تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

خصخصة الإسلام لا علمنته

 فعلت فعلها الأسود بين المسلمين، رغم كثرة النصوص التي تحرم دم المسلم على أخيه المسلم .

فالصراع اليوم وفي الأمس، لم يكن بين الإسلام والأديان الأخرى، بقدر ما كان بين المسلمين أنفسهم لأسباب بعضها شخصي على مستوى الحاكم وأعوانه، أو سياسي كما في معركة صفين، أو حتى فقهي كما يحصل الآن بين الفرق والملل والنحل، بدءاً من جاكرتا شرقاً حتى نواكشط غرباً .

وعلينا أن نسأل من باب انصاف الحقائق، هل كان ثمة صراع في الاتجاه الآخر بين اتباع الديانة المسيحية؟ الواقع يشي أن الصراع في المسيحية لا يقل ضراوة عنه في الإسلام، ولذات الأسباب المذكورة أعلاها، غير أن المسيحية لم تخرج من قوقعة صراعاتها المدوية، لمجرد أنها سارت في الطريق الذي رسمه لها جان جاك روسو وغاليله وجان بول سارتر، أي الطريق الذي أدى في النهاية إلى كسر هيمنة البابوات على الحياة العامة وعلى الفكر الإنساني والفلسفة والعلم، سيما وأن نصوص الإنجيل بألوانها الأربعة، موجودة لمن يريد العودة إليها، وقد يجادل البعض أن المسيحية قبل العلمانية كانت أقل "شراسة" منها الآن في ظل العلمانية التي تخترق فضاءات الآخر بالقوتين الخشنة والناعمة .

فلم تؤدِ علمانية روسو ورفاقه إلى التنوير وبداية عصر الأنوار وحسب، بل أسهمت في إخراج المسيحية من قاع الجهل والخرافة إلى سماء العلم والحياة، فبنت لنفسها على إثر ذلك، حضارة حديثة، يعيش المسلمون اليوم على ثمراتها ويستخدمون أدواتها، ويسعون إلى تقليدها تقليداً أعمى، وبذات الوقت يواصلون استهجانهم لها وإظهار مساوئها ونواقصها، فإلى اليوم لا يعرف المسلمون ماذا يريدون ولا أين يسيرون ؟ ويظل الإسلام بصراعاته القديمة عبئاً على أجيال الغد، ومطية لمن نازعته نفسه في تأجيج النزاع .

قد يقول البعض الآخر،إن الإيمان المسيحي بقي كما هو، لجهة الاعتقاد الغيبي بعودة المسيح المخلص، وما يقابله في اليهودية بالأرض الموعودة، وبموجب هذين الاعتقادين تبنى سياسات الغرب تجاه الشرق، وإن بقي الصراع بينهما في حالة كمون وهدوء نسبي، وكأن العلمانية لم تفعل شيئاً سوى أنها أنقذت المجتمع من براثن الكنيسة وهيمنة رجالها، وأفسحت المجال أمام العقل ليفكر ويدون ما يجول في خاطره، وأمام المصانع لتطلق أبخرتها وتصدر منتجاتها إلى النصف الثاني من العالم.

إذا كان هذا التحليل صحيحاً في الحد الأدنى، فلماذا لا يصار بالمقابل إلى عصرنة الإسلام بدلاً من علمنته التي من الواضح أنها لم تفعل شيئاً حتى الآن، لا على المستوى القومي ولا على اليساري أو الليبرالي، والعصرنة في هذا السياق تعني التحرير دون الانسلاخ، التحرير من سطوة الفتاوي المتباينة بتباين العقول التي تطلقها والنفوس التي تتبناها عن علم أو جهل، والتحرير من المزج الأعمى بين الثابت والمتغير، أي بين الإسلام والسياسة، والتحرير من هيمنة المراجع الدينية وإنهاء نفوذها السياسي والاجتماعي على حياة المسلمين .

ونظراً لحالة الرعب والنفور السائدة لدى عموم المسلمين من مصطلح العلمانية، الذي ظل حتى الآن بلا تعريف دقيق، تبقى خصخصة الإسلام أوسط الحلول وأنصفها وأكثرها قبولاً للعقل الإسلامي، والخصخصة في هذا المقام لا تنفصل البتة عن العصرنة، ولا تجنح خارج واقعها المتغير، أي أنها تؤسس لعلاقة خاصة بين مَن هو في السماء مع مَن هو في الأرض، وتحرر الإسلام من القيود الثقيلة التي كبل نفسه بها، وتجعل من قوله تعالى : لا إكره في الدين، أمراً واقعاً، وليس أمراً مستجاباً لرغبة مَن يحكتر الدين لهواه .

 

كاتب عربي

[email protected] 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1171 الخميس 17/09/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم