أقلام حرة

المـتـقـاعـدون .. وميزانية 2012 ..! / جاسم العايف

"إن موازنة 2012 لم يأتِ فيها أي زيادة  للمتقاعدين، بسبب العجز وصرف النفقات، مشيراً إلى أن اللجنة تدرس مقترحاً لمنح المتقاعدين منحة مالية مقطوعة مقدارها 60 ألف دينار كل شهر تعتمد في ذلك على زيادة أسعار النفط المتوقعة وزيادة التصدير". ولا ندري هل أن هذه الزيادة (المباركة) إن حدثت، ولم يُغلق (مضيق هرمز)، كذلك لم تعمد القوى الإرهابية لتخريب الخط الناقل للنفط عبر تركيا، ستشمل كل المتقاعدين، وبضمنهم أعضاء البرلمان العراقي والذين انتهت ولايتهم ومهماتهم العتيدة، دون ثمر جناه العراقيون منهم،ومعهم  كذلك الوزراء السابقون والمدراء العامون وأصحاب الدرجات الخاصة وما أكثرهم،غير الضجيج والاحتراب الطائفي والفساد واللصوصية الواضحة والمفضوحة والمعلنة من قبل أعلى سلطة في عراق ما بعد نيسان 2003، والتي جرى التستر عليها على قاعدة عراقية، متوارثة ومعروفة شعبياً، وهي (شيليني وأشيلك)، وهل سيضاف هذا المبلغ على (تفاهته) كذلك إلى رواتبهم التقاعدية المليونية، ليتصدقوا به أو يدفعوه خُمساً مُزكى، أو صدقة جارية !؟ أبراءً لذمم بعضها كان في قمة الفساد العلني الموثق، والمسكوت عنه  رسمياً وقضائياً، و تبقى رواتبهم تلك  صافية مصفاة من كل شيء!؟.أم الـ (60) ألف دينار، أن حصل ذلك فعلاً، وكما توعدنا السيد الياسري، ستكون للذين يقفون بطوابيرهم الطويلة، تحت شمس العراق اللاهبة، وبطاقاتهم الذكية بأيديهم التي خدد الزمن ما شاء له من خدود فيها.يقفون مرة كل شهرين، شابات أرامل، ونساء ورجال أكل الزمن ما أراد أن يأكل من أعمارهم وصحتهم وأحلامهم وآمالهم. يقفون  بأجسادهم الهزيلة  المتعبة، وغضون وجوههم التي مستها ودمغتها السنوات، لأجل الحصول على مستحقاتهم التقاعدية، بعد عمر ابتلعته وظائف وأعمال اقل ما يقال عنها أنها كانت مضنية مملوءة بالمشقة والمخاطر والعذابات.عسكريون عايشوا الموت في شعاب الأرض العراقية،شمالاً وجنوباً، ومنهم من حمل ندوباً أو عوقاً، منذ أزمان الحروب، التافهة والمتعددة والخاسرة دائماً، والتي لا معنى أو حصاد لها، غير المهانة والذلة والهوان، وسنواتها المتعاقبة المرة القاسية . موظفات وموظفون عصف بهم الحصار وسنواته السوداء، خرجوا من دوائرهم بسمعة بيضاء نظيفة ناصعة باتت نادرة في هذا الزمان.ورثة لمتقاعدين موتى أو قتلى أو مفقودين إلى الأبد .. وغيرهم. كانوا يأملون إنصافاً في خريف أعمارهم وكانت أمانيهم معلقة بقانون جديد، معني بتنظيم شؤونهم، وبما يكفل لهم مهانة العوز وذله،عبر رفع غبنهم الطويل وإزاحة ستائر الحرمان عنهم .. فما هو حقاً هذا القانون..؟ وما مدى استفادة المتقاعدين القدامى منه؟. وهل هو بمستوى طموح الأغلبية منهم وهل فيه مخصصات مادية مجزية لتلك السنوات، التي بقيت خلفهم ولن يستعيدوها قطعاً، و هل يتناسب وغلاء الحياة الراهنة وأسعارها الملتهبة، وهل يحقق ميزة لهم قريبة لحد ما مع صنوهم الموظف حالياً، والذي سيتقاعد لاحقا؟. والاهم هل حقق القانون العدالة والأنصاف للمتقاعدين، خاصة الدرجات الدنيا من السلم الوظيفي، وهم يعيشون مشكلات مختلفة،أهمها الجانب الاقتصادي والاجتماعي والصحي، وفي زمن كنا نأمل ونحلم أن نبني فيه وطناً يعتمد على أسس العدالة الاجتماعية -الإنسانية التي تحقق الرفاهية لمواطنيه ، اعتماداً على ما يمتلكه من ثروات و خيرات طائلة فائضة هائلة لا حد لها، واستولى على قسمها الأكبر في هذا الزمان لصوص المال العام، آمنين غانمين في الداخل، أو مقيمين في دول مجاورة لنا أو بعيدة عنا،دون أن تطلهم يد العدالة، و مكللين بصمت وتواطئات، ساسة العراق الجدد، ممن حملتهم رياح وزلزال 9 نيسان 2003 إلى سدة القرار،أو التحكم في المشهد السياسي والاقتصادي، وأغلبهم كان لا يتجاوز حلمه غير زيادة (فتات ) المعونات المالية في دول الإقامة الأجنبية. والغريب أن بعضهم رغم كل الامتيازات التي حصل عليها في العراق لم يزل يتمتع بها هناك!؟. لا بل يزداد شراهة في داخل العراق. وبعضهم،تعامل مع العراق،غنيمة معروضة، في أسواق الجزارة والنخاسة السياسيتين، فأنشبوا سكاكينهم الحادة القاطعة فيه، كل يقتطع ما يشاء، ويسدد ما عليه من فاتورات، أو يعوض  سنوات الحرمانات، وبات الآن يمتلك أغلى وأجمل ( الفيلات والقصور) في أرقى أحياء دول المهجر،أو الدول المجاورة، ناهيك عن شركات (التجارات) والمقاولات والتعهدات، و التي أسست بأسماء الأصهار، وأولاد العمومة والخؤولة، وغيرهم من الشركاء المجهولين، الذين عليهم التكتم على الأسرار والصفقات الحرام. والكثير من المعنيين بالأمر، لديهم إطلاع وبيانات واضحة، عن ذلك وغيره !؟. وكذلك عن تردي الوضع المعيشي لأغلبية العراقيين، والمتقاعدين في المقدمة، وسبق لهم أن استخدموها ضد النظام السابق كورقة مهمة رابحة بهذا الشأن. وبالرغم من الارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط، والتي كان يجب إن تصب في صالح الشعب العراقي، والدرجات الدنيا منه بالذات، ولتظهر أثارها في زيادة الدعم الحكومي لحاجات ومتطلبات العيش الكريم للمواطن العراقي..إلا أن العكس هو الحاصل حيث ازدادت معاناة والآم العراقيين من الطفرات التي تشهدها تكاليف المعيشة لفئات اجتماعية واسعة  منهم، و في المقدمة شريحة المتقاعدين، والتي تنبئ بالوضع العام الذي يعيشه باقي أفراد المجتمع العراقي، والذي وصل معدل شرائح كثيرة منه بمستوى أو دون خط الفقر، في بلد يعد من أهم دول النفط العالمية، وله من الثراء الهائل، ومتعدد المصادر. وهذا مؤشر خطير على سوء وتخبط الوضع الاقتصادي والغلاء المعيشي في العراق، و لا يمكن الركون إلى واقع فيه راتب تقاعدي، لا يحسب أو يعير الأحوال المعيشية الصعبة الحالية شيئاً من الاهتمام، وكان المفروض أن تصب مواد قانون (التقاعد) في صالح المتقاعد الذي أنهكته الظروف الحالية وقد أفنى عمره ليخدم وطنه وأدى واجبه بحرص و إخلاص..لذا فالمطلوب بناء رؤى وتطبيقات عملية لقاعدة اجتماعية واقتصادية سليمة لتنطلق من خلالها القوانين وتشريعاتها. لماذا مثلاً يُحرم المتقاعد من مخصصات الزوجية والأطفال التي كان يتمتع بها قبل إحالته على التقاعد !؟. أعليه أن يطلق زوجته !؟. أو يتخلى عن عائلته بمجرد تقاعده!؟. وكيف يمكن ان يجاري راتب المتقاعد طفرات الأسعار الراهنة والتي تزداد بتواتر؟. وهل ستتغير الرواتب التقاعدية كلما تغيرت أو اختلفت الظروف الاقتصادية؟. وهل ستجاري رواتب المتقاعدين نسب التضخم الراهنة؟. وهل عالج القانون موضوع المتقاعدين القدامى بأنصاف واهتمام وتقدير؟. وهل يطبق على جميع موظفي الدولة ومنهم العسكريون من الذين حولهم سيئ الذكر (بريمر) مجرد (شحاذين) يتقاضون الدفعات الشهرية؟..وهل سرى القانون على المتقاعدين القدامى؟. وهم خدموا الدولة وقاموا بنفس الواجبات، وفي ظروف الحروب والحصار، والمتقاعدون القدامى تعرضوا لظروف صعبة وقاسية و أضطر بعضهم أو اغلبهم إلى بيع بيته أو مقتنياته لمواجهة تلك سنوات المرة. الراتب التقاعدي في حقيقته ليس منةً من أحد ما، لأنه أساساً قد تم استقطاع نسبة كبيرة منه، من راتب الموظف خلال سنوات خدمته، وتم استثمارها من قبل الدولة، دون أن تترب له فوائد قانونية عليها!!. ألا يبدو غريباً جداً أن من قادته أصابع العراقيين البنفسجية، صدفة ولأمور ما عادت خافية الآن على أحد، لدورة واحدة أمدها أربع سنوات فقط، و أكثر من نصفها لم يباشر فيها مهماته، يحصل على راتب تقاعدي يتجاوز الستة ملايين دينار عراقي وأكثر، عدا الامتيازات الأخرى!!. وان من أفنى عمره أكثر من ثلاثين عاماً متواصلة، في خدمة الدولة العراقية وأحيل زمن النظام السابق على التقاعد، لأسباب عدة أهمها الشك بولائه (للقائد الضرورة) أو عدم (إيمانه بان "القادسية" هي الطريق الذي لابد منه للعراق)، فعد حينها، بصفته (فائضاً)، ويقتضي ذلك إنزاله درجة وظيفية أدنى من درجته التي كان فيها واحالته إلى التقاعد وبذا فأن راتبه التقاعدي حالياً لا يتجاوز الـ(250 ) ألف ديناراً عراقياً فقط !!. كرة المتقاعدين الثقيلة الآن في مرمى مجلس النواب العراقي الحالي، فيما إذا كان مجلسا نيابياً يهتم بشأن العراقيين حقاً. فعليه النظر جدياً بتحقيق،في الأقل، الحد الأدنى من العدالة للمتقاعدين؟؟. وكذلك في الملاحظات الكثيرة التي قيلت بشأن قانون التقاعد الحالي وإخفاقاته بحل مشاكل هذه الشريحة الكبيرة؟. وهل سيضع مجلس النواب العراقي الحالي أو القادم، أمامه تساؤلات إنسانية مشروعة طرحتها جمعيات المتقاعدين، والمتقاعدون ذاتهم،خاصة مَمَنْ أحيلوا، إكراهاً،إلى التقاعد زمن النظام السابق بحجج كثيرة جاهزة و كانوا عندها في الدرجات الوظيفية الدنيا، وهم يشكلون أكثر من نصف المتقاعدين والمتقاعدات.

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2012 الاربعاء 25 / 01 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم