أقلام حرة

تهاني .. وتبريكات / امين يونس

بسبب الإزدحام  في مكتب الرئيس او المُدير العام .. والسبب في ذلك الإزدحام، هو قدوم وفود المُهنئين، بتسنم الرئيس " الجديد " لمنصبه ! . فما ان يُغادِر منتسبوا القسم العلاني من المستشفى الفلاني، حتى يصل آخرون .. وهكذا دواليك . ومن الطبيعي، ان أصول الضيافة، تُحّتِم على المسؤول، ان يُقّدم الشاي او الشربت، أي ان يجلس المهنئون لِما لايقل عن عشرة دقائق او ربع ساعة .. ومن البديهي، ان الدوام ينتهي، من غير أن يستطيع المواطن المُراجع، مُقابلة السيد المسؤول .. والمصيبة انه في اليوم التالي، تَكّرَر نفس المشهد .. حيث جاء الدَور على كوادر الحزب، الذين تقاطروا لتقديم التبريكات والتهاني ... وسيكون اليوم الثالث خاصاً لمنتسبي الدوائر الأخرى .. واليوم الرابع للوجهاء وعلية القوم ! ... فإذا إستطاع المواطن المسكين، من إقناع السكرتير، بأن حالته مستعجلة، وتدبير فسحة بين التهاني والتبريكات، لمقابلة الرئيس، فأنه محظوظ .. وإذا لم يستطع، فليشرب من البحر ! ... ومن نافلة القول، ان الضَرر من هذهِ الظاهرة، مُرّكَب، حيث ان المُهنئين يشغلون وقت المدير العام الجديد ولا يوفرون له الفرصة لممارسة عمله .. ومن ناحية اُخرى، هُم أنفسهم يتركون أماكن عملهم ..

حسب معلوماتي المتواضعة، أعتقد ان الموظفين والعمال في المؤسسة التي، يستلم فيها شخص جديد مسؤولية الإدارة، في البلدان التي تحترم الوقت والقانون .. يقدمون باقة ورد عن طريق ممثلهم، أو شيئاً من هذا القبيل، ويهنئونه بحيث ان العملية لاتستغرق سوى دقائق معدودة وينتهي الأمر . بعكس ما يجري هنا .. من تملقٍ مُقنن، ومُداهنة متراكمة، وإبداء ملاحظات سمجة حول مساوئ المسؤول السابق، وإضفاء صفات خارقة على المدير الجديد !. وتصوير الحدث، وكأنه حلٌ سحري لجميع المشاكل .

ويشرح منتسبوا نفس الدائرة " لاسيما من خبراء اللكلكة "، للمُدير العام الجديد، بأنه [لولاهُم] لِما تبدلَ المدير السابق، ولولا جهودهم المُضنِية ووقوفهم بوجه سلبياته، لبقى حتى الآن في منصبه .. مُذكرين أياه ومُحذرينه بطريقةٍ غير مباشرة، بأنهُم هُم الذين يُديرون الأمور هنا فعلياً !... كوادر الحزب، ومن بين ثنايا التهنئة والتبريكات، يحاولون [إفهام] المدير العام الجديد، بأن لا أحد يصبح مُديراً ولا أحد يُعزَل، من دون أمر الحزب ! .. وعلى الرغم من انه حزبي، لكن عليه ان يثبت ولائه للحزب أولاً على طول الخط ! ...

رُبما كان المدير العام الجديد أو المسؤول الجديد  (ولا أعني الصحة تحديداً، بل بصورةٍ عامة) ... رُبما كان حسن النوايا، ولديه تَصّور جّيد لتطوير عمل المؤسسة، والحَد من الفساد ...الخ . لكن هجمة التهاني والتبريكات المُبالَغ فيها، والضغوطات والتدخلات الكثيرة في عمله، من الحزب والمُحافظة والعشائر والوجهاء ومافيات الفساد، ومُدمني التملق ... كُل هذه الأشياء، تُشكِل مخاطر جدية في طريق الإصلاح الحقيقي .. ومُثبِطات للهمم والتطور ... وعصيا في عجلات الإبداع المُفتَرَض !.

في إعتقادي، الحَل لايكمن في تبديل هذا المدير او ذاك، بأشخاص آخرين [ يتعرضون لنفس الضغوطات المتنوعة والمعوقات التقليدية، التي تحد من عزيمتهم وتسبب لهم الإحباط المُبكِر] .. بل ينبغي إصلاح المنظومة الادارية بكامل مفرداتها .. وإفساح المجال الحقيقي والواسع، للمُدراء والمسؤولين الجدد، لتنفيذ برامجهم وخططهم، الرامية الى الإصلاح الجذري، وتوفير الإستقلالية لهم في إتخاذ القرارات المناسبة، بعيداً عن التأثيرات الحزبية والبيروقراطية الإدارية التقليدية .

مديرية الصحة، هي مُجرد نموذج، إذ ان هذه الحالة أعلاه، متفشية بدرجةٍ او بأخرى، في أغلب الدوائر والمؤسسات التي جرى فيها .. تغيير المسؤولين مؤخراً .

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2003 الأثنين 16 / 01 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم