أقلام حرة

كيف ولمن نكتب؟

 مستوى معرفته ومعلوماته والمامه بالقضايا التي يريد الغور فيها، ومدى سعة علمه بمكامن وثنايا الموضوع الذي يريد الخوض فيه، مع امكانياته اللغوية وايمانه بما يكتب ورايه في نسبة الالتزام بالقواعد العامة لتلك اللغة، او اهتمامه بالاهم هو تحقيق الهدف المرسوم  في فهم وافهام الاخر ومستوى استفادته من المكتوب بشكل عام .

 

 الكتابة بسيطة بذاتها ولكن الدوافع والاهداف والمضامين وما تتفرع منها تحمل الاراء والاوجه المتعددة مهما تقيد الكاتب براي وموقف واحد، وتكون صعبة التفسير، ويمكن ان نقول ان القاريء الجيد هو كاتب الموضوع الذي يقراه وان كانت بقلم كاتب اخر، وكما هو حال مشاهد اللوحة التشكيلية الذي يفسرها حسب تعمقه وذوقه وفهمه وخلفيته الفنية والثقافية .

 

و حتما تنبثق من الكتابة فروع ربما تكون متقاطعة مع بعضها، لان افرازات ما بعد التطبيق او الممارسة العملية لمكامن الكتابة وان كانت مؤثرة على اداب وتوجهات واخلاقية القاريء، هو الهدف الاسمى وفي النهاية تتلاقى وتكون متناسقة ومتوازية ومتساوية لبعض القراء، ومتضاربة ومتداخلة للاخرى وحسب الوعي والثقافات العامة لهم . وهذا الجوهر الهام للكتابة والمفسَر من خضم تفكيري، الان في هذه اللحظة، وهو ايماني الان بما اكتب، وهواعتقادي بان الكتابة تفرض مسؤولية كبرى على الكتاب في اتباع الدقة في الكلام وطرح الاراء من حيث المعنى في اية كتابة كانت، وليس بشرط الالتزام بالقواعد اللغوية الخاصة بكل لغة، وهذا مان باب التسهيل والسلاسة  في الكتابة والتي من الواجب ان تقرا على انها شفوية سهلة الهضم، ولكن يجب ان تكون مترابطة والهدف معلوم . وهنا يجب ان نطرح الكتابات الاختصاصية البحثية جانبا في هذا التحليل لاهمية معنى ومضمون وما يتفرع من كل كلمة فيها بحد ذاتها .

 

و من هنا يجب ان نوضح ما نراه في العديد من الكتابات الاعتيادية، يتجه الكاتب لتعقيد المسائل وما يمكن ان نسميه التفلسف في التعبير في سبيل تحسين نظرة القراء اليه او ازدياد اعجابهم به واظهار نفسه عالي الشان دون ان يفيد القاريء او المتلقي بشيء يُذكر . من لم يتذكر كتابات العالم الكبير الدكتور علي الوردي وسهولة فهمه وعمق تعبيره ومضامينه، وهو  ما ادرك الكثير واعلن الكثير بخصوص الكتابة الهادفة وما نقش من ارائه في اذهاننا وخاصة ما اعلنه في كتابة الادب العربي الرفيع وانتقاداته الجميلة البناءة للكتاب ومضامين اللغة وخاصة العربية ونظرته  الى قواعد اللغة العربية وتعقيداتها والمسائل الحياتية وما يحتاجه الفرد والمجتمع في الكتابة ليس الضمة والكسرة والفتحة وتاء التانيث وفي المقابل الفحولة في اظهار الضم الرجولي والانوثة في كسر النسوي المنعكس على اللغة العربية منذ نشوئها، بل الهدف السامي هو مقدار ما يفهمه القاريء ويستفيد منه وما يدركه  فقط . اذن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الباحثين المختصين وما يلتزمون به من جوانب الكتابة كافة وهم من الندراء، وهم في طريقهم الى الانقراض لان الحياة الطبيعية في تقدم وتحتاج الى البساطة والسهولة والسلاسة في الفهم والتطبيق . اما ثقافة الكاتب ومستوى وعيه وخصوصيته فهي من المقومات الاساسية لكتابته، الكاتب المسؤول، هو ما يكتب ويعني بكل كلمة وهي نابعة من ايمانه بما يكتب، وهو الحامل للعقلية النخبوية ويؤمن بالتغيير المستمر ولديه (ارادة الاختلاف) و(ارادة التفكير ) و( ارادة الحرية ) بعيد عن الوعاظ والنصائح والعقد الايديولوجية والفلسفية المتوارثة .  اي يمكن تقسيم وتصنيف الكتٌاب الى عدة انواع، منهم من تعلم وتكيف واستمر على الوعاظ والهتاف في الكتابة وتقديس النص وما يؤمن به بالاضافة الى المدح والوصف والثناء، وفي المقابل الذم والقدح والتشهير والنميمة .  اما النوع الاخر وهم من النخبة التي تنظر الى الاحداث والوقائع والمواضيع من البعد او بقصر نظر واضح ويكتبون لاغراض عديدة خاصة كانت ام عامة. اما النخبة المتحملة للمسؤولية العامة فهي التي تهتم بالمواضيع بعيون وافكار حيادية وارائهم وكتاباتهم موثوقة وهم يعيشون في خضم التفكير العقلاني المحايد ومهتمون بما يهم المجتمع،و هم نشطاء وفعالون وهم اصحاب النتاجات الحقيقية والابداعات والابتكارات ويفسحون مجالا واسعا للقراء من اجل السباحة في فضاء تفكيرهم وعقلياتهم وهم يعون الواقع ويوعون الجيل الجديد في كل مرحلة .

 

من اهم النقاط التي يمكن الاصرار عليها، وهوكيفية سحب القاريء واجباره في الغوص في المادة بتعابير ونصوص مكتوبة واجباره طوعيا على عدم ترك ما يقراه حتى وان لم يستفد من الكتابة الا بنسبة قليلة، ولابد ان يستفيد بنسبة معينة، وهذه هي حيوية الكتابة، وهذا هو الدافع الرئيسي لربط الجهات، الموضوع والكاتب والقاريء كالعلاقة بين الناس نفسها، ولكل كاتب طريقته وكما هو الحال لكل كتابة ابعادها، وان كانت حية ستكون لها وسائل حركة ديناميكية مستمرة، وهنا اقصد ما يكتب من البحوث والدراسات العميقة وليس المقالات والاعمدة الصحفية اليومية، والكتابات الولاٌدة تكون بعيدة عن الجمود او العقم، وتتفرع منها ولادات جديدةو هذه ما تدفع الى الاصلاح والتغيير الدائم في الثقافة والواقع العام . والكتابة الجيدة مهما كانت طبيعتها وشكلها ومضمونها ان كانت هادفة ستبقى حية ويتمتع بها القارئ وان كانت قليلة العدد، وليس القراء جميعهم مهتمون بنوعية واحدة من الكتابة كما هو حال الاختصاصات الاخرى كالفن والادب والشعر والنقد، ولكل نوع قراءه الخاص .

 

 وما ارد ذكره اخيرا، ان الشرق الاوسط بشكل عام لا يضم نسبة مقنعة من القراء ولم تصبح القراءة والمطالعة ثقافة او كلتورا مترسخا، وعلى الكاتب ان يطرح افكارا ومواقفا واراءا تحرك الواقع وتتفاعل معه وان كانت متداولة بين الناس وتحتاج الى تنقيح وتهذيب كي يستفاد منها الاجيال وهي تراها صافية متكاملة .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1186 الجمعة 02/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم