أقلام حرة

لازال للكلمة وقعها

تطعم وتجيع، وتلبس وتعري ، ترفع وتخفض. ولذا بقيت محتفظة بكرامتها في زمن سقوط الكرامات، وبشرفها بعد أن عز الشرف، وبحريتها بعد أن ضاع زمن الحريات لأنها زاد من لا زاد له ونصير من يبحث عن نصرة.

ولأنها هكذا كانت وظلت هكذا فقد خشيها الظالمون والمارقون والمنحرفون والكذابون والسارقون والمدعون وحاربوها وحاولوا اسكاتها أو التعتيم على وهجها أو تشتيت سنى ألقها أو تلويث ضوع عطرها ولكنها كانت وستبقى أقوى من كل محاولات التخريب والتهريب، وستبقى سيفا مسلطا على رقاب من ليس لهم ثقة حتى بأنفسهم.

ولأنها مسدس وبندقية وقاذفة ومدفع وقنبلة نووية فقد تعجل المتعملقون المتشبثون بكراسيهم الزايفة تفكيكها لأنها ستكشف زيفهم وترفع البرقع عن مخازيهم. ولذا كمموا الأفواه وأغلقوا دور العلم ومنعوا وعائها (الكتاب) من التواجد في الأسواق والمكتبات لكي لا يعرف الناس الحقيقة ولكنها رغم ذلك كانت بما تحمله من سحر ومهارة تخترق حجب الحمايات وكل قوات الأجهزة القمعية لتحط في أذن العراقي الغيور وتدفعه لأن يتحدى ولا يكف عن التحدي .

وحينما وقع التغيير وليته لم يقع بعد كل الذي حدث ولا زال يحدث، حينما وقع التغيير وكشف المستور ووضع الدستور ودارت عجلة التحرير توسمنا خيرا بكل ما يدور وظننا أن الكلمة ستعيش في بحبوحة من نور فيحسدنا أهل القبور ولم نكن نظن أن ما حدث بعد الذي حدث ورفع الحدث إلى قمة مكان الحدث سيكون أكبر حدث، ولكن آمالنا خابت وتحقق ما كنا نخشاه وعادت الأساليب القمعية البوليسية أكبر مما كانت وأنضج مما مضى وأحد مما رأينا  في سجون الطاغية يوم الفناها وألفتنا فلم يعد أحدنا يستغني عن فراق الآخر وزاد عدد مرات زيارتنا لها على العدد الشرعي لزيارة ذوي القربى المبريء للذمة.

لقد جاءت قضية طرد ومطاردة الكاتب الصحفي  أحمد عبد الحسين لأنه تجرأ وقال كلمة حق بوجه تنظيم جائر لتؤكد أن التغيير لم يأت بجديد وأن تبدل الوجوه لا يعني تبدل الطباع والجشع وحب السلطة والتمسك بالكراسي حتى الموت، وإن كلمات مثل الديمقراطية وحرية التعبير والحريات الشخصية التي وردت في دستور البلاد هي مجرد كلمات لا مكان لها في دنيا التطبيق على أرض الواقع

 

فهل من ديمقراطية أكبر، وحرية أعظم، وحقوق إنسان أجل من أن لا يتصرف المجرم المنتسب إلى جهة سياسية دينية راهنت ولا زالت تراهن على الديماغوجيا والخوف السابت في النفوس إلا بعد أن يأخذ الإذن من قيادته قبل إقدامه على ارتكاب جريمة يندى لها شرف الحيوان قبل الإنسان، وتأنف شريعة الغاب أن تضمها لمسلتها، وهل لذلك علاقة بمفاهيم أخذ الإذن الشرعية، وما هي علاقة الشريعة بهكذا جريمة يندى لها شرف عصابات المافيا وتجار المخدرات؟

إن ما تعرض له الصحفي أحمد عبد الحسين بالاضافة لكونه مقصود به شخصيا هو أيضا رسالة تحذير شديدة اللهجة موجهة لكل من يحاول كشف طرف غطاء الحقيقة وليس الغطاء كله لأن من يحاول كشف الغطاء كله مفقود ... مفقود ... مفقود

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1135  الاثنين 10/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم