أقلام حرة

تجديد العقد الحزبي في لبنان / جابر مسلماني

بالجينات الدينية ممنوع على المسيحي أو السني أو الشيعي أو غيره التعاقب الحر وغير- الرتيب - وبرافعات ديمقراطية صرفة إلى المواقع المذكورة!، شكل ذلك حسرة للكثير ممن لم تسعفهم النطف على الاندراج تحت خاناتها المقدسة، تلك هي ضريبة التنوع المُضيّع ، إذ لم يسعفه الشعر على نثر الحقيقة غير المواربة .

ليس من الضروري التأكيد على جمال وجلال التنوع اللبناني، وتعدد الثقافات والمشارب، فمفردات التنوع والتعدد، تملأ فضاءنا وأسماعنا، يزخر بها واقعنا الثقافي والاجتماعي والسياسي، وتنسكب بقوة الحبر والحناجر على الأوراق والآذان، وتعبر الأثير إلى درجة الاستئثار، تتسيد الخطابات من وفي كل الدوائر ومنصاتها، لا يستقيل منها زعيم، ولا يستقل بها رجال دين، ولا تمل حتى مقاعد الدراسة الوطنية عن تردادها كنشيد وطني استجراري، إلا أن الحقيقة المرة أن لبنان لا يزال متشققا متصدعا منهوباَ يستيقظ بقوة الانبعاث من تحت الرماد ويخر على وجهه كل مساء ونحن كلنا على متنه نعاود الانبعاث ونكرر الانكباب، أحجية لبنانية خالدة.

ان تنوع ثقافاتنا جسر عبور الى أجمل وحدة، والى ارفع وشيجة، بوحدتنا وتعاضدنا نعبر الطريق الى حقيقتنا وحق الوطن علينا، وطننا المتعب آن له أن يستريح .

 

أين تكمن المعضلة اللبنانية؟

على المسرح العربي تطايرت رؤوس حديدية وانظمة متعالية، لا أريد الدخول في جداليات الانتظام معها او الصراع عليها، فلذلك رؤى ووجهات نظر ترقد تحت دوائرها وبالقرب من جغرافيتها الايديولوجية او السياسية والاستراتيجيه، الا أن المشترك فيها وبينها أن حديدها قد تهاوى، وقبضاتها قد تحللت، من الذي اسقطها ؟ شعوبها شبانها البواسل ومجمل إجتماعها، ومع ذلك اللبناني هو اللبناني شغوف بأبجدية التكرار، وتلقف أطراف خيوطِ معضلٍ ليعيد النسج على منوال دمره منذ إعلان لبنان الى أن يقبض اللهيب وعقليتنا العبثية الجدالية،  روح لبنان ويُرسل الى مقابر الاوطان

 .لقد قدمت الشعوب العربية لنا عبر حراكها النضالي والثوري مشعل الحرية والتحرر، لو نجيد حمله وتسييل رسالته على أرضنا، نعم إن وطننا ديمقراطي ومؤسساتنا، ولكن نحن اللبنانيون من يمارس أعتا أنواع الديكتاتورية والاستبداد على أنفسنا، هي ديكتاتورية المجتمع على نفسه.

إن المعضلة اللبنانية تكمن في الأحزاب اللبنانية، تحديدا في طبيعة الصيغة التعاقدية بين قواعدها وقياداتها، أليس صحيحا القول إن العمر الافتراضي لانتظام مواطنينا في أحزابهم قد تداعى، الى متى نبجلها، ونقدسها ونرفعها على أكتافنا الممعنة في التلاشي، إلى متى نقدم لها القرابين من لحظة إعدامنا إلى لحظة انعدامنا، أو ليس هم من قادوا الحروب وكانوا امراءها، السنا نحن ضحايا حروبهم وحروب من خلفهم على أشلائنا، ومن قادوا أيضا مرحلة السلم المهدد كلما استدار زعيم عن لقاء زعيم ومصافحته في جزيرته الخضراء المتعالية، ها نحن نعيش السلم إحترابا والتعاضد إنكفاءا وأوهاما، ولبنان بمن فيه لا قدر الله واللبنانيون قاب قوسين أو أدنى من انفجار غير معروف العواقب ولكنه معلوم الأسباب فالجغرافيا الإقليمية مبعثرة وبمجملها تغلي.

لا علاقة للطوائف أبدا فيما يجري، لا علاقة للمذاهب، لا دخل لرموزها التاريخية وقياداتها الرمزية، كلها لا تفرغ الا عن عيش كريم وروحانية متجانسة .

ينبغي إعادة النظر في طبيعة الانتظام داخل الأحزاب، هنا المشكلة، ليس من فيتو مبدئي على أي صيغة حزبية في وطننا، لها حقها في الوجود والحراك، والتعبير عن رأيها بكل حرية واستقطاب المواطنين من كل الطوائف والمذاهب والمناطق هذا يكفله الدستور، وكفله المواطنون والمحازبون حتى آخر لحظة جنون جمعي غير مبرر والدليل الحصاد الوطني العام، ولكن على الأحزاب أن تقدم نهاية كل عام جردة حساب وتكشف عن رصيدها العام في خدمة من ائتمنها على مصيره في الوطن والمواطنة، وهنا يأتي دور الإجتماع الحزبي في الدواخل الحزبية، ومن هنا تبدأ المحاسبة، وخصوصا في البرامج البراقة التي تعلنها الاحزاب كل مناسبة خاصة او عامة وفي يوبيلاتها المبجلة!

نحن اللبنانيون لا نقف دقيقة واحدة للتفكير بمعزل عن التوظيفات الدينية والمذهبية والعُصابية الذاتية فيما وصلنا إليه وكيف، بصرف النظر عن عقليتنا التبريرية الانبطاحية المزمنة تحت كل ما نحسبه أعلى، بلا مبرر عقلاني، لقد فشلت الأحزاب في لبنان في إدارة البلد وليس صحيحا التصويب على الحكومات المتعاقبة كما ليس مقنعا إعطاؤنا دروسا في الدستور وتوزع السلطات والفصل بينها عندما يُقال لنا إن وظيفة النائب تختلف عن وظيفة الوزير، المشكلة ليست في النائب او الوزير، المعضلة تكمن في رؤية الأحزاب التي يمثلها الوزراء والنواب في دوائر السلطات التشريعية وهنا العقدة وهنا الحل.

نحن نعيد كل استحقاق دستوري إنتخاب أحزابنا نفسها التي دمرت إقتصادنا العام، ما حال الاقتصاد الوطني الآن ؟!أيكفي أن نحفظ دروس ارتفاع الدين العام المتوحش وانخفاض مستوى معيشتنا المهين ونردد ذلك بتذمر لا معنى له ولا رافع.

كل أحزابنا أحزاب انوار، كلها خارج منطلقات الظلام، لا ظلامية فيها أبدا مبادئها قويمة موغلة في الديمقراطية ، ولكن لبنان كله غارق في الظلام، الا نخجل نحن اللبنانيون من أننا لا نعيش عصر الكهرباء وأنوارها، ما هو سعر صفيحة البنزين ؟ما هي طبيعة انظمة الصحة والتعليم ومجمل الخدمات في لبنان ووو.....؟

أين ذهب المال العام ؟أيكفي أن يقال إن فلانا قد سرق فيصل الرد من امكنة اخرى وما أكثرها وبسرعة البرق: وأيضا أنتم سرقتم !!أليس هو إقرار عام وشامل ؟أين اللبنانيون ونحن في عصر سقوط الفولاذ والصفيح.

من المسئول؟ نحن حتما، اقصد كامل قواعد الاجتماع اللبناني .

لماذا نعطي قادة أحزابنا وتياراتنا وحركاتنا وكامل ممثلياتنا المبجلة والمحترمة وكالات أبدية ومطلقة ولو أخذت بأيدينا الى المساحات المتناقضة والأهداف القاتمة وغير الواضحة، او نزلت بنا من القمم الى منتهى الذل والهوان والإذلال.

لم يحاسب أي لبناني حزبه ولو لمرة واحدة، الكوادر العليا تجذر أقدامها على الطريق الى الأعلى حيث جنان السلطة، والوسطى مبرمجة ومتلقية بالكامل ، والدنيا : الأجدر ترك مكان التعليق خاليا، هي في حالة انتظار دائم لما لن يكون بما هو كائن، تعيش داخل أعنف دائرة مفرغة تكرر مأساتها بانتظام مستغرب.

لا حل في لبنان إلا عبر تجديد وترشيد العقد الحزبي بين الأحزاب وقواعدها الشعبية، ليصبح الإنسان محترما داخل حزبه، له كلمته، وله صوته، أصواتنا يجب ان تخرج عن فكرة استعمالها لمرة واحدة في صناديق الاقتراع وتصمت بانتظار الجولة الثانية وهي نسخة طبق الأصل عما سبقها ، تفرخ نفسها وتعيد مآزقها .

إذا فعّلنا منطق النقد المعلن والحضاري الصارم داخل الأحزاب وترتيب كامل مقتضيات أصواتنا فيها ومعها وعليها، نكون قد امسكنا بالمدخل الطبيعي للإصلاح السياسي في لبنان وإلا فإلى التاريخ در والى الهاوية السحيقة حدّق.

إن الصراخ المتبادل بين الأحزاب والأحزاب وقواعدهم تبعا وإيقاعا لا يبني وطنا معافى وسيدا كريما ومرفها، التجربة تاريخية وقائمة والنتائج ماثلة، قادة الأحزاب ووزراؤهم ونوابهم المحترمون في قلب الجنة ونعيمها، الشعب وحده يعاني سكرات الجحيم، جحيم نحن من أوقدنا نيرانه، وأدمنا الاحتراق به حتى الرماد .        

أقول هذا كله وأنا من أشد المؤمنين بالحياة الحزبية ولكن بشرطها وشروطها، لا بلا قيد ولا شرط .

 

      الشيخ جابر مسلماني

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2017الاربعاء 01 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم