أقلام حرة

الانتقادات الدولية لبغداد متى تنتهي؟

 

دوافع توجيه النقد تكون في بعض الأحيان إصلاحية بغية تقويم وتقييم قول أو عمل فني أو بحث وفي أحيان أخرى تأتي للتبكيت والتقصير واللوم والتقريع . وفي باب السياسة وفن الممكن يكون النقد غالبا جزء من حملة تشويه لتقويض سمعة شخص أو مكانة كيان لا تتواءم أطروحاته مع أطروحات ونهج  موجه النقد.

بغداد بصفتها الحاضر الغائب والغائب الحاضر وقعت تحت سطوة النقد والنقاد في كل حين من تاريخها ولاسيما الحديث منه بعد أن تسلل إلى مقاعد القيادة ومراكز الوجاهة مجموعة من الجهلة والمنحرفين والفوضويين والعملاء المأجورين والخونة الحقيقيين . وخلال الأربعين سنة الماضية كان النقد الموجه للنظام من قبل الأنظمة الدولية والقطرية موجها ومسيرا وناصحا في أغلب الأحيان ولكن بعد أن خرج صدام من تحت عباءة أسياده وتمرد عليهم  أصبح النقد هداما ومخربا وتولت توجيهه الأحزاب والحكومات والمنظمات والهيئات كل ضمن اختصاصه وغاياته. وكان أشد الناقدين لسياسات النظام البائد منظمة دولية أسمها (منظمة حقوق الإنسان) التي لم يخل تقريرا سنويا من تقاريرها من مخالفات النظام لقواعد حقوق الإنسان الدولية ومعاييرها.

وحينما وقع التغيير في 2003 كنا نتوقع لحملة النقد والتشهير أن تنتهي ولكن ما جاء في تقارير هذه المنظمة خلال السنوات الأربع الماضية يدعو للدهشة الكبيرة، والأكثر غرابة دخول بعض المنظمات الأخرى على الخط معها بغية تكثيف الحملة المعادية لتسقيط التجربة الحديثة وتغيير نمط الحكم والإتيان بنظام آخر أكثر توافقا مع الموازين والمعايير الدولية التي قسمت العالم إلى محاور للشر وأخرى للخير.

فمنظمة حقوق الإنسان تنتقدنا وتوجه اللوم إلينا لأننا لا نحسن معاملة الإرهابيين الذباحين المجرمين القتلة الذين يقبعون في السجون العراقية وتمنعنا من تنفيذ حكم الإعدام بحق العتاة منهم بل وتطالب بتحسين ظروف اعتقالهم وتوفير مستلزمات الرفاهية والراحة لهم حتى ولو كان المواطن العادي لا يحصل على جزء بسيط منها فتطالب بتنويع إنارتها وصبغها بالألوان البهية وفرشها بالسجاد وتزويدها بالأسرة والأرائك والفراش الوثير ونصب المولدات الكهربائية الكبيرة لتوفير الراحة النفسية والجسدية لهم ولكي لا يشعرون بالملل والإحباط مما يؤثر على نفسيتهم الشفافة الرقيقة، في وقت لا يحصل فيه المواطن العراقي الشريف الذي كان الإرهابيون القتلة يلغون بدمه لأنه من هذه الفئة أو تلك القومية على أبسط متطلبات الحياة الكريمة ولا يحصل يوميا على أكثر من أربع ساعات من الكهرباء ويعيش أكثر من 50 % منهم في مستوى خط الفقر و15 %  منهم  مهجرون ومشردون ولا يجدون ما ينامون أو يجلسون عليه وهم مع كل تلك المعاناة التي قاسوها زمن الطاغية فأكلوا علف الحيوانات وعاشوا على التمر ورغيف الخبز الأسود المليء بالشوائب ويعيشونها اليوم بالبحث عن بعض ما تركه الأغنياء في مكبات القمامة تأتي منظمة حقوق الإنسان لتطالب الحكومة بتحسين وجبات طعام الإرهابيين بتقديم الوجبات المسلفنة الخاضعة للتفتيش الصحي وتفتيش السيطرة النوعية والمطابقة لمعايير التوازن الغذائي من حيث عدد السعرات الحرارية والنوعية والتشكيل والأصناف والإعداد والتقديم.

أي أن معايير منظمة حقوق الإنسان تطبق على الإرهابيين ولا تطبق على العراقيين الشرفاء!

 

ومنظمة حقوق الحيوان التي هي أيضا من المنظمات الدولية الفاعلة التي تساهم بإدارتها الفنانة  الفرنسية الإباحية (بريجيت باردو) التي سبق وأن طالبت المجتمع الدولي بالتدخل ألقسري لمنع شعائر الحج الإسلامي لأن الحجاج (المجرمين) ينحرون الخراف (البريئة) بوحشية مفرطة تكفيرا عن ذنوبهم .

هذه المنظمة (الحيوانية الإنسانية) وجهت اللوم والنقد الشديد والقاسي لبغداد أيضا لأن العراقيين متوحشون ويقتلون الكلاب السائبة دون رحمة مع أنها تهاجم المارة بكل فئاتهم العمرية وتطارد النساء والشيوخ والأطفال وتسببت بموت (13) عراقيا  في بغداد إضافة إلى كثير من الحالات المشابهة التي وقعت في البصرة والعمارة كما يقول تقرير أمانة العاصمة، وتزعج السكان بعوائها وتهاجم الحيوانات الأليفة وتخدش الحياء من خلال مطاردة مجموعات من الذكور للأنثى في الأزقة والشوارع والأسواق وأمام المارة من المراهقين والشباب والنساء والرجال. ولذا طالبتنا هذه المنظمة التي يقع مقرها في (واشنطن المقدسة) بتبديل طرقنا غير الإنسانية والبعيدة عن مفاهيم الرفق بالحيوان وأرشدتنا كما تقول وكالة (BBC) للبحث عن (سبل إنسانية ومعروفة وفعالة للتعامل مع المشكلة) تماما كما اعترضت أختها منظمة حقوق الإنسان على إعدام أخوة الكلاب الإرهابيين.

وقد قالت هذه المنظمة في رسالتها التي وجهتها إلى رئيس الوزراء وأمين بغداد ومندوب العراق الدائم في الأمم المتحدة (إن ثمة حل كلي للمشكلة يشمل التعقيم وتسجيل الكلاب والقتل الرحيم باستخدام سبل وعقاقير رحيمة) ولا أدري لماذا لم تعط نسخة من رسالتها إلى أبي عمر البغدادي لكي يوجه الإرهابيين الكرام بعدم ذبح العراقيين بالمنجل أو المنشار أو حرقهم وهم أحياء كما ظهر على شريط قناة العربية الفضائية في برنامج صناعة الموت وتغيير هذه الطرق البدائية واستخدام القتل الرحيم بدل عنها؟

فهل استعارت منظمة حقوق الحيوان وسيدتها الإباحية المبجلة  قوانين أختها منظمة حقوق الإنسان لتطبقها على الحالة العراقية أم أن مجمل الانتقادات يراد منها إكثار النقد لإفشال التجربة الوطنية الجديدة لحكم العراق حتى تعود مياه الحكم السابق إلى مجاريها؟

 عجيب أمور غريب قضية!!

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1146  الاحد 23/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم