أقلام حرة

الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي ومقترح تحويل مرتفعات الجولان إلى متنزه سلام

والذي كان لمدة ثلاثين عاما عضواً في المجلس البريطاني وخدم في عدة دول وعمل لفترة في الجامعة العبرية في مجال قضايا حل النزاع. تكلم فيه عن مشروعه المقترح لتحويل مرتفعات الجولان إلى متنزه سلام. ومشروعه عبارة عن فكرة لإقامة متنزه سلام يضم مرتفعات الجولان أطلقه عام 1995 للتزامن مع نية الحكومة الإسرائيلية  بإعادة الجولان إلى السيادة السورية. وتقوم الفكرة على فرضية موافقة الأطراف المعنية على تحويل كل أو غالبية مرتفعات الجولان السورية إلى منطقة محددة عالمية يسهل وصول السوريين والإسرائيليين وغيرهم من جنسيات الشرق الأوسط خصوصا وبقية دول العالم. وتتم إدارتها من قبل لجنة دولية تضم ممثلين عن سوريا وإسرائيل وهيئة مختارة تابعة للأمم المتحدة.

وفي مراحل لاحقة لهذا التاريخ جرى تطوير الفكرة بتفصيل أدق ولكن كاتب المقال لم يجد ترحيبا حقيقيا من بعض الأطراف  وهو ما قال عنه : (ولكن باستثناء مقالين في الصحافة الإسرائيلية، ورسالة دعم من وزارة الخارجية الإسرائيلية، لم ينتج عن الفكرة شيء. رفضت السلطات السورية، التي تم الاتصال بها بأسلوب غير مباشر أي شيء يمكن أن يقلل، ولو قيد أنملة، من سيادتها) ولا يعني هذا أن الفكرة ألغيت تماما فذالك ليس من طباع المفكرين الاستراتيجيين الإسرائيليين ولذا قال: (عادت الفكرة للظهور أثناء مفاوضات المسار الثاني الإسرائيلية السورية التي جرت بدعم من الحكومة التركية عام 2008 عندما طلب أحد المشاركين في المفاوضات نسخة مما كنت قد كتبته، وقام بعرضها على المشاركين) وهنا أيضا لم تلق استجابة ولكنها بقيت مشروعا مقترحا ممكن أن يفعل في الوقت المناسب كحل تؤيده الأطراف الدولية ويرضي بشدة أحد طرفي النزاع بشكل يظهر الطرف الآخر متعنتا رافضا للسلام .

 وقد جاءت المبادرة هذه المرة من الطرف الدولي (أمريكا) حيث تبنى الفكرة مؤخرا مكتب (جورج ميتشل) مبعوث الرئيس أوباما إلى المنطقة معتبرها أحد الأساليب الناجحة لحل النزاع الإسرائيلي السوري، مع أمريكا مثل إسرائيل كلتاهما تؤمنان أن الجولان عربية وغير قابلة للتفاوض أو كما يقول صاحب المقترح: (لا يوجد شك بأن القانون الدولي يؤكد بأن ملكية الأراضي تعود إلى سوريا وأنها أراضٍ محتلة...ولكن مخاوف إسرائيل من إعادة المنطقة إلى السيطرة السورية ليست بعيدة عن المنطق)

كما ويدعي مكتب جورج ميتشل أنها تمثل دفعا للمخاطر المحتملة، ومنعا للاحتكاك الثانوي الذي ممكن أن يقع بين الطرفين حول قضايا تتعلق بالمياه التي تضمها المنطقة مع حاجة إسرائيل للمياه  المتزامن مع تفاقم مشكلة المياه في العالم .

تفترض الخطة كما يقول صاحبها أن المتنزه سيغطي معظم مساحة المرتفعات باستثناء المناطق القريبة من دمشق أو من بلدة القنيطرة، وأنه سيتم بناء سياج حولها مع نقاط دخول على الجانبين السوري والإسرائيلي. كما ستكون المنطقة منزوعة السلاح، وتقوم قوة خاصة يتم تشكيلها من قوات الأمم المتحدة بالحفاظ على النظام داخل المنطقة. وتضم قوة حفظ النظام عسكريين سوريين وإسرائيليين. وتكون إدارة الشؤون اليومية في المتنزه، بما فيها إدارة المياه، في أيدي اللجنة المشكّلة خصيصاً والمذكورة أعلاه والتي تمثل سوريا وإسرائيل وهيئة الأمم المتحدة بدعم من المجتمع الدولي، وبالذات الدول الأعضاء في اللجنة الرباعية. ويسمح للمستوطنين الإسرائيليين البقاء في المرتفعات إذا رغبوا ذلك، كما يسمح لسكان المرتفعات السابقين العودة إليها، رغم أن المزيد من المفاوضات المفصلة ستكون ضرورية لتقرير أعداد أبناء وأحفاد السكان الأصليين، التي ازدادت عبر السنوات، ممن يستطيعون الإقامة هناك. وسوف يخضع المواطنون الإسرائيليون الذين يبقون في المرتفعات للقانون الإسرائيلي، ولكنهم سيدفعون الضرائب للسلطة المحلية المتمثلة في اللجنة الخاصة، كما يفعل السوريون ذلك أيضاً.ويتم بناء مطار لاستقبال السياح من الأردن والمملكة العربية السعودية ودول الخليج.

وهكذا ممكن اكتشاف  دقة وخباثة هذه الخطة التي ترفض إعادة الجولان لسوريا وتريد إبقاء اليهود فيها من دون أي مشكلة مع ضرورة خضوعهم للقانون الإسرائيلي، والتحكم بمصائر أهلها الحقيقيين من خلال جملة (رغم أن المزيد من المفاوضات المفصلة ستكون ضرورية لتقرير أعداد أبناء وأحفاد السكان الأصليين) الواردة أعلاه. ووضع قوات تابعة للأمم المتحدة في المنطقة  منزوعة السلاح كخط عازل بين سوريا وإسرائيل، وتحويلها إلى منطقة لاصطياد الخليجيين النهمين للجنس، وضمان حصول إسرائيل على مياه الجولان.

 ويقول صاحب المشروع في حديثه عن الفوائد المتوخاة : (إن الفوائد المتوقعة من هذا المتنزه واضحة، حيث تستفيد جميع دول منطقة الشرق الأوسط من نهاية النزاع بين إسرائيل وسوريا ... ربما يكون الأهم من ذلك كله أن بإمكان إسرائيل الدخول في اتفاقية سلام مع سوريا لا تهدد أمنها)

ولو كانت إسرائيل حقا حريصة على السلام مع العرب بهذا الشكل وتواقة لعقد الاتفاقيات معهم وإعادة حقوقهم إليهم، لماذا لم تضع مشروعا مماثلا للقدس التي هي أكثر أهمية من الجولان؟ ولماذا ترفض التفاوض بشأنها؟ ولماذا تطلق عليها اسم (العاصمة الأبدية)؟ أليس من الأجدى أن تصبح القدس منطقة مفتوحة لأتباع الديانات الثلاث بدل أن تصبح عاصمة أبدية، وأن ذلك أقرب لتحقيق السلام في المنطقة من المتنزه المقترح؟ ثم ألا يمثل الاتفاق بشأن القدس دفعا للمخاطر المحتملة، ومنعا للاحتكاك الثانوي الذي ممكن أن يقع بين الطرفين؟

 وهل يوجد بين السياسيين العرب من يملك مثل هذه المقدرة الناضجة على وضع الخطط الاستراتيجية بعيدة الأمد بكل ما تتضمنه من دهاء وشيطنة بحيث يحرج الطرف المقابل ويظهره عدوا للسلام والتطبيع والتجديد؟

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1138  الخميس 13/08/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم