أقلام حرة

حُكُومَتُنا وَ طُمُوحاتُنا

العام إليها وتبقيه متفاعلاً معها بقوّة، ما دامت مستمرة بتقديم المزيد من المنجزات للشعب. في يوم الأربعاء الدامي أو الأسود سمّه ما شئت، فذلك لا يغيّر شيئاً من آلام ذوي الضحايا وأوجاعهم، حصلت انعطافة كبيرة لابدّ من الوقوف عندها. ولا أريد أنْ أناقش الحادثة، وإنّما أريد أنْ أناقش التناقضات التي افرزت هذا الخرق الأمني الكبير. 

قال السيّد(عبود كنبر) قائد عمليات فرض القانون، في المؤتمر الصحفي الذي أجري في مجلس النواب يوم الجمعة21/8/2009:(ان القوات الأمنية ألقت القبض على سيارة تحتوي على متفجرات ووثائق في منطقة سبع البور في بغداد، وقاد هذا الهدف إلى العثور على منزل في نفس المنطقة، فيه الكثير من الأسلحة والمتفجرات والوثائق والحاسبات. والتحقيقات أوصلت الأجهزة المختصّة بأنّ الهدف هو المكتب الإعلامي لجماعة تنظيم دوّلة العراق الإسلاميّة). وقال السيّد (قاسم عطا) الناطق باسم خطّة فرض القانون: (بعد ساعات من حادثة يوم الأربعاء، تمكن اللواء(رقم كذا)، من مسك سيارة نوع (دانيا حمل)، تحمل خمسة أطنان من مادة (سي فور) في منطقة (ابي غريب). وهنا تبرز أسئلة محوريّة مهمّة هي:

1.   ما السّر وراء نباهة وبراعة الأجهزة الأمنية التي ظهرت فجأة، فتمكنت بنجاح منقطع النظير، من اكتشاف هذه الأهداف المهمّة جداً، بعد ساعات من حادثة يوم الأربعاء؟. فهل نزل على قيادات هذه الأجهزة، الهام رباني أو وحي من السّماء، دلّهم على ما كان غائباً عنهم؟.

2.   وإذا كان للأجهزة الأمنية هذه القابلية والسرعة، في التحرك بتحديد الأهداف والقبض عليها فوراً، فلماذا فات على هذه الأجهزة سيارتي حمل، إحداهما تحمل خمسة أطنان والأخرى تحمل طن ونصف من المتفجرات (بناءً على تصريح السيد جهاد الجابري مدير مكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية)، وتمّ بهما تفجيرات يوم الأربعاء الدّامي. علماً أنّ التعليمات تنصّ بعدم السماح بسيّر الشاحنات داخل العاصمة؟.

3.هل كانت تحليلات الناطقين الإعلاميين للأجهزة الأمنيّة مطابقة للواقع؟. بأنّ السيارتين قد أعد كل منهما للتفخيخ، في منطقة صناعية مجاورة لمكان كل من الحادثتين. بينما قال الإرهابي المسؤول عن تنفيذ عملية يوم الأربعاء (وسام علي كاظم ابراهيم)، أنّ التفجير قرب وزارة المالية، كان بفعل سيارة مفخخة اعدت خارج بغداد، وتمّ إيصالها إلى مكان التفجير بفعل مساعدات قدمتها لهم السيطرات.      

إنّ التحليل المنطقي للأحداث، يقودنا إلى الاستنتاج بأنّ المعلومات الاستخباريّة موجودة، لكن تنفيذ التحرك على الأهداف متلكئ أو معدوم، لأسباب تفرضها المشاريع السياسيّة المختلفة الأهداف داخل الحكومة العراقيّة.   

لقد تولّدت قناعات راسخة في أذهان المواطن العراقي، بأنّ وراء هذه التفجيرات تقف جهات سياسيّة، من داخل العمليّة السياسيّة ذاتها (السلطة التشريعيّة و السلطة القضائيّة و السلطة التنفيذيّة). هذه القناعات ليست استنتاجات توصّل إليها العراقيون رجماً بالغيب، وإنّما مستقاة من تصريحات متكررة لأعضاء في مجلس النواب، ولمسؤولين كبار في الحكومة العراقيّة، في مرحلتيها الانتقاليّة و الدائميّة، و اتهام محورين دوليين لهما دور في هذا الموضوع، الأوّل محور عربي يضم السعودية ومصر واليمن وسوريا والاردن والامارات وابو ظبي والكويت، والمحور الثاني غير عربي والمتهمة فيه إيران. وستكون الصورة أكثر مأساويّة إذا أضفنا إليها إتهامات معلنة مؤداها: أنّ بعض أعضاء مجلس النواب، متهمون بتورطهم بأعمال إرهابية، منهم من غادر العراق سالماً غانماً مثل (الدايني وعبد الناصر الجنابي)، ومنهم من غُضّ الطّرف عن جرائهم، بناءً على تسويات سياسية مع الأطراف الأخرى. هذه حقائق لا يمكن تجاوزها أو إخفائها على الإطلاق. وإذا الحقنا بهذه الحقائق تصريحات السيّد (محمد الحيدري) في صلاة يوم الجمعة21/8/2009 التي اقيمت في جامع الخلاني ببغداد، حيث قال ما مضمونه: (إنّ المناصب الحساسة بيد البعثيين، ولا توجد آلية يحترز بها منهم. وقوله أيضاً: نحن نعرف أنّ مسؤولين باجهزة الدولة يساعدون الإرهابيين ويقدمون لهم ما يحتاجوه من معلومات. والبعثيون يوسعون دائرة نفوذهم من خلال تعيين رفاقهم في دوائر الحكومة واستبعاد غير البعثيين.) (انتهى). أمّا النائب عن الائتلاف العراقي السيّد (خالد الأسدي). فقد استضافته فضائيّة (الحُرّة) في برنامجها (بالعراقي) يوم الجمعة 21/8/2009، وقال ما فحواه :(الحكومة واقعة بين نارين، تريد المحافظة على مكسب المصالحة وعدم إغراق البلد في موجة من الاضطرابات، وبين هذه المعلومات والوثائق وإنّ إظهارها الى العلن يتحول الى عنف اكثر)، وقال أيضا باللهجة العاميّة: (حرامي البيت ما يبقي شي بالبيت) (انتهى).

ولا أريد أنْ استقصي جميع تصريحات المسؤولين، لكني اختم بتصريح السيّد وزير الخارجية في مؤتمره الصحفي يوم السبت 22/8/2009، و خلاصة قوله:((...لا أستبعد أنّ هناك تواطؤاً من قبل الأجهزة الأمنية.... وان هناك دولاً في المنطقة وراء اعمال العنف ومسؤوليها لا يخفون ذلك وإنما يصرحون به علناً) (انتهى).

 

الاستنتاجات: 

1.   حكومتنا ليست بمستوى تحديات المرحلة.

2.   اعتاد أعضاء الحكومة على التصريحات الرنّانة(التي بحدّ ذاتها أكبر من الإمكانيات المتاحة، عملاً بنظرية (انفخ القط ليكون أسداً)، التي تعتمد على إسلوب (ارجاع بث الحدث للمتلقي)، أيّ إعادة ما تنقله وسائل الإعلام عن الواقعة، وتوجيهه إلى الجمهور مرّة ثانية، مع تضمين الخطاب الإسلوب الإنشائي، إضافة إلى بعض التبريرات وأخيراً الختام بالوعود المعسولة.

3.   السيد رئيس الحكومة يتمتع بملكة خطابيّة جذّابة، فهو شخصيّة مفوّهة بلا شكّ. لكن ما نلمسه واقعاً غياب القرارات السريعة والفورية والصارمة، التي تعيد للحكومة توازنها وهيبتها، عندما تتعرض لهزّة مّا.

4.   فشل مشروع المصالحة الوطنية، الذي راهنت عليه الحكومة بإصرار وعناد، وهدرت الكثير من أموال الشعب من أجل تحقيقه، دون الانتباه إلى أنّ محور الصراع، هو الاستحواذ على السلطة، كتحدٍ بين إرادتين(سابقة ولاحقة).

5.   الحكومة بمجملها لا يوحدها مشروع سياسي وطني يقصد خدمة الشعب العراقي. وإنّما هي كومة من تناقضات غير متجانسة، كلّ يحمل توجّهاً معيّناً يتعارض جملة وتفصيلاً، مع توجه المشارك الآخر، أمّا لعدم الثّقة بين الأطراف، أو لعدم الخبرة والنقص في التجربة، أو الارتباط بأقطاب إقليمية و دوليّة.

6.فشل الدبلوماسيّة العراقيّة من إقناع المحيط العربي وإيران، بأن العراق لا يشكل خطراً على الوجود العربي أو غير العربي في المنطقة. وفشلت كذلك بتطمين هذه الجهات، من خلال عقد الاتفاقيات المشتركة معها، لضمان مصالح كل طرف في المنطقة. والجدير بالذكر أنّ الحكومة العراقية أثارت التحسسات الإقليمية منها، عندما أقدمت على توقيع الاتفاقية الأمنية مع الجانب الأمريكي، الأمر الذي عزز التخوف الإقليمي من العراق. إضافة لذلك فإنّ دور الدبلوماسيّة العراقيّة، في الاتكاء على القرار الأمريكي، ولد قناعات بأنّ العراق أخذ يرسم مساراً جديداً في المنطقة، لا يتناغم مع تطلعات القوى الحاكمة فيها.

 

بناءً على ما تقدم، نلاحظ أنّ أوجه الضعف تنعكس على الحكومة العراقيّة، جرّاء عدم انسجام المشاريع السياسية لأطرافها المؤسسة أولاً، وعدم قبولها من قبل المحيطين العربي وإيران ثانياً. وهنا يأتي السؤال المصيري:

 هل تستطيع الحكومة العراقية من السيّطرة على زمام الأمور وإعادتها إلى نصابها الصحيح؟. من وجهة نظري تكون الإجابة بالنفي قطعاً، لأن الحكومة لم يبقَ من عمرها إلا القليل من الوقت، والوقت الباقي لا يسعفها على الإطلاق في تلبية طموحات الشعب العراقي، بعدما ضيعت السنين الماضية في مراهنات لم تجدِ نفعاً على الإطلاق.

 

محمّد جواد سنبه

كاتب و باجث عراقي

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1147 الاثنين 24/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم