أقلام حرة

أردوغان علم دار ومحاولة أحياء الموتى / مصطفى الأدهم

لكن، فات السيد أردوغان أن "علم دار" هو بطل أسطوري وهمي لا وجود له إلا على "الشاشة الصغيرة" - ما يعني أن بطولاته الخيالية هي الأخرى صغيرة. أصغر من تحديات الواقع وحقائقه.

صعد أردوغان من سياسته ل "تكثير المشاكل" التي حلت محل المرحومة "تصفير المشاكل". واخر مشكلة أضافها إلى مجموعته هي تدخله في الشأن الداخلي العراقي، ودعمه لجهات وشخصيات على خلفية طائفية مقيتة.

 

لا بأس هنا، من التذكير بجملة من الحقائق عن أن تركيا تنام على فوهة بركان "شبه ثائر" من الأزمات الداخلية والخارجية - المزمنة.

الداخلية؛ استفحال الصراع بين الأردوغانية والقضاء التركية - العلماني النزعة. دخول الإنقلاب الناعم على الجيش مرحلته الثانية، متمثلة بأعتقال الرئيس السابق لأركان الجيش والتهمة "الإنتماء لتنظيم ارهابي لقلب نظام الحكم". أستمرار الصراع الشوفيني مع الشعب الكوردي، واخر صوره البشعة كانت المجزرة التي قامت بها قوات أردوغان بحق 35 مدني كردي فقط لل"اشتباه بأنتمائهم لحزب "العمال" الكوردستاني"، ورفضت حكومته الإعتذار عنها!. ممارسة التمييز القومي بطورانية تجاه القوميات غير التركية، والتمييز الطائفي ضد الطائفة العلوية.

 

خارجيا؛ لم تتمكن من الدخول في عضوية الإتحاد الأوروبي. ولا نظام " الشنغن"  للفيزا. وعلى مدى عقود لم تنجح في فرض رؤيتها لحل القضية القبرصية. وفشلت حتى الساعة بأنتزاع اعتراف دولي واحد بالشطر القبرصي "التركي".

ولم تستطع أنقرة حتى اليوم الرد على الإهانة التي لحقت بها، جراء قتل القوات الإسرائيلية لمجموعة من مواطينها على متن السفينة "مرمرة". ولم تستفق بعد من دوي الصفعة الفرنسية الناجمة عن أقرار برلمان الأخيرة لقانون "المذبحة الأرمنية" الذي يجرم تركيا - العثمانية. ولم تنجح بمنع السلطة التنفيذية أو التشريعية في الولايات المتحدة على عدم اقرار "الكونغرس" لقانون "المذبحة الأرمنية" الذي يجرم هو الأخر تركيا - العثمانية. ناهيك عن المشكلة التاريخية مع أرمينيا.

تتواجد على الأراضي التركية، قواعد أمريكية، وأبدت استعدادا لإستضافة قواعد للدرع الصاروخي الأمريكي، ما يجعلها هدفا محتملا للصواريخ البالستية الروسية والصينية والإيرانية.

 

أنقرة لا تمتلك قرارها بيدها. ومن لا يملك قراره بيده لا يستطيع والحال هذه أن ينشيء أو يقود المحاور. نعم، يمكنه أن يكون ذيلا، فرعا، تابعا أو جزءا من محور، وهو ما عليه تركيا اليوم.

لذلك، فأن دورها مرسوم لها من قبل "الأسطة". وبالتالي لا تستطيع الخروج عن جوهر النص وأن شطحت. لذلك، لم تستطع تجاوز الواقع أو حدود الإمكانيات مع اسرائيل أو باريس، رغم "العراضة" الاردوغانية والتهديدات الكلامية التي لم تخرج على الجوهر رغم الشطحات.

 

أن أراد العراق ورغم جراحاته، التدخل في الشأن الداخلي التركي، وخصص ريع 100 برميل نفط باليوم لذلك، فأنه والحال هذه يستطيع أن يلعب بأكثر من ورقة تسبب الصداع لأنقرة.

نعم، الأخيرة عضو في حلف "الناتو" ودولة كبيرة، تجاور من خلال أسطنبول الإتحاد الأوروبي. لكن، اقتصادها يعتمد على السياحة، الإستثمار، الحوالات، البسفور، تصدير الخضروات والفواكه والألبان وشرائح السجق واللحم الحلال، لذلك سيختنق حال نشوب النزاعات، عكس الإقتصاد العراقي الذي يعتمد على النفط الذي يرتفع سعره مع الأزمات.

الورقة الأقوى بيد أنقرة هي الإبتزاز المائي بمنع دجلة والفرات، وهي ورقة لها بعدها الدولي الذي على العراق تفعيله.

 

لن يكون بأمكان أردوغان أحياء الموتى. الأمر أكبر من قدراته وقدرات بطله الأسطوري علم دار. الرجل العجوز مات منذ عقود. والمحور الذي يقود تركيا اليوم هو من أجهز على تركيا الأمس. وتقاسم تركتها، ولن يسمح لها بأعادة أيام - امبراطورية التخلف العثماني.

عليه، لأن يكون أردوغان علم دار سلطانا عثمانيا وأن أراد. والدور الإقليمي الذي نجح بأنتزاعه عبر شباك تصفير المشاكل، سيخسره من باب تكثير المشاكل.

 

سلاح المقاطعة الإقتصادية للبضائع التركية سيكون قرصة أذن على الطريقة العراقية لا ضير من التلويح بها مع عدم أغفال حقيقة حقوق الأنسان المنتهكة للشعب الكوردي و الطائفة العلوية ولابأس من مقاربة "المذبحة الأرمنية" كي نشاهد احدى أشد أنواع الهستيرية الأردوغانية.

 

مصطفى الأدهم

15.01.2012

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2004 الثلاثاء 17 / 01 / 2012)

 

في المثقف اليوم