أقلام حرة

الصور الفنية والشعرية في الإسلام / مهدي الصافي

بالفعل عندما تغوص في أعماق الصور الفنية المقدسة لأغلب الآيات القرآنية، تجد إن المعجزة القرآنية كانت معجزة لغوية قريبة من لسان العرب تمس وجدانهم ومشاعرهم في ذلك الوقت، استطاعت أن تلفت أنظار المجتمع الجاهلي المتحجر للشعر وأوزانه ومصادره ومكوناته

في الشعر استعارة واستحضار لكل الصور الكونية وأدواتها الطبيعية، (البحار الأنهار الشجر المطر الأنعام  السماء والأرض الشمس والقمر الليل والنهار الخ)، لهذا كان سلاح القرآن أقوى من كل الصور الشعرية العادية التي تعج بها دواوين العرب، فما كان منهم إلا أن يركعوا في نهاية الأمر للغة البلاغة الإلهية الأكثر صدحا ووقعا في نفوسهم

ولهذا عادت قريش مرة أخرى لتقول حول القرآن المنزل من الخالق سبحانه، انه كلام غريب ،  ماهو بكلام شاعر، فعندما وصف القرآن الكريم غواية الشعراء وألاعيبهم كان المقصد من هذا كلام الفتن والتحقير أو الهجاء،  ووصف الأشياء بغير واقعها إضافة إلى المديح الكاذب ومساندة فجار وأراذل القوم

إن الكتب المقدسة المنزلة من السماء كانت وسيلة التخاطب البسيطة مع البشر، لكي يفهم الجميع إرادة الخالق وطرق عبادته وشكره والالتزام بتعاليمه، وضعت اغلب الأنبياء والرسل في موقع الصراع الثقافي والأخلاقي مع الموروثات الثقيلة للعادات والتقاليد الجاهلية

 

إذن نحن أمام صور إنسانية تاريخية حضارية سبقت حتى العصر الجاهلي بقرون، تركت لنا أخبار الحضارات القديمة وقصصها، كتبت على الألواح الطينية والصخور وجدران القصور وحتى الجبال،

 التي باتت تسمى اليوم في عصرنا الحديث،  أدب الرواية والقصة وفن المسرح وثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده

الإسلام  كان أول الأديان انفتاحا على حياة وطبائع الشعوب وفطرتها، تعامل مع الفن والأدب الإنساني الأخلاقي في القرآن بشكل واضح، لن تمر بسورة من سوره إلا وانتقلت بك آياتها إلى الكون الواسع وإسرار الطبيعة العجيبة، كيف وقد شرح لنا صورة تكون الجنين وطريقة حمله وولادته ورضاعته وفصاله، وعلاقة الحرث والنسل والزرع وارتباط الماء بالسماء والأرض، كلمات وعبارات وقصص صيغت لكي تتفق وطبيعة الإنسان الجاهلي

(كانت الدولة الأموية والعباسية بشكلها الإسلامي الظاهري بوابة للتدوين والترجمة والتواصل مع الثقافات الأخرى،  ومجالا واسعا للأدب والثقافة والفن الإسلامي على اختلاف نتاجاتها الأخلاقية، على اعتبار بعض تلك النتاجات لم تكن منسجمة مع رغبة خلفاء ذلك العصر)

لايمكن لأي زمن من الأزمنة أن تحتوي أو تقلل من وهج القصص والصور القرآنية المتجددة، وهي مسرح واسع لشرح أبعاد الطبيعة الكونية والإنسانية وأسرار

الحياة الأخرى(كان أهل البيت دائمي الاستشهاد بحكم - أبيات الشعراء الأوائل).

لايحق لأحد أن يمس تحت أي مسمى طبيعة الناس وفطرتهم السوية، ولا يجوز تحجيم عقل البشر وإدخاله في إطار تسلطي واحد، وتحديد مسار اختياراته وانجازاته الفكرية والثقافية، لأننا جميعا نحتاج إلى الانفتاح على العالم وإبداعاته واختراعاته المتقدمة، الثقافة والفن والأدب والفكر الحر هو المعيار والميزان الذي يرجح كفة الشعوب المستنيرة، مع أن الدين الإسلامي رائد التنوير الإنساني، بشموليته وسماحة قوانينه الأخلاقية ، واهتمامه بمعالجة صغائر الأمور وإيجاد الحلول الشرعية المقنعة لها.

الفهم والوعي الديني الحقيقي لايقع على عاتق المتصدين للفكر الإسلامي المشوش، يحلون ويحرمون الأشياء التي تتفق أو لا تتفق مع رغباتهم، كلا يفتح لنفسه بابا للاجتهاد والإفتاء، دون أية مراعاة للظروف والمتغيرات والمستحدثات أو المستجدات الإنسانية.

تحت مقولة:

دعني أعيش أفكر واختار بحرية، ودع الآخرين يعيشون يفكرون ويختارون بحرية أيضا وبسلام(مادمت إنسان عادي غير معصوم او مكلف بقيادة البشر والاستحواذ على عقولهم)، نتجنب عالم الصدام والحقد والكراهية، ونفتح أبواب المشاعر والعاطفة الحرة النزيهة ، تنمو بشكلها الطبيعي دون قيوم،

الالتزام لا يعني الانغلاق والتقوقع والخروج من الحياة والانسلاخ عن التاريخ، بل التفاعل والمساهمة والتواجد مع الآخرين

 

مهدي الصافي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1602 الجمعة 10 /12 /2010)

 

 

في المثقف اليوم