تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

الإسلام كقنبلة بشرية

 فهل اندفاع هؤلاء المثقفين والسياسيين الغربيين في تشريح الإسلام، ولا نقول نقده، انطلاقاً من ثقافتهم التي تبني على الشيء ومقتضاه، أم أنها ردة فعلهم المباشرة التي خرجت عن سياقاتها الطبيعية في تناول الإسلام، ليس بصفته كدين، بل كحالة إيديولوجية تبعث على "العنف" وتحض عليه انتقاماً لاختلال موازين الحضارة وانحراف بوصلتها باتجاه عواصم الغرب .

بهذا الاتجاه المُؤسَس على موازين الحضارة، تبدو حضارة الغرب، ولطالما كانت لها الغلبة ورجحان الكفة، باعثةً على الحياة وصانعةً لها، بما يقابلها في الكفة الأخرى، حضارة الإسلام، لما هي في حالة تقهقر وانزواء دائمين، إلا ما خلا من تراثها المتمثل باللغة وآدابها ونصوصها، تبدو وكأنها صانعة للفوضى على هيئة قنبلة بشرية، تحملها رؤوس المتشربين بإيديولوجية الإسلام كدار حرب وولاء وبراء، وليسوا كمسلمين مؤمنين بعقائده وأركانه .

ووفقاً لذلك التشريح العملاني، غدا الإسلام من الناحية النظرية في منحنيين، منحى إيديولوجية الإسلام، ومنحنى عقائدية الإسلام، ونظراً لغياب التواصل الفكري والثقافي بين عموم المجتمعات الغربية والشرقية، فإن نظرة تلك المجتمعات الغربية للإسلام، متشابكة من حيث خلطها بين المنحيين السالف ذكرهما، لينتهي بها الحال إلى تصوير الإسلام كقنبلة بشرية موقوتة، خطرها يتعاظم يوماً بعد يوم، ولا سبيل لنزع فتيلها إلا بحربها الكونية على ما تسميه "الإرهاب" .

وهذا يقودنا إلى سؤال الأخلاق، وفيما إذا كانت الأخلاق الإنسانية تبرر هكذا تقسيم اعتباطي للإسلام، فضلاً عما إذا كانت تبرر أيضاً ذلك السلوك الانتحاري، الذي يبدو أكثر اعتباطاً، ربما لأنه يعطي المقدمات الأساسية لمثل ذلك التقسيم، الذي يدفع الجميع ثمنه بلا استثناء .

وسواء بررت الأخلاق ذلك التقسيم أم لا، فإننا لا نستطيع أن نجرم بشكل قاطع، موقف الأخلاق النهائي، لذا يغدو من المستحسن، على الأقل في  هذه المرحلة، تحييد الأخلاق بالحد الأدنى، التي على يبدو لم تستطع حتى الآن أن تفعل فعلها الضابط للسلوك البشري في غابة صراعه الأسطوري، على الرغم مما ينضح به الإسلام من أخلاق في الدين والدنيا وفي المعاملات والعبادات، وما تعج به جامعات الغرب من العلوم الإنسانية في مجال الأخلاق وأصولها ونظرياتها الأولى .

ولاستحالة الركون على أرضية محددة، وضيق الهامش في الإشارة إلى قلب المشكلة ولبها، نعود مرة أخرى إلى السياسة، وقد يقول قائل، لا مناص من السياسة كواقعٍ حتمي لكل صراعٍ بشري، ولا بد من العودة إليها في كل الأحوال لفهم طبيعة الصراع الأبدي والوقوف عند أسبابه ومسبباته .

 وإن كانت القضية في جوهرها مرتبطة بالسياسة، فمن المنطق وليس بشيءٍ من التبرير، اعتبار كل ما تقوم به الجماعات الإسلامية الحالمة ببسط إيديولوجيتها من خلال ما تقوم به من أعمال مسلحة على الإسلام الآخر - "إسلام المجتمعات"- ينضوي في إطار الصراع على صوابية فكرها المتشرب بإيديولوجية مغالية في إيمانيتها الماضوية، لدرجة نسفها للأخر وتعطيل سعيه الحثيث نحو الحياة .

ومن غير المنطقي أن يتساوى " إسلام الجبال" مع " إسلام المجتمعات"، أو أن يحمل أحدهما وزر أعمال الآخر، فتواصل الحوار مع الآخر، من شأنه أن يزيل الغموض والإبهام المتكون عن صورة الإسلام كدين وبنفس الوقت يعرفه كثقافة حياة، بدلاً من تعريفه النمطي كقنبلة بشرية تنتظر ساعة الصفر، كما يحول دون ذلك التقسيم الاعتباطي، وأما انعدامه، سيعني مزيداً من التقسيم والتشريح الذي ينتهي به المطاف إلى صورة قنبلة بشرية .

 

كاتب عربي

[email protected] 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1167 الاحد 13/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم