتب أن تكون منصفاً كذلك، فما الذي يستطيع أن يفعله السيد مقتدى الصدر لهم أكثر مما يفعل، وهل معنى أنه عاجزٌ عن إخراجهم هو أنه راضٍ ومسرورٌ باعتقالهم، ولعله لا ينام من الليل إلا أقله سهداً وحزناً عليهم، ولكنَّ هذا هو مصير المقاوم في كلِّ الأحوال، ولو راجعت سجلَّ اعتقال المقاومين في التأريخ القديم والحديث لتنبهت إلى أنَّ كلامك قد ابتعد عن الحقِّ آلاف الاميال، بل ربما اتخذ لنفسه عن الحقِّ بعد الكواكب في المجرات الأخرى، وهل إنَّ قيادات التيار الصدريِّ أنفسهم في مأمنٍ من أن يعيشوا المصير نفسه، بل إنَّ شخص السيد مقتدى نفسه هل يمكن أن تقول عنه إنه في مأمنٍ من اغتيال المحتلِّ ومن يسير في طريقهم؟، بالطبع لا، فعلام إذن تحاول أن تصوِّر أنَّ سماحة السيد مقتدى الصدر سلطانٌ من طراز سلاطين آل العباس أو آل عثمان، يعيش في بحبوبةٍ من العيش الرغيد والأمن الأكيد، في حين انَّ أتباعه يعانون آلام الإعتقال في سجون الإحتلال.

  ثمَّ إنَّ المعتقلين أنفسهم لا يشاركون الأخ عبد الصمد سويلم هذا الرأي، فهم يعرفون هذه الحقيقة، وها إننا نرى بعضهم ممن يفرج عنهم يعبرون عن عزمهم على مواصلة مسيرة السيد الشهيد دون اعتراضٍ مغرضٍ من هذا القبيل الذي يقدمه الأخ عبد الصمد سويلم. فهل يصحُّ أن ينوب عنهم في تبني فكرةٍ لا يتبنونها هم، ويحاول أن يزعزع البنيان المرصوص للمقاومة العراقيَّة الصدريَّة من خلالها، ألا أنَّ هذا في غاية ما يحكم عليه العقل والمنطق بالتهافت والبطلان.

أما عن الشهداء الذين رفعهم الله على كلِّ من سواهم درجاتٍ ليس لنا نحن المتلبسين بالعلائق الدنيويَّة بعدُ أن نتكهَّن بها أو أن نعرف مدى رفعتها وشموخها، فلا أعتقد أنَّ أحداً يستطيع أن يتجاهل اهتمام سماحة السيد مقتدى الصدر بعوائلهم، وهو يقدم لهم ما هو في حيِّز الإستطاعة، ومن ذا الذي يستطيع أن يزعم أنَّ قائداً للمقاومة يعيش المعاناة على مختلف الصعد والمستويات، ومنها المستوى الماديُّ طبعاً، بإمكانه أن يفي كلياً بما يستحقه شهداء المقاومة، وهل إنَّ سماحة السيد مقتدى الصدر رئيسٌ للعراق مسيطرٌ على كلِّ مقدراته الماديَّة من الصادرات والواردات لكي يكون عتابه على مثل هذا الأمر معقولاً، وهل يستطيع عبد الصمد سويلم أن يقدم عهداً لله فيما لو كان هو في مكان سماحة السيد مقتدى الصدر أن يفي بكلِّ ما اعتبره حقاً لازماً في عنق قائد المقاومة، مع كلِّ ما يحيط به من الظروف لو أحاط بعضها بالأخ عبد الصمد سويلم لندم على يوم الولادة، ولم يتمنَّ من الله الإستمرار في خطِّ الحياة.

أما عن الصفقات المعقودة بين المنشقين بحسب تعبير الأخ عبد الصمد سويلم ومقايضة ما لديهم من الرهائن ببعض المعتقلين، فلنا فيها كلامٌ مع الأخ عبد الصمد سويلم، وهو هل إنه يعتبر أنَّ الأنفار القليلة جداً التي أطلق سراحهم الأمريكان بهذه الصفقة هم كلُّ المعتقلين في الخطِّ الصدريّ، أم أنه يعتبر أنَّ المهمَّ هو أن يخرج هؤلاء فقط من المعتقل وليذهب كلُّ الآخرين إلى الجحيم، لأنَّ الحاصل هو أنَّ المنجز الذي حققته هذه الصفقة لا يتعدّى هذا النفر المحدود جداً، الذي لا يصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة كما هو معلوم، فأيُّ حلٍّ سحريٍّ هذا لمعضلة المعتقلين ما دامت الحصيلة النهائيَّة التي حققتها هي هذه ولا شيء سواها.

ولماذا يستهزئ الأخ عبد الصمد سويلم بالمظاهرات الصدريَّة، وهل يستطيع أحدٌ أن يدافع عن الإستهانة بهذه المقاومة الشعبيَّة الصارخة التي تعبِّئ الرأي العامَّ المحليَّ والإقليميَّ والعالميَّ ضدَّ الإحتلال، أليست المظاهرات ضدَّ الإحتلال عملاً من أعمال المقاومة، ألا إنني أقرأ عجباً في مقال الأخ سويلم، وأشعر بالهدوء التامِّ لأنني أقرأ كلاماً ينقض نفسه بنفسه في أغلب تفاصيل المقال.

أما عن الإستهزاء بدعاء الشيخ أسعد الناصريِّ في مسجد الكوفة،  فلا أعتقد أنَّ هناك إنساناً مسلماً متديناً يوافقه على الإستهانة به، لأنَّ الدعاء من أدبيات الإسلام ومقرراته القرآنيَّة أيها الأخ سويلم، ولا يعني الدعاء التخلي عن توفير الأسباب الطبيعيَّة الأخرى للنجاح في العمل طبعاً، ولكنَّ مجرَّد الإستهزاء بالدعاء ينمُّ عن ضعف الوازع الإيمانيِّ في قلب المرء، وعن استهانةٍ بالدين في نهاية المطاف.

أما عن الإستهانة بتصريحات الناطق الرسميِّ الشيخ صلاح العبيديّ، ووصفك له بالمتلعثم فدعني منها رجاءً، لأنَّ مقالك كلَّه مشحونٌ بالأخطاء اللغويَّة والنحويَّة وبالمعلومات التوثيقيَّة الخاطئة، بالإضافة إلى الهشاشة المنطقيَّة في توفير الأدلة على ما لا تصلح للتدليل عليه، فتلك اللقاءات التلفزيونيَّة للشيخ صلاح العبيديِّ لا يجد فيها أحدٌ خللاً مما يوجد في مقالك المكتوب على مهلٍ، مما تظنُّه ارتقى إلى مستوى النصوص الفلسفيَّة الخالدة، وما هو إلا عملٌ دعائيٌّ مغرضٌ بسيطٌ لو حققت ما ورد فيه جيداً، ولم تستعجل في إصدار التهم على الآخرين.

يقول عبد الصمد سويلم أيضاً: "وبالنسبة إلى علاقتهم بالسلطات الحاكمة وبالإمبريالية العالمية فهي تتسم بعلاقة ود حرصاً على نفوذ ومصالح تلك الشريحة لاحظ نموذج (حسين الصدر)مثلاً،فضلاً عن استثمار أموال المرجعية في الشركات الإحتكارية الإمبريالية لدى روكفلر وغيره وهذا يتطلب شأن كلِّ رأسماليةٍ محليةٍ أن ترتبط بالرأسمالية العالمية وتحارب كلَّ توجهٍ ثوريٍّ يهزُّ الأنظمة الرجعية العميلة القائمة ويعرضها للخطر لاحظ (عبد المجيد الخوئي وعلاقته بتمويل أمير ويلز وليدي ديانا والسيستاني) أنموذجاً.لاحظ محاربة محسن الحكيم لقرارات الإصلاح الزارعي والتأميم ابان حكم الزعيم عبد الكريم قاسم والتي أعيدت الأراضي التي اغتصبها الإقطاعيون الطغاة للفلاحين أصحابها الشرعيين،لاحظ أيضاً الرسالة والبرقية التي أرسلت من قبل ما يسمى الهيئة العلمية في النجف الأشرف في تأريخ 19/3/1384والمصادف 29/7/1964."

أسالك بالله العظيم أيها القارئ العزيز ما علاقة هذا الكلام كله بالتيار الصدريِّ وبقائد التيار، وما الذي يعنينا من شأن هؤلاء الذين ذكرهم الأخ عبد الصمد سويلم، ألا يعلم أنَّ أتباع التيار الصدريِّ يتقاطعون مع هذه التوجهات التي ربما مثلها بعض العلماء في الخطِّ المرجعيِّ الحوزويِّ التقليديِّ الموروث، وبالتالي فإنَّ التيار الصدريَّ ليس معنياً بالردِّ على مثل هذا الكلام، لأنه لا يعتبره موجهاً إليه من الأساس، فليذهب الأخ إلى حسين الصدر أو ليذهب إلى من هو مقلدٌ للسيد محسن الحكيم أو ليذهب إلى كلِّ واحدٍ ممن ذكرهم في هذه الفقرة فليقل لهم مثل هذا الكلام، أما التيار الصدريُّ فهو تيار الكادحين الذي لا تجمعهم مع التوجهات البرجوازيَّة والرأسماليَّة رابطةٌ من أيما نوع، فإن قال إنَّ فيكم من يتصرَّف طبقاً لهذا النزوع من بعض الإنتهازيين، قلنا نعم، ولكن هؤلاء انتهازيون في تيارنا، وليس هم تيارنا، هناك فرقٌ واضحٌ على الأخ سويلم الإنتباه إليه لكي يكون منسجماً من الناحية المنطقيَّة، ولا يمكن أن يوجد خطٌّ عقائديٌّ أو سياسيٌّ في العالم لا يتسلَّل إليه الإنتهازيون على صعيد السياسة أو على صعيد الإقتصاد أو على أيِّ صعيدٍ آخر، فلا ينبغي إذن لبيادق الكلام أن تتبعثر هكذا بطريقةٍ عشوائيَّةٍ على رقعة الإستدلال، وإلا فقد الكلام كله صفة التماسك المنطقيِّ والبرهان.

يقول عبد الصمد سويلم كذلك:"أما آل الصدر ما بعد استشهاد محمد الصدر فهم على نفس السوء ونفس المسير الطاغوتيّ، فنلاحظ مثلاً طرد بنت السيد محمد باقر الصدر مع زوجها الشيخ محمد النعماني من النجف إلى النعمانية من قبل السيد مقتدى الصدر بعد فشل انتفاضة ساعة الصفر ونبذ وإهمال السيد جعفر الصدر لأخته تلك وتبني الأخير لأفكار سروش المنحرفة وكما يقال بأنَّ النار قد خلفت رماداً".

هناك تناقضٌ كبيرٌ في هذا النصِّ يتضح من خلال اقتباس العبارة الآتية من المقال عينه، قال سويلم في الفقرة اللاحقة" إنَّ مقتدى الصدر دافع عن هذا العميل كما أقرَّ بذلك في قرص الفيديو لأنه جزءٌ من العائلة الملكيَّة الكسرويَّة الحاكمة من آل الصدر" ففي مضمون هذه العبارة ما يوحي بأنَّ برَّ السيد مقتدى الصدر بأقاربه بحسب اعتقاد عبد الصمد سويلم من الممكن أن يصل إلى مستوى الدفاع عن العميل، لأنه من العائلة الصدريَّة التي شبهها الكاتب بالعائلة الكسرويَّة المالكة، إذن فلا يعود للفقرة السابقة من معنىً، وتسقط بالتهافت كما يقول الأصوليون والفقهاء، لأنَّ مضمون أحدهما يكذِّب مضمون الأخرى مع أنَّ مصدر كليهما راوٍ واحدٌ هو الأخ عبد الصمد سويلم، مع أنَّ كليهما محرَّفٌ عن الحقِّ بالتأكيد، لأنَّ الكاتب يحاول أن يطوِّع كلَّ روايةٍ بما يؤدِّي مضمونها إلى خدمة غرضه في الطعن بالسيد مقتدى الصدر، إلا أنَّ تهافت الروايتين كافٍ في إخراجهما من حيِّز الصدق والإعتبار كما هو واضحٌ، أما ما قاله عن السيد جعفر بن السيد الشهيد الصدر الأوَّل فمحمولٌ على الإعتبار نفسه من جهة التهمة الأولى، ولا وضوح في التهمة الثانية، وهي التهمة الخاصَّة بتبني الأخير لأطروحات سروش المنحرفة، ولأعترف من جانبي أني لا أعرف شيئاً عن التوجهات الفكريَّة للسيد جعفر ولم أقرأ له كتاباً مثلاً لأعرف تفاصيل ما يفكِّر به، لكنَّ تهمة الكاتب تسترعي منا أن نقول:

أولاً: إنَّ أفكار وأطروحات سروش ليست خطأً كلها، وإن كان المشروع السروشيُّ في مجمله لا يتطابق مع التوجهات الإسلاميَّة الصحيحة، فليس من الصحيح إطلاقاً على فرض تبني السيد جعفر لبعض الأفكار الواردة في كتب سروش أن نقول إنه نسخةٌ طبق الأصل من أفكار وأطروحات هذا الكاتب، فلربما قرأ كتبه وتأثر ببعض ما فيها مما هو لا حرج في تبنيه، مع الإحتفاظ بحقِّ النقض على ما يخالف الطرح الإسلاميَّ في سائر تفاصيل المشروع، وهذا مما لا حرج فيه إطلاقاً، وإن كان في مثل هذا حرجٌ أو جناحٌ، فليقع مثلهما على عبد الصمد سويلم نفسه في ذات المقال الذي نحن في صدد الردِّ عليه، إذ استشهد الكاتب بعباراتٍ من الكاتب الروسيِّ غوركي صاحب رواية الأمِّ الشهيرة، واستشهد كذلك بالمضامين التي تحدَّث عنها الماركسيون ودافع عن الإشتراكيَّة وكلها مضامين تحدث بها الماركسيون الملاحدة، ولا ضير على الكاتب من هذه الجهة إن أصاب في الإستدلال بها، ولكنه أخطأ في التطبيق بحسب رأينا فلا قيمة لكلِّ ما قاله في هذا السياق، فهل يكون حلالاً على عبد الصمد سويلم أن يستشهد بكلام الماركسيين ويكون حراماً على السيد جعفر أن يقرأ المشاريع الفكريَّة التي تحتوي على مضامين تتقاطع مع الفكر الإسلاميِّ الصحيح، لكنها ربما احتوت على بعض الحقِّ المتفرِّق هنا وهناك فيتبناه بهذه الرؤية الإسلاميَّة المنفتحة، ألا إنَّ هذا من أغرب التهم، ولله في خلقه شؤونٌ كما يقال.

ثانياً: إنَّ كثيراً من الأفكار التي تناولها سروش هي من الأفكار المنتشرة المشاعة في الكتب الأخرى، بمعنى انَّ كلَّ من تحدث عن الفكر الإسلاميِّ التنويريِّ وتبنى بعض مقولات مفكريه الذين من بينهم السيد الشهيد محمد باقر الصدر نفسه قيل عنه عند السطحيين السذَّج إنه يتكلم بأفكار سروش، أو بأفكار أيٍّ من المنحرفين الآخرين من دون تمييزٍ بين الطالح والصالح في هذا المجال، ولعلَّ عبد الصمد سويلم اختار أن يكون سطحياً في الإستنتاج على أن يكون منصفاً للآخرين الذين يتقاطع معهم في التوجهات، ولكلِّ إنسانٍ الحرية التامَّة في أن يختار لفكره الموضع الذي أراد.

وقال الكاتب أيضاً: "ولقد وصل الأمر بأصحاب السلطان الدنيويِّ من قيادات التيار الصدريِّ إلى التورط في علاقاتٍ مشبوهةٍ مع السفارة الأمريكية وإلى تقديمها لمعلوماتٍ تفصيليةٍ عن المقاومة حتى ما يسمى بالممهدين من خلال إملاء هؤلاء لمعلوماتٍ دقيقةٍ تفصيليةٍ سلمت إلى الأمن والإستخبارات ومكافحة الإرهاب "

عجيبٌ أمر هذا الكاتب، فهو ربما ساق التهمة ولم ينتبه إلى أنها ليست تهمةً بحقِّ السيد مقتدى الصدر، لأننا نعتقد بالحقيقة الآتية: وهي أنه مع فرض تحقق ما قاله الكاتب وعدم كذبه من وجود بعض القياديين الذين ارتبطوا بأجندة العمالة للمحتلّ، فإنَّ هذا يكشف عن أنَّ هناك اختراقاً قد حصل أو أنَّ هناك خيانةً من أحد الناس للأمانة التي أوكلها له السيد مقتدى الصدر قد حصلت، ولا ينتج من ذلك أنَّ التيار الصدريَّ وقائده وسائر من يعاونونه في إدارة شؤون التيار هم مرتبطون بالأجندة الأمريكيَّة، فأولى بك إذن أيها الكاتب أن تتعاون مع قائد التيار فتحاول أن توفر الأدلة على عمالة هؤلاء ليتمَّ إقصاؤهم لا أن تكتب المقالات في التشهير على الناس بلا حجةٍ ولا دليل، وأين هم المرتبطون بالأجندة الأمريكيَّة من شيوخ التيار الصدريِّ رجاءً، هل هم الساكنون في بيوت الصفيح ومنطقة التجاوزات وحيِّ الرحمة في النجف مثلاً، ألا إنَّ ما تفوَّه به هذا الكاتب لعجيبٌ حقاً.

ثمَّ تركت الناس كلهم واتجهت إلى مشروع (الممهدون) لتصبَّ عليه جام تهمك الباطلة، فأنا عاملٌ في مشروع الممهدين هذا ولا أعلم أنَّ شيئاً مما فهتَ به قد حصل، أم أنك تقصد أنَّ مجرد تنظيم عملهم المؤسساتيِّ في تنظيم استمارات القبول وتعيين الموظفين دالٌّ على أنهم إنما يريدون أن يسلموا أسماء هؤلاء إلى الأمريكان، فلك أن تسأل الجماهير الصدريَّة  وما هم عنك ببعيد عن ذلك، وجئ لنا بحادثةٍ واحدةٍ موثقةٍ بالدليل لنشهد لك بالصدق بعد أن كنت عندنا من المفترين.

 

باسم الماضي الحسناويّ

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1130  الاربعاء 05/08/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم