أقلام حرة

التهيؤ للانتخابات ومهاترات التصدي للإرهاب

 ولذلك كان الإرهاب يسبقهم بخطوات في كل عملياته، وكان تفكيره متقدما على تفكيرهم بخطوات، لكنهم وخلال سنوات الممارسة والتمرين السن الماضية نجحوا بتكوين خزين من الخبرة المكتسبة التي أثمرت جزئيا بالتصدي للإرهاب وإيقاف زحفه ألتدميري بنسب عالية رغم بدائية الطرق والآلات التي كانوا يستخدمونها، حيث بدأت الناس تشعر بالأمان الحذر.

 وقد زاد من معاناتهم عدم تعاون شركائهم في العملية السياسية، هؤلاء الشركاء الذين كان قسما كبيرا منهم من قادة الإرهاب الحقيقيين وداعميه الفعليين ورجاله المخلصين، وكان القسم الباقي منهم من مؤيديه والمدافعين عنه والميسرين لاحتياجاته عن طريق الدعم اللوجستي الذي قدموه  له خلال الفترة الماضية، مما ساهم في تصعيب مهمة المسئولين الحكوميين وزاد في معاناتهم.

نعم تمكنت النجاحات التي حققتها الحكومة والأطراف العاملة معها من تحييد بعض الأطراف المناوئة من هؤلاء الشركاء وسكوت البعض الآخر ولجوء القسم الثالث للعمل السري المبطن والمموه، وهرب القسم الأخير إلى دول الجوار الراعية للإرهاب. وقد شهدنا منذ عام 2008 ولحد الآن هدوء نسبيا مشوبا بالخطر المجهول، بل شهدنا تعقلا مزيفا في مواقف بعض المشاركين ممن كانوا ينتظرون النتائج النهائية وما ستتمخض عنه الأحداث لإعلان مواقفهم الحقيقية. والحكومة من جانبها نجحت في تشخيص هذه الحالة وكانت ولا زالت تنظر إليها بحذر خوفا على النسيج العنكبوتي الهش أن ينفرط عقده بما يجلب الويلات على الجميع.

 لكن انشغال الكتل والأحزاب في لم شتاتها وخلق تكتلاتها التي ستدخل بها الانتخابات القادمة جوبه بتأثير مواقفها المعلنة على النتائج المحتملة مما دفعها للبحث عن أعمال دعائية تدعم بها موقفها وتستقطب من خلالها المؤيدين لنهجها وشخوصها، ولما كان دعم الإرهاب والعزف على وتر الطائفية احد أكبر عناصر الحث المجربة والمضمونة، فقد وجدت هذه العناصر نفسها مجبرة على العودة للمربع الأول والتخلي عن هالة الوقار الكاذبة التي أسبغتها على نفسها في الأشهر القليلة الماضية لتعلن صراحة عن نهجها الحقيقي الذي تؤمن به ولا تؤمن بسواه.

 وقد جاءت تفجيرات الأربعاء الدامي لتكون القشة التي تقسم ظهر بعيرهم وتدفعهم للتخلي عن عقلانيتهم الزائفة والعودة إلى ديماغوجيا الخوف الكامن في النفوس، والتباكي على المناطق التي تغزوها القوات الأمنية بحثا عن المجرمين المشخصين والمعروفين، لتعلن أن حصر أعمال القوات الأمنية في مناطق الأعظمية والفضل والعدل و العامرية لا علاقة له بالإرهاب بقدر ما له من علاقة بالحملات الانتخابية ناسية أن هذه المناطق كانت ولا زالت تتستر على المجاميع الإرهابية وتحتوي أكداسا من الأعتدة والأسلحة يفوق حجمها ما لدى القوات الأمنية، وأن عمل القوات الأمنية في هذه المناطق خلال الفترة الماضية لم يتوقف بل كان بكثافة أكبر مما هي عليه الآن، ولكن الشركاء لم يشروا لهذا التحرك في حينه لعدم وجود دواعي ربحية من ورائه.

ثم لما أعلنت الحكومة عن نيتها الطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تشكيل لجنة تقصي حقائق لمعرفة الجهات الإقليمية التي تقف خلف تفجيرات الأربعاء الدامي، وهي الخطوة التي كنا بحاجة لها منذ أمد بعيد والتي نرى أنها جاءت متأخرة بعض الشيء ولكنها حتما أفضل ألف مرة من أن لا تأتي، تعالت أصوات المشاركين منتقدة ومعيبة ومسفهة لهذه الخطوة بدل أن تدعمها وتؤيدها كواحدة من الخطوات الرائدة في التصدي لدول الجوار التي تدعم الإرهاب في العراق، ليس حبا بدول الجوار، ولا تباكيا على (الأمة العربية الواحدة) التي كانوا يتعبدون بشعارها طيلة خمسة وثلاثين عاما من عمر العراق، وإنما خوفا تم توظيف نتائجها بشكل سليم بما يؤدي إلى كشف الأيادي التي تحرك الإرهاب في العراق، وتجفف منابع دولارات النفط التي تذبح العراقيين، وتفقد هؤلاء القادة الوهميين موردا ماليا عظيما هو قوام قوتهم في وقت هم بأمس الحاجة له في حملاتهم الانتخابية القادمة. ولذا وجدوا أن العزف على وتر الطائفية المقيتة والتباكي على المناطق الإرهابية، والسجود للدول العربية الداعمة سوف يمنحهم بعض القوة التي يحتاجون إليها بشدة في هذا الوقت بالذات ولاسيما أن كتلا عملاقة سوف تقف قبالتهم مما يعني أن فرص فوزهم وإعادة أمجاد البعث الصامد ستكون شبه معدومة.

إن عودة الشركاء إلى مهاترات ما بعد التغيير يعني أن المرحلة المقبلة من عمر العراق لن تكون أفضل من سابقتها، وأن تداعيات أحداث الأمس لا زالت فاعلة ومؤثرة

 أن عدم تبديل هذه الكتل لقناعتها الفارغة التي دفعت العراق إلى طريق الخراب والدمار طيلة ست سنوات يعني استمرار حالة الفوضى المدمرة التي نعيشها ويعني أنه سيعيد تلك المشاهد المرعبة والنزعات الحيوانية السادية التي قاسى منها العراق وأهله، بما يعني أن الشركاء الذين يتشدقون بالعروبة والوطنية هم أبعد ما يكونون عن العروبة الوطنية حيث يبدو أنهم لم يشبعوا من الدماء بعد ما داموا مصرين على مواقفهم العدائية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن. كما يبدو أنهم لم يتعضوا بما حدث في السنوات الست الماضية.

إن المرحلة الحرجة التي يمر بها العراق وشعبه اليوم توجب على كل وطني غيور شريف مؤمن بالعراق الواحد الموحد أن يقف بجانب الحق ويعمل على وحدة كلمة العراقيين لكي ينجحوا في تجاوز مرحلة الانحطاط ويبدأوا مراحل العمران والبناء

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1161 الاثنين 07/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم