أقلام حرة

الهواجس الحقيقية لدعاة إضعاف الدولة العراقية .. السيدان عبد المهدي والبرزاني إنموذجا / جعفر المزهر

 فالخلط المقصود بين الدكتاتورية والمركزية من قبل أطراف سياسية، كردية وعربية، لم يأت عن جهل سياسي وعدم قدرة نظرية في التفريق بين الدكتاتورية والمركزية، فجُل هذه الأطراف هي أطراف متعلمة ودارسة، وتعرف إن عدم التفريق يمثل جهلا ثقافيا ومعرفيا بعلم السياسة .. لكن حقيقة هذا الخلط وبعد تفكيكه يثبت أن هذه الأطراف تخلط عن عمد ؛ لتبقَ الدولة العراقية مهمشة.. قد يكون شخص أو أشخاص لا يدركون جوهر التفريق بين الدكتاتورية والمركزية، وهذه ظاهرة ليست بعامة، بل هي ظاهرة مختصرة على الأتباع الأُميين، و لا تشمل القادة الذين يدفعون عن دراية وعمد إلي تكريس هذا الخلط بين المركزية والدكتاتورية .. ونأخذ نموذجين من القادة الذين يشتغلون على خلط الاوراق :-

 

النموذج الاول: السيد عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية السابق، وهو من الذين يثقفون كتابيا على الخلط بين المركزية والدكتاتورية  ويحاول في جل كتاباته التي تتناول هكذا مواضيع ان يلفق معرفيا بين الدكتاتورية والمركزية

 " لم يخطيء الدستور عندما اقر اللامركزية والفيدرالية.. بعد ان حطمت المركزية البلاد وقادت الى تغيير واقع المحافظات سكانياً وجغرافياً.. وجلب اجانب من خارج البلاد لتغيير المعادلات " *

 بهذا النص يُدفع سياسيا باتجاه أن الدولة المركزية بكل احوالها هي صنو للدكتاتورية، فهذه الصياغة مبهمة وتخلط بين ما هو سياسي وبين ما هو إداري في قضية اللا مركزية، وجمعهما في إطار واحد من خلال النص السابق  يجعلنا نتلمس أن الكاتب من خلاله يحاول الإيهام ؛ حتى يتم تصوير المركزية  بشكل عام هي المسببة للخراب ..  وبشكل أولي أدعي إن كل هذا الخلط من قبل السيد عبد المهدي هو لأجل أغراض حزبية خاصة به وبجماعته ؛ وهو سعيٌ وتثقيف باتجاه ان تبقى الدولة بائسة تتقاذفها أهواء المربعات والدويلات الحزبية .. فيستشف من خلال تنظير السيد عبد المهدي وبدون ان يصرح بهذا : أن قوة الدولة وهيبتها وسرعة قرارها سيجنح بها إلى الدكتاتورية، وهذا امر مريع إذا ترتب في أذهان الناس، وهو تنظير قائم على تخيلات حزبية، ولم يقم على اساس ومعطى علمي وان لُبسَّ بإصطلاحات تنتمي إلى علم السياسة .. والسيد عبد المهدي هنا لا يختلف عن أياد علاوي أو عن أسامة النجيفي أو مسعود برزاني، لأن طرحهم جميعا قائم على هواجس غير واقعية، وإن كانت مغلفة بإصطلاحات سياسية .

 

 فإندفاع السيد عبد المهدي باتجاه الخلط هذا جاء بعد تلمسه لحقيقة  ضعف المربعات الحزبية التي كانت تتقاسم  السلطات مع الدولة .. فمربع  مثل" الجادرية " التابع للمجلس الاسلامي الأعلى والذي كان يشكل دويلة لها دورها غير المباشر في سريان الدولة وقرارتها ؛ وهذا كله كان يشكل لأصحاب هذا المربع هيبة وسلطة تضاهي سلطة الدولة الدستورية، وبعد أن قويت الدولة وأصبحت تعيد هيبتها الدستورية تدريجيا وفي ذات الوقت بدأت تُحسر سلطات هذه المربعات .. أخذ الخاسرون من رجال هذه المربعات يدفعون باتجاه أن الدولة سائرة نحو الدكتاتورية .. لأنهم يريدون نفوذا من  خارج اطار الديمقراطية، فالمجلس  الأعلى مثلا  يشكل بالعرف الديمقراطي أقلية سياسية لها حجمها المحدود والذي يعطيها الحق في ان تتحرك من خلاله، أما في غير هذا الاتجاه يعد كل عمل يقوم به المجلس عملا تضخيميا، بسبب عيشه  مرارة الخسارة  والتي تعد في العرف الديمقراطي امرا طبيعيا  لكنها عند المجلسيين تعد حرمانا من إمتيازات السلطة .. وشاهدي في هذا هو النفخ الإعلامي الذي تستخدمه شخصيات المجلس الاعلى والمغالات بحجمها الذي يخالف حقيقة حجمها الطبيعي في البرلمان .

 

وبالعودة لنموذجنا الاول السيد عبد المهدي ولقوله " بعد ان حطمت المركزية البلاد " نقول أن دولة مثل فرنسا تحكمها المركزية في سلطاتها السيادية في الامن والدفاع والخارجية، ولا مركزية في الشؤون الادارية للمحافظة او البلدية ( الكومينة ) وهذا لم يؤثر على دمقراطية فرنسا، وهناك دول كثيرة  تُحكم بنفس هذه الأليات .. والدولة  العراقية في وضعها الحالي من الناحية الادارية والسياسية تشابه بشيء كبير دستوريا الوضع الفرنسي .. اما الدكتاتورية  - التي يتم محاولة خلطها بالمركزية - فهي حصر السلطات بيد شخص أو حزب، وتكريس الدولة لخدمة هذا الحزب أو هذا الشخص فهذا غير متوفر في الحالة العراقية اليوم .. فالحقيقة تفرض علينا أن لا نطلق الأمور على عواهنها، ولا نفرق ثقافيا و معرفيا بين بين المركزية السياسية وبين اللا المركزية الادارية ؟ فالدولة العراقية والدستور الحالي حصر المصالح السياسية العليا للبلاد بيد الدولة المركزية من علاقات خارجية ودفاع، وهذه اختصاصات الدولة التي يريد البعض  ان يتقاسمها كغنائم ! .

 

 إذا كان الكل يعرف أن المحافظات تحتاج الى تشريع قوانين تنظم وتفعّل  ( الكلي الدستوري ) الذي أعطاها حقها في اللا مركزية الأدارية، فلا بد أن يعرف هذا  (الكل )أيضا إن تشريع القوانين يقع على عاتق المشرعين البرلمانيين  الذين  هم العائق  الحقيقي والمصيبة الفادحة للعملية السياسية بالعراق، وليست السلطلة التنفيذية من وجهة نظري، لأن لو كان هناك تشريعات وقوانين لما تداخلت الصلاحيات الإدارية بين المحافظات وبين السلطة المركزية، وقد يكون هذا التعطيل في تشريع القوانين مفتعلا، وانا ارجح  انه مفتعل   حتى تبقى مسببات إبادة  الدولة المركزية في شقها السياسي ومصالح الدولة العليا تتقاذفه المربعات والدويلات الحزبية .. فجماعات تشتيت الدولة يرومون في حقيقة مشاريعهم إلى دولة مهلهة تدار وفق توافقات إمراء الطوائف والأثنيات العرقية .. دولة شكلها ديمقراطي وجوهرها إقطاعيات سياسية تحكمها عوائل في أعلى هرمها، أما مواقعها الدنيا فهي التي يتم التنافس الديمقراطي الشكلي وغير الحقيقي فيها، وهذا ما هو حادث اليوم بالعراق .

 

 

النموذج الثاني : هو السيد مسعود برزاني ومن يلتف من حوله من السياسيين في الاحزاب الكردية . فمعروف لكل متابع أن  السيد البرزاني تأتي مشروعيته القيادية من أرث عائلي وليس للديمقراطية أي دخل في تبوءه منصبه القيادي والذي اظنه باقي له حتى الممات (اطال الله في عمره)  نعم  حزبه يحتوي على فعاليات مختلفة لكنه حزب محافظ تمثل فيه العائلة البرزانية رأس الحربة في مفاصله الحسساسة وهذه المفاصل يتوارثها صغيرهم عن كبيرهم.. ويتشابه معه في هذه الخاصية  المجلس  الاسلامي الأعلى، فحزب المجلس كور نفسه في هرمه القيادي على العائلة، وهي عائلة المرحوم السيد محسن الحكيم فأصبحت هذه العائلة هي التي يتوارث أبناءها الزعامة والباقي هامش مفتوح للآخرين ومنهم السيد عبد المهدي . وبالرجوع الى السيد البرزاني والذي يختلف عن السيد عبد المهدي في تحصيله العلمي ..  فالسيد البرازاني لم يتحصل على دراسة اكاديمية حتى الأولية منها وحجته في هذا أنه كان مرافقا لأبيه المرحوم الملة مصطفى البرزاني .

السيد البرزاني يقوم خلطه بين مركزية الدولة وبين الدكتاتورية لأغراض مستعجلة تتسابق مع الزمن .. فهو يعرف ان الدولة العراقية قائمة على فصل السلطات وهناك اقليم كردستان الذي هو في شكله يمثل دولة بنسبة تسعين بالمائة، لكنه يسعى ويصارع فى أن تأتي القشة التي تقصم ظهر البعير .. هذه القشة هي ان يبادر العراقيون من غير الكرد لنزاع حقيقي تتساوى فيه الدولة المركزية والأطراف وتضيع من خلاله ملامح الدولة، فيكون هذا مبررا للسيد البرزاني أمام دولتين يشغلان بال السيد البرزاني ويخيفانه بإبتلاع كردستان إن فكر هو بالإنفصال..  فكل متابع يلمس أن سعي السيد البرزاني وحزبه يقوم على أساس أوحد وهو : ان لا تقوم للدولة  العراقية أي قائمة، وأي مشروع يسعى أصحابه لتحقيق هيبة الدولة فهو  عند السيد البرزاني والأحزاب الكردية يعني تهمش مشروعهم ؛ مشروع الدولة الكردية، لأنهم يعرفون أنهم بحاجة إلى حجة قوية تقنع الإيرانيين والأتراك بمشروعية دولتهم، وهذه المشروعية تآتي من خلال تدمير الدولة العراقية والا فلن يسمح لهم بإقامة الدولة الكردية .. فخوفهم ليس من الدولة العراقية، لأنهم يعرفون أن هذه الدولة ضعيفة وغير قادرة على منعهم من إقامة الدولة لكن خوفهم هو من الإيرانيين والأتراك الذين سيبلعونهم برمشة عين إن حاولوا إقامة الدولة،، أما إسطوانة حب الدولة العراقية والاتحاد الإختياري ما هي الا لعبة يعرفها الجميع ولا تنطلي الا على المغفلين والمستفيدين من هذه اللعبة .

 

يرشح لنا بعد هذا التحليل المقتضب إن النموذجين السابقين ليس مع إعادة تقوية الدولة وتعضيد هيبتها لإنها ليست في صالحهم وإن أختلفت توجهاتهم فهم يريدون شبه دولة حتى يتحقق من خلالها ما يصبون اليه.. فالنموذج الاول هو وجماعته يمثل لهم ضعف الدولة منفذا لبقاء المربعات الحاكمة،  وهذا التوجه ليس حكرا على السيد عبد المهدي وحزبه المجلس الأعلى، فهناك الصدريون، فهؤلاء يلعبون نفس اللعبة لأن الدولة القوية تخيفهم وتحد من نفوذهم ومن نفوذ قائدهم السيد مقتدى الصدر والذي يشكل عدم إتزانه السياسي حالة قلق للدولة العراقية وخير شاهد على عدم اتزانه السياسي هو فتاويه السياسية التي بدأت تتصاعد وتنذر بشيء خطير .

 اما النموذج الثاني فهو يعيش حالة جنون سياسي هذه الأيام بسبب تصاعد هيبة الدولة .. والشاهد على هذا الجنون : التصريحات المتضربة التي يدلي بها السيد مسعود برزاني وحزبه اتجاه الدولة وبالخصوص اتجاه سلطتها التنفيذية والقضائية التي اخذت تتبين ملامحها الحقيقية في تطبيق الدستور  فتارة القضاء غير نزيه في بغداد وتارة اخرى ان المالكي انفرد بالسلطة وتارة ثالثة التلويح بالحرب ضد المركز وهذا التلويح جاء على لسان السيد البرزاني اكثر من مرة .

 

* من مقال للسيد عادل عبد المهدي بعنوان: المركزية ..اللا مركزية والفدرالية .. حلول ام ازمات .

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :1999 الخميس 12 / 01 / 2012)

 

في المثقف اليوم