أقلام حرة

حِزْبُ الدَعْوَةِ الإسْلامِيَّةِ ... مِن التَنْظِيمِ إلى التَحْجِيم

إنعاش الاقتصاد الإسرائيلي) (داني حليرمان / رئيس اتحاد الغرف التجارية في إسرائيل)(كتاب الإستراتيجية الأمريكية في العراق/مركز الدراسات الدولية / جامعة بغداد).

 

لولا كوني عراقياً، لما تناولت هذا الموضوع، و لولا العلاقة التي تربطني بأخوة القضيّة (دعاة الأمس)، اللذين قضت عليهم أحكام الجور بمشانق الظلم، وهم لا زالوا في شرخ الشباب. لولا ذلك لما عذّبت نفسي بكتابة هذه السطور المؤلمة.

بتاريخ 13 آب 2009،انعقد المؤتمر الخامس عشر، لحزب الدعوة الإسلاميّة، في فندق الرشيد بغداد. و نقلت بعض الفضائيات هذه الحدث، والملفت للنظر أنّ هذا المؤتمر، يمتاز بالمميّزات التالية:

 

1.   لم يكن الحضور من تنظيم حزب الدعوة الإسلامية فقط، (والمفترض أن يكون كذلك)، وإنّما كان مزيجاً من تنظيم حزب الدعوة الإسلاميّة، ومن تنظيمات سياسية أخرى، مختلفة المشارب والموارد.(لقد أشار عريف الحفل، أنّ بعض السادة المدعوين، لم يتسنَ لهم حضور المؤتمر، كالسيّد رئيس مجلس النواب، الدكتور أياد السامرائي لأسباب طارئة. وقد اعتذر السيّد مسعود البارزاني عن الحضور أيضاً، لكنه استناب عنه السيّد هوشيار زيباري الذي ألقى بالنيابة، كلمة السيّد رئيس إقليم كردستان).   

 

2.   الكثير من الحاضرين هم من موظفي الحكومة، ومن القاطنين في المنطقة الخضراء. (والمفترض أن يكون الحضور اضافة إلى الكادر المتقدم للحزب، الكادر المتوسط من التنظيم، لضمان تناقل الخبرة والاحتفاظ بمنهج تقاليد الحزب، لمواصلة عقد المؤتمرات الحزبيّة).

 

3.   منهاج عمل المؤتمر، تضمن خطب سياسيّة مكرورة ومسموعة ولم تعد تثير انتباه أغلب العراقيين.(والمفترض أنْ يناقش المؤتمر السبل الكفيلة بتنمية الحزب، فكرياً وسياسياً وتنظيمياً وجماهيرياً، وتحديد رؤيته للمستقبل).

 

4.   المؤتمر تبنى شعارات مثل ((تحت شعار(عراق السيادة والقانون) ينعقد مؤتمر(الوحدة الوطنية)...))، (ومن المعلوم لجميع العراقيين، إنّ هذه الشعارات صالحة لاستخدام جميع الأحزاب والمنظمات، السياسيّة وغير السياسيّة، لأنّها شعارات ملائمة للجميع إلى يوم القيامة!!).

 

5.   لم يتضمّن المؤتمر توصيات أو بيان ختامي، يحدّد خطة العمل المستقبليّة للتنظيم وأهداف المرحلة المقبلة، بالإضافة إلى معالجات المرحلة الحاضرة وتداعياتها.((على ما يبدو استعيض عن البيان الختامي بوجبة غداء). فبعد انتهاء الكلمات وقصائد الشعر، طلب عريف الحفل من المدعوين، التوجّه لتناول وجبة الغداء، وبينما همّ الجميع لتلبية هذه الدعوة الكريمة، استدرك عريف الحفل طالباً من الحضور، تأجيل الذهاب للغداء ملياً، وطلب من الحضور البقاء كلّ في مكانه، فقد فاته سهواً(مع الأسف الشديد) قراءة سورة الفاتحة على أرواح الشهداء). 

 

ولغرض الوقوف على الحقائق، لابدّ أنْ نعرف ما المقصود من كلمة مؤتمر. باختصار جاء في معجم تاج العروس:((المُؤامَرِة: المُشَاورةِ في الحديث:(آمِرُوا النِّساءَ في أنْفُسِهِن)،(أي شاوِرُوهُنَّ في تَزْوِيجِهنَّ)/ والائْتِمَارُ:المُشَاوَرَةُ كالمُؤامَرَةِ/ وائْتَمَرُوا:تَمارَوْا وأجْمَعُوا آراءَهم. وفي التَّنزِيل:(إنّ المَلأَ يَأْتَمِرُونَ بكَ ليَقْتُلُوكَ). قال أبو عُبَيْدَةَ:أي يَتَشَاوَرُون عليكَ/ وقال أيضاً في قوله تعالَى:(وائْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ)، أي هُمُّوا به واعْتَزِمُوا عليه)).

هذه الشذرات المختصرة تعطينا فكرة عن أنّ كلمة(المؤتمر) تعني اجتماعاً للتشاور، يختص بقضية أو قضايا معيّنة، لكن يبقى التشاور هو لبّ الموضوع. وعلى هذا الأساس انعقدت عدة مؤتمرات في العالم، غيّرت وجه التاريخ، منها على سبيل المثال: مؤتمر(العصبة الشيوعيّة)، الذي انعقد في لندن عام 1847، و كلّف(كارل ماركس) بكتابة البيان الختامي للمؤتمر، وأصبح هذا المؤتمر المنطلق، لتأسيس الدّولة الشيوعيّة العظمى في العالم (الاتحاد السوفييتي سابقاً). وإذا استحضرنا النشاط الصهيوني العالمي، سندرك أهميّة المؤتمرات العالميّة لليهود، وأثرها المباشر بإنشاء دوّلة الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين. لقد ورد في (موسوعة السياسة /ج7) ما يلي:((من مهام المؤتمر الرئيسة تلقي تقارير إدارة المنظمة الصهيونية ومؤسسات الحركة الصهيونية، ومناقشة المقترحات المختلفة التي ترفع إلى المؤتمر وإصدار القرار المناسب بشأنها وتعيين السياسة المالية للمنظمة الصهيونية...الخ). وجدير بالذكر، إنّ عدد المؤتمرات الصهيونية منذ عام 1860 ولغاية 1978 بلغت تسعة وعشرين مؤتمراً.              

إذن المؤتمرات الحزبيّة تعقد، لغرض تحقيق اجتماع قيادات الحزب العليا، وبعض الكوادر الأخرى من داخل الحزب، لتداول شؤون ونشاطات الحزب. وهي مؤتمرات تخصصيّة جداً في مواضيعها، وما يطرح فيها، وتختلف تماماً عن المهرجانات أو الندوات أو الاحتفالات الثقافيّة وغيرها، فهذه الأخيرة يتمّ فيها تداول شؤون مختلفة، لكنّها تبقى ضمن إطار مقصد غرضها الرئيسي، وإنّها تضم خليطاً من التوجهات، الثقافيّة والفكريّة والسياسيّة والمعتقديّة واللغويّة والقوميّة والجغرافيّة.

أقول:

لو أحصينا عدد الأشخاص الذين اكتوو بعذابات التهم، التي الصقتها سلطة النظام البائد بهم وبذويهم، أمّا بسبب انتمائهم الفعلي لحزب الدعوة الإسلاميّة، أو أنّها كانت مجرد تهم مفتعلة جرّاء الظنّ والشبهة، لأوصلنا الإحصاء إلى كمّ كبير جداً من شرائح المجتمع. ومن الممكن أنْ تكون هذه الشرائح المتنوّعة، قواعد جماهيريّة عريضة لحزب الدعوة الإسلاميّة، يفوق عددها بلا شكّ جماهير أيّ تنظيم حزبي آخر. لكن المؤسف أنّ حزب الدعوة الإسلاميّة لم يلتفت إلى هذا الرصيد الشعبي، فضلاً عن ابتعاده من الاحتكاك والتواصل مع تلك الجماهير. وكان ينبغي بالحزب أنْ يتوجه إلى الشارع بعد سقوط النظام البائد، بدلاً من التوجّه للحكم، ليبدأ بإعادة تأسيس قاعدته الشعبيّة، وإعادة بنائها ليتبوء مكانة فريدة، بين الأوساط الحزبيّة، ولدخل الانتخابات المقبلة بقوّة لا مثيل لها، مستفيداً من تعاطف الجماهير معه. فالمكان الحقيقي لحزب الدعوة الإسلاميّة في مرحلة ما بعد سقوط صدام، هو الشارع الشعبي وليس المنطقة الخضراء، لكن هيهات لا ينفع الندم. أشار كتاب العراق وقيام المقاومة/(آن الكسندر) و(سيمون عساف)/إصدار مركز الدّراسات الاشتراكيّة/ ص7 إلى الحقيقة التالية:(...ان فرض حكومة يسيطر عليها عراقيون ممن كانوا في المنفى وموالون للولايات المتحدة الأمريكية أدى إلى مضاعفة احساس العراقيين بالمرارة اتجاه الإحتلال)).

إنّ التصوّر السائد عند البعض، بأنّ أمريكا ساعدت الشعب العراقي للتخلص من نظام صدام، هي خدعة كبيرة، لا تنطلي على أرباب العقول. فأمريكا لا صديق لها سوى الذّهب، ومن أجل الحصول عليه، فهي مستعدة لإبادة شعوب بأسرها وبشتى الطرق.

إنّي أجزم، لو أنّ حزب الدعوة الاسلامية ناقش في مؤتمره الخامس عشر، كفاءة عناصره من الناحيتين التنظيميّة والإدارية، وحدّد سبل الإرتقاء بهما.

أو أنّه تناول بالإشارة إلى ضعف نشاط الحزب في الشارع العراقي.

أو أنّه ناقش أسباب الإخفاق الكبير، في عدم إمكانيّة تأمين الخدمات الضروريّة للمواطنين.

أو أنّه تطرّق للأسباب الكامنة وراء العنف الطائفي، الذي أصبح واضحاً عند الجميع، بأنّ محركيه هم بعض الأطراف السياسية.

أعتقد لو أنّ هذه النقاط نوقشت بجديّة في المؤتمر، لحقّق الحزب أفضل ما يمكن الحصول عليه، من التأييد الشعبي في الوقت الحاضر، بدلاً من عقد مؤتمر تسقط فيه(سهواً) قراءة سورة الفاتحة على أرواح الشهداء.

كتبت هذه السطور لا طمعاً بشهرة، ولا محاباة لأحد، ولا استهانة بجهة، ولا تحقيقاً لمنفعة. وإنما أسفي على إفشال المشروع السياسي الإسلامي، بإرادة أمريكيّة و بأيادٍ إسلاميّة ، والله على ما أقول شهيد. 

 

محمّد جواد سنبه

كاتب و باحث عراقي

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1141  الثلاثاء 18/08/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم