تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

العراق الجاني والمجني عليه

لكن، ألا يمكن تحميل العراقيين أنفسهم مسؤولية ما آلت إليه أوضاع بلدهم ؟ فمن الذي أجج نار الطائفية وشكل الميليشيات المذهبية وأقام الحواجز الإسمنتية بين المدن والقصبات، أليسوا العراقيين أنفسهم، ومَن الذي سلم مستقبل بلده للمرجعيات الدينية، أليسوا العراقيين؟.

بالمقابل، إذا كان البعثيين والصداميين هم مَن قام ويقوم بكل هذه العمليات التفجيرية، وعلى الخط الآخر تنظيم القاعدة، لجهة القيام بالعمليات الانتحارية، أليس هؤلاء عراقيين؟ ولماذا كل هذه الجلبة والضجة الإعلامية، بالقول إن المفجرين والانتحاريين يتسللون إلى أرض العراق من دول الجوار ليعيثوا به قتلاً وفساداً؟.

قد يكون بعض هؤلاء الانتحاريين ليس من العراق، كتنظيم "أبو مصعب الزرقاوي"، لكن ماذا نقول عن "أبو غادية" وجماعة "جند السماء"، ومن يدعي أنه المهدي المنتظر، أليس العراق مَن يجني على نفسه قبل أن يجني عليه الآخرون؟. 

إذا ما ذهبنا إلى القول إن العراق جنى على نفسه كما جنت براقش على أهلها، قد يتهمنا البعض بالتعدي على أعرق حضارة عرفها التاريخ الإنساني، حضارة أرض الرافدين، التي تحولت مسرحاً لتصفية الحسابات الإقليمية والتاريخية .

الحضارة في نظر بعض سفسطائيي العراق، لا تنتج العنف ولا التطرف، فمن أي حضارة هبط الصداميين والصحويين والصدريين، ألم يأتوا من الرحم العراقي، مثلما أتى المتنبي وأبو النواس  من ذات الرحم .

إذن، العنف في العراق ليس وليد لحظة سقوط نظام صدام حسين ولا بدخول القوات الاميركية إليه، إنما هو حالة قديمة قدم العراق والحضارات التي تعاقبت على أرضه، فلم يذق هذا البلد طعم السلم إلا في فترات قصيرة متباعدة .

ولا يفوتنا أن العنف لم يوفر آل بيت رسول الله (ص) وهم في مراقدهم، كما حصل مع مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري رضي الله عنهما في سامراء قبل ثلاثة أعوام، وقبله بمئات السنين شهد العراق أكبر عملية اغتيال سياسي في التاريخ الإسلامي للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ونجله الإمام الحسين عليه السلام، بغض النظر عن المنفذ والدوافع السياسية التي دفعته آنذاك، ولازال هذا الاغتيال الدامي يلقي بظلال من العنف يدفع المسلمون ثمنه الأكبر .

وبالنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، يظهر جلياً أن الحسابات التاريخية الضيقة لإيران، مازالت تتمترس خلف ذهنية الثأر والانتقام منذ آلاف السنين، وهي الآن تفعل فعلها الانتقامي في العراق، الذي خاض معها أشرس الحروب على مر التاريخ البشري .

عندما يكون العراق في حالة ضعف، تكون إيران في حالة انتقام للتاريخ الذي تفتت فيه عروش أمبرطوريتها العظمى، هذه المعادلة الخاضعة لتوازن القوى الإقليمي، يُجنى فيها على العراق أكثر مما يجني على نفسه، إذا ما استبعدنا منها توازن المصالح الحزبية والمذهبية .

أما عندما يكون النظام السوري في زواج مقدس مع ملالي قم، فلا غرابة أن تتوحد أجندتهما السياسية في زعزعة العراق تمهيداً لملء فراغه .

 

كاتب عربي

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1154 الاثنين 31/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم