أقلام حرة

إطلالة على اللوحة الكُردية / امين يونس

في أعقاب الهجوم العسكري الذي شّنه عبدالكريم قاسم ضد الكُرد، والتي كانتْ المرّة الاولى التي تبرز فيها حركة كردية شُبُه مُنّظمة، وذات أهداف سياسية واضحة وشعارات قومية . ولقد كان التأثير اُحادي الإتجاه الى حدٍ ما ... فجميع الأحزاب الكردية والحركات والجمعيات التي ظهرتْ في سوريا وإيران ولاحقاً في تركيا، كانتْ تعتبر " الملا مصطفى البارزاني " رمزاً للكفاح الكردي في كُل مكان، وتسترشد بنهج الحزب الديمقراطي الكردستاني، بدرجةٍ أو بأخرى .. ولكن حدثتْ بعض التغييرات، على هذه اللوحة، منذ أواسط الستينيات، حين إنشقَ ابراهيم أحمد وجلال الطالباني، عن الحزب الديمقراطي الكردستاني الأم ... فكان لذلك تداعياته على الأحزاب الكردية في كُل من سوريا وايران، بدرجات مُختلفة، ونُثِرتْ بذور مؤيدي الطالباني، ولو على إستحياء وبأعداد متواضعة .. وبعد بيان 11آذار 1970 وما أعقبه من حرب، وإنتكاسة 1975 ... وولادة الإتحاد الوطني الكردستاني وأحزاب أخرى .. تصاعَدَ تأثير الأحزاب الكردية العراقية، على أحزاب ايران وسوريا، وأمتَدَ التنافس الحاد بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، من جهة، والإتحاد الوطني الكردستاني، من ناحية أخرى .. ليصل الى ساحات دول الجوار .. فتورطتْ أحزابها الكردية، بين الحين والآخر، في الصراعات الداخلية فيما بينها، في العديد من المواقف ..

ولِحد اليوم، ورغم " الإتفاق الإستراتيجي " بين الحزبَين الرئيسيين، الديمقراطي والإتحاد .. فأن هنالك أحزاب كردية في سوريا وإيران، محسوبة بالكامل على أحد الحزبَين، وتتلقى الدعم المادي والمعنوي منهما .

- نقطة التبّدُل الرئيسية في المشهد الكردي، كانتْ ظهور " حزب العمال الكردستاني " في كردستان تركيا، مطلع الثمانينيات .. ولم يكُن تأثير الأحزاب الكردية العراقية، كبيراً، لا في تشكيل حزب العمال منذ البداية، ولا في النهج الفكري والمرجعية التأريخية بعد ذلك . وهذه النقاط مُهمة في المعادلة الكردية .. ونتجَ عنها فيما بعد، ان حزباً فَتياً ذو شعبية مُتصاعدة، بدأ بالتشكل، في كردستان تركيا، وسُرعان ما إمتَدَ تأثيره الى محيطه الأقليمي . ولم تكن أحوال الحزبَين الكرديين العراقيين ولا الظروف، تسمح لهما .. بالإكتشاف المُسبَق .. لخطورة هذا الوافد الجديد، وقدرتهِ على منافستهما بجِدية .. ولما بدآ بإستشعار ذلك في نهاية الثمانينيات .. كان الوقت قد فات، ولم يعودا يستطيعان القضاء عليهِ أو تحجيمهِ " كما فعلا مع العديد من الاحزاب الاخرى، في فترات متعددة " !.

- من البديهي، ان العراق وايران وتركيا وسوريا، وهي الدول التي يتواجد فيها الكُرد، وهي الدول التي طالما إضطهدتْ حكوماتها، الكُرد ... هي نفسها التي تلاعبتْ [ وما زالتْ ] تتلاعب، بالورقة الكردية، وتتقاذفها فيما بينها، حسب مصالح تلك الدول، ولأن هذهِ المصالح مُتشابكة بشدة .. فأحياناً تتوازى، وأحياناً تتقاطع .. فترى إحدى الدول " تستضيف " أحزاباً كردية مناوئة للدولة الجارة .. ومن الطبيعي، ان طيف " الإستضافة " يمتد من توفير الملجأ والإقامة، الى الدعم المعنوي والمادي، الى التسليح والتدريب والدعم اللوجستي ... حسب الظروف التي يتطلبها الموقف ! . ولعل تواجد اللاجئين الكرد العراقيين ولفترات متقطعة، في ايران، من منتصف الستينيات لغاية 1991 .. وما تخّللها " أحياناً " من أخطاء وتصرفات الحزبَين الديمقراطي والإتحاد، غير مقبولة، و " بضغطٍ من المُضيف الايراني " في العهدَين الشاهنشاهي والاسلامي على السواء، وإستخدامهما أحياناً كعصا غليظة ضد المعارضة الايرانية ... هي دليل على إستغلال ايران ل " إستضافتها " للمعارضة الكردية العراقية، لمصالحها الخاصة . وكذلك فعلتْ سوريا، بل وما زالتْ .. حيث تستثمر، إحتضانها ل " حزب العمال الكردستاني " منذ مطلع الثمانينيات .. ثم التوقف عن الدعم وتجميده، في السنوات الاخيرة [ عندما تحسنتْ العلاقات التركية السورية ] ... والآن بعد ان ساءتْ هذه العلاقات مؤخراً .. أعادَ النظام السوري، دعمه لحزب العمال الكردستاني، وتوظيفه لِلحَد من الإنتفاضة الشعبية السورية ! ... عموماً، ان فترة التسعينيات في اقليم كردستان العراق، التي شهدتْ معارك شرسة بين الأحزاب الكردستانية فيما بينها ( الحزب الديمقراطي الكردستاني، حزب العمال الكردستاني، الإتحاد الاسلامي الكردستاني، الاتحاد الوطني الكردستاني، الجماعة الاسلامية الكردستانية .) ... خيرُ دليل على إنسياق هذه الأحزاب، الى تنفيذ أجندات دول الجوار، سواء بصورةٍ متعمدة او غير متعمدة .

- ان سيطرة الحِزبَين الديمقراطي والإتحاد، على مُقدرات الأقليم خلال السنوات العشرين الماضية، ولا سيما الزيادة المُطردة في الموارد التي يتحكمان بها ... أتاحتْ لهما، كسب المزيد من المؤيدين في المناطق الكردية، في تركيا وسوريا وايران، من خلال تقديم الدعم المالي المتواصل ( وكذا في داخل الأقليم، حيث يلعب المال السياسي دوراُ هاماً في حشد التأييد ) .

في حين ان حزب العمال الكردستاني، ومن خلال سياساته المُختلفة عن الحزبَين، تلك السياسات التي إستهدفتْ منذ البداية، " كردستان الكبرى " المتخطية للحدود .. والعنفوان الثوري الذي طبعَ حزب العمال الكردستاني، خلال السنوات الماضية ... نفس السنوات التي شهدتْ تراجعاً في " ثورية " و " كوردايتي " حِزبَي الديمقراطي والإتحاد " اللذان إنشغلا بممارسة السلطة وجمع الاموال " ... جعلَ حزب العمال الكردستاني، رغم كُل شئ .. يكسب المزيد من المؤيدين، ليسَ في تركيا فحسب، بل في ايران وسوريا والعراق ايضاً !.

- ينبغي، الإشارة الى الظهور القوي، لحركة التغيير " كوران " في اقليم كردستان .. والإعتراف بأنها حققتْ الكثير في فترةٍ قصيرة .. وكسرتْ حاجز الإحتكار الذي فرضَتْه أحزاب السلطة طيلة السنوات الماضية . ففي حين ظّنَ الكثيرون في البداية " وأنا منهم "، بأن حركة التغيير سوف تضمحل سريعاً ولن تستطيع الصمود بوجه الحصار المفروض عليها ... أثبتتْ الحركة جدارتَها وحنكتها السياسية ... بحيث ان الاطراف الأخرى الحاكمة، هي التي تسعى اليوم الى التفاوض والمساومة، معهم !. [أعتقد ان حزب العمال الكردستاني، يُفّضِل التعامل والتفاهُم، مع الديمقراطي والإتحاد " إذ يعتبرهُما أسهل ! "، على التفاهم مع حركة التغيير كوران " إذ يعتبرها أصعب وتُشكل خطراً مستقبلياً "] .

..................................

الخلاصة، ان الوضع الكردي عموماً، بالغ التعقيد، وليسَ كما يبدو أحياناً من خلال خُطب السياسيين، التي تُدغدغ العواطف فقط . وأرى ان الحزبَين الديمقراطي والإتحاد، لن يتخليا بسهولة ولو عن جُزءٍ من السلطة والنفوذ والإمتيازات، هنا في الأقليم .. ولا حزب العمال الكردستاني، مُستعدٌ للتنازل عن شئ من نفوذه ولا سيما في كردستان تركيا، ولا حتى عن مواقعه في قنديل وغيرها .. ومع كامل الإحترام، لكل الأحزاب الكردية في سوريا وايران، فأن معظمها، كما أعتقد، تدورُ في فلك الأحزاب الثلاثة القوية : الديمقراطي / الإتحاد / العمال !.

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :1999 الخميس 12 / 01 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم