أقلام حرة

.. مسلسل الالم العراقي .. الحلقة الاخيرة متى؟

ويحفز على الثورة والغضب والعنف...رغم طيبة شعبه وعفويتهم لكن الموروثات لا تتركهم وإنما ترسخ الشيء الكثير منها في فكر الإنسان وترك أثرا واضحا في حضارته.. واهم سمات  العراقي هي الغضب الشديد والتطرف الشديد بالعاطفة والتناقض في الكثير من الأحيان.تأثر العراق بمتناقضات عديدة متصارعة فيما بينها بعولمة تاريخية بين الشرق والغرب الفرس والروم الترك والإيرانيون الجبل والصحراء البرد والحر وفرة الماء والعطش والجدب، الخضراء والصحراء كما تأثر باختلافات تصارع حضارات دول الجوار بقوة  وكانت أرضه دوما ساحة الألم لأنه خط التماس بين هذه الحضارات. مصالح دول الجوار وحاجاتهم لا تتوافق  بسبب اختلاف المناخات البيئية والثقافية فيما بينهم وذلك ترك اثرا بالغا على الطبيعة الاجتماعية العراقية وشخصية الإنسان العراقي . هنا يمكن القول بان حضارة العراق متطرفة مفروضة بواقعها الذي لا يمكن تغييره وإنما يمكن الصمود بها والإصرار على الوقوف رغم كل ما حدث ويحدث من سوء.. إضافة الى أن العراق هو بوابة الشرق و الغرب وهو أهم ممر في العالم القديم بين أسيا وحضارتها وبين أفريقيا وأوروبا وحضارتها. لذا فان اغلب الغزاة للشرق والغرب لابد أن يمروا بالعراق ويفرضوا شيء من أردتهم وثقافاتهم عليه . رغم هذا كله نشأت حضارات عظيمة في العراق وأصبح العراقي يحمل فكر متنوع ويحمل في داخله التناقضات الكثيرة والتي تحمل في طياتها الصراعات الفكرية والتي تحفز العقل العراقي لينموا ويصبح أكثر ذكاء وأكثر قدرة على الإبداع والابتكار والتأقلم .

 

ذكاء الإنسان العراقي يمكن تصنيفه الى نوعين: الأول هو ذكاء القسوة  والحروب والتسلط   (ذكاء المستأسد التسلطي)، والنوع الثاني هو ذكاء أخر سلبي وهو ذكاء الخنوع وحماية النفس من القوة الغاشمة (ذكاء الثعالب) . ترسخت هذه في جينات الإنسان المؤلوم  وأصبح يبتعد عن  السلطة ويحمي نفسه بالمكر أحيانا ويحمي نفسه  بالتخفي والسكوت أحيانا أخرى. وما بين وبين يخرج الرافضين للخنوع لشق جدار الصمت ولإزاحة الظلم..  لكن تبقى دائما صراعات التناقض هي من تفشل أعظم الثورات. وهذه هي حقيقة الشعب الذي كتب أول دستور على وجه الأرض .

سنة 1958 قاد الزعيم البطل عبد الكريم قاسم ثورة تغيير تنبض بنبض الشارع العراقي لينهي الغباء البرجوازي وعصابات التسلط السارقة للشعب. ونشأت صراعات دموية عظيمة وكان حصيلة ذلك هو استشهاد الزعيم البطل على يد البعثيون و أرذل الرفاق وأغبياء وعملاء عبد الناصر الذي لم يهدي العروبة الى النكسات والتخاذلات المخجلة، وانتهى البعثيون بمصائب وعادوا بكوارث سنة 1968. واستمر الصراع  بتصفية الحركات السياسية بالعراق وذلك بمجازر دموية وحشية. بطش دولة ومخابراتها وقتل وسجون وتعذيب  وحروب داخلية مع احد أهم المكونات الأساسية للبلد في بداية السبعينيات من القرن الماضي وهم الأكراد  الذين وضعوا حقوقهم العرقية قبل الوطنية العراقية . الأكراد استمروا بتمردهم من اجل إحقاق بعض حقوقهم القومية استعانوا بأمريكا وإسرائيل وإيران الشاه عميلة الغرب في ذلك الوقت. لم يربح الأكراد شيء يذكر وإنما جعلوا العراق يخسر كثيرا. خسر العراق الكثير من أراضيه وحدوده مع إيران باتفاقية الجزائر لكي يوقف الشاه دعمه للأكراد . لذا على السياسيين أن لا ينسوا بان ما تم خسارته لإيران كان بسب عدم نمو حس وطني موحد للأكراد العراقيين. وكأن خسائر العراق مع إيران لا تعنيهم  وللأسف خسارة العراق مع إيران لم تقدم حلا لمشكلة الكرد . أي تم استغلالهم لتحقيق أحلام إيرانية في أضعاف العراق وإذلاله. إضافة الى أن  نظام البعثي خلال استلامه للسلطة وبسبب امتلاك العراق ثروات  زراعية ونفطية كبيرة ومقومات بشريه هائلة قام بالترويج للشعارات القومية والفكر القومي وزرع الكره للغرب ولإسرائيل وأمريكا ( وذلك لاطمئنانه من انه لا يصيبه شيء بسبب عدم تجاوره مع إسرائيل) وهذا الفكر ترسخ ولازال مستمرا في نفوس العراقيين. أن الكره لأمريكا والغرب أصبح سمه عراقية. نرى الآن بان اغلب العرب يصافحون أمريكا وإسرائيل. ونرى الفلسطينيين أنفسهم يصافحون إسرائيل ويقيموا العلاقات معها ونرى العراقيون يرفضوا أي قبول لإسرائيل وكان الأرض التي تحتلها إسرائيل عراقية!!!!! إسرائيل تحتل جزر سعودية بخليج العقبة وتحتل ارضي أردنية وتحتل ارضي سورية وتحتل ارضي لبنانية ولم نرى شعارات من هذه الدول للمطالبة بأراضيها باستثناء حزب الله وحماس. أعلنت السعودية ومصر بان إسرائيل لم تعد العدو الأول  بل الشيعة العرب وإيران أصبحوا هم العدو الأول وذلك لأسباب عديدة خوف مصر من أن تخسر مكانتها في الشرق لصالح الثوريين الشيعة الذين يحاربون إسرائيل والذين لو تم لهم ذلك فأنهم سوف يؤسسوا لأعظم حلف بالشرق الأوسط . كما أن السعودية لا تخشى إسرائيل لكنها تخشى الثلث الشيعي المهمش من شعبها . حيث أن أي ظهور لقوة شيعية وتحالف ثوري شيعي يدعو للعدالة وتحرير الأراضي العربية سوف يؤجج روح الثورة في السعودية وهذا يقلق السعودية جدا ويؤرقها خصوصا بوجود صراعات في داخل العائلة الحاكمة .إضافة الى أن العالم الغربي كشعوب  يدعوا للديمقراطية وحفظ حقوق الإنسان في كل بلدان العالم .

 

 الحرب العراقية الإيرانية وإرهاب صدام ضد الشعب وضد الشيعة خصوصا كان لربما من أسوء مراحل تاريخ العراق الحديث التي تركت أثرا سيئا جدا لأسوء تجاوزات على حقوق الإنسان . وكنا نلاحظ دعم عربي غير محدود ودعم أمريكي وغربي غير محدود لصدام في حربه الغبية واستمرت الحرب 8 سنوات وتدهور فيها اقتصاد العراق وانهارت مقومات الإنتاج الزراعي والصناعي إضافة الى تدهور بنيوي اجتماعي  فرض ثقافة جديدة على العراقيين بسبب عدم وجود الأب دائما في المنزل وبسبب الخوف الشديد من السلطة.. نهاية الحرب بدا الإنسان العراقي يعاني من الم  الحرمان والجوع بسبب تدهور اقتصاد البلد. وبعد انتهاء الحرب واستهتار العرب وعدم اسقط ديون العراق ورفض الخليجيون لدخول العراق في مجلس التعاون الخليجي رغم أن الخليجيون كانوا يدعمون صدام في حربه ضد إيران ويقولوا أن صدام يخوض الحرب نيابة عن العرب. لكنهم مع ذلك تصرفوا بشكل سلبي مع العراق بعد الحرب. وبنفس الوقت كانت القوة العسكرية للعراق تتصاعد وتتنامى بشكل كبير جدا خصوصا بعد نهاية الحرب عسكريا لصالح الجيش العراقي.أن تنامي قدرات العراق في تصنيع الأسلحة دفع بصدام  لغزو الكويت لتحقيق حلم وثني وحلم عراقي نائم وحلم سلطوي قومي ... وبغزو الكويت  بدأت حلقة من أسوء حلقات مسلسل الألم وهي أخراج العراق من الكويت بالقوة العسكرية الأمريكية ومنح صدام مكافأة لضرب الثورة الشعبية  في الجنوب والبطش بهم لصالح الفكر الاهوج السعودي . ورغم أخراج العراق من الكويت تم الاستمرار بفرض حصار غبي على العراق كله كشعب وليس كحكومة في حلقة مسلسل الجوع وترسيخ مفاهيم الصراع والتجهيل للمجتمع وذلك بمسلسل مخابراتي أمريكي سعودي مصري الغاية منه نشر الجهل لغرض تسهيل مهمة نشر الأفكار الطائفية السوداء. وفعلا تم في  نهاية التسعينات الترويج الهائل للكتب الطائفية السوداء بظل الفساد الحكومي وانتشار الرشوة والجوع.

 

استمرت فترة الحصار والجوع ما يقارب عقد من الزمن وهنا نشا في حقبة 10سنوات فئات عمرية جاهلة تم التخطيط لها لكي تظهر وتعمل على نشر الفوضى الفساد في عراق ما بعد سقوط هبل بغداد . وذلك بمخطط مخابراتي أمريكي لغرض إسقاط صدام وتهيئة الأجواء في العراق لكي لا يمكن لأي فئة سياسية أن تصلح البلد بوراثة تركة الجهل والتطرف التي تم التأسيس لها في زمن الحصار. وبدات دول الغباء العربية بعد سقوط الصنم  بدعم  القاعدة والارهاب العربي الوافد للعراق ودعم كل ما يفكك البنية الاجتماعية والتالف والتعايش السلمي في المجتمع العراقي.  هنا برز الدور المصري بتشجيع السعودية على نشر ودعم الإرهاب في العراق لصالح الغباء البعثي وتفكيك أي مؤسسات لبناء دولة عراقية حضارية. أمريكا دعمت رجالاتها لكن حينما تبين لها بان الإسلاميين هم من يمتلكون صوت الشارع  العراقي قررت أمريكا سحب دعمها السياسي الكبير للحكومة  لا بل بالعكس بدأت أمريكا لا تمنع أي دولة من دول الجوار من التدخل بالشأن العراقي ولا تمنع دخول الإرهاب الى العراق وذلك لغرض أضعاف الحكومة الديمقراطية التي فاز بها الإسلاميون. لذا تم تصدير الإرهاب العربي للعراق ومر البلد باسوء حلقة من حلقات الظلم والقتل والإرهاب خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. وهذه الحلقة المرة غيرت حتى مفاهيم الإنسان العراقي وأصبح العراقي يعاني الامرين من ذلك . وبعدما نزف العراق انهار من الدم و تخاذل البعض وصحى البعض  وهنا قام الشهيد البطل أبو ريشة بثورته ضد الإرهاب العربي الوافد. وانتشرت ثورته لتحقق الأمان للعراق . اذ لو لا البطل أبو ريشة رحمه الله لبقى العراق يتخبط ويترنح في مستنقع الدم.

 

 بعد أن فشل الجيران السيئون بإبقاء العراق في حرب طائفية لا تنتهي بدأت حلقة مرة من حلقات الألم وهي حلقة جعل العراق صحراء جرداء لكي يصبح العراق بأضعف حالاته. هنا كان مخططا لدول الجوار لا نعرف من يقوده ومستحيل أن يكون توجههم بنفس الوقت لتعطيش العراق عفوي. أنما تم التخطيط له مسبقا وباتفاقات سرية لكل دول الجوار وربما بتأثير أمريكي غير مباشر لان حرب المياه أول من نادى بها قبل سنوات هي إسرائيل. أن التأثير على إيران وتركيا بنفس الوقت لغرض تعطيش العراق ولغرض أن لا يعود العراق بلد زراعي هذا تخطيط  استراتجي يجب الانتباه لمن المستفيد منه.. وفعلا قطعت تركيا وإيران المياه بنفس الوقت مما سبب كوارث كبيرة للعراقيين ومزارعهم وهذه هي حلقة من حلقات المسلسل الألم العراقي أي أن العراق لا يسمح له بان يتنفس هواء السلام والأمان والاستقرار النقي. أي أن العراق فعلا واقع بمسلسل الم  لا ينتهي!!! فمن يمتلك قرار إنهاء هذا المسلسل هل  الحكومة العراقية الحالية تعمل على حل هذه المشاكل وقادرة على مواجهة هكذا تحديات تهدد كيان العراق ووجوده واستمراره..؟!!! وهل قادرة على مواجهة التحديات الآنية المفاجئة التي قد تكون أصعب من المتوقع؟!! أين الأمة العراقية؟ ومن ينقذها؟

 

الشباب الواعي المثقف هو الحل الشباب الثوري المتنور بحب العراق هو الحل لا نهاية لمسلسل الالم العراقي  ألا بولادة التوحد الفكري العراقي بكلمة العراق أولا العراق أولا وقبل كل شي. نقول سينتهي مسلسل الألم سينتهي مسلسل الألم لكن كفى انتظار كفى تأمل في ذلك وهيا لنعمل ونصنع ذلك.

 

د.علي عبد داود الزكي

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1131  الخميس 06/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم