أقلام حرة

قراءة دستورية .. استقلالية القضاء بين الدستور ولجنة النجيفي السباعية / مصطفى الأدهم

البداية؛ لم تكن رشقة السهام لصدر المحكمة الإتحادية العليا بخصوص تفسيرها للمادة الدستورية (76) حول الكتلة النيابية الأكثر عددا (الأكبر)، ورشقة سهام "العراقية" للقضاء بخصوص قضية طارق الهاشمي لن تكون الأخيرة.

هذا على صعيد كتلة نيابية وائتلاف سياسي - انتخابي ك "العراقية". لكن، الغريب الذي يثير أكثر من علامة استفهام وتعجب هو ما صدر من مجلس النواب. ليس من النواب منفردين أو كمجموعة أو كتلة. كلا، بل من المجلس أقله كرئاسة - من خلال "اللجنة السبعاية التي شكلها رئيس مجلس النواب، اسامة النجيفي، من بعض الكتل النيابية لمتابعة قضية طارق الهاشمي وأفراد حمايته، والتأكد من عدم تسيس القضية".

 

أن يتهم نائب، أو مجموعة من النواب القضاء بشكل عام أو خاص، شيء. وأن يقوم مجلس النواب بالتدخل في عمل السلطة القضائية، شيء أخر تماما.

الأول، فتق يمكن "رقعه" بخيط "الفردية"، أو بوضعه تحت خانة "حرية التعبير عن الرأي - والحصانة المكفولة للنائب دستوريا" - هذا رغم عدم لياقة استسهال التعرض للسلطة القضائية والقضاة، خصوصا في الديمقراطيات. لأن القضاء هو وتد الدولة وعمود الخيمة الديمقراطية.

لكن، في الحالة الثانية، فأن الفتق أقرب ما يكون للتصدع الذي يصعب رقعه بخيط الفردية، ولا حشره في زاوية "حرية التعبير عن الرأي - أو الحصانة الدستورية للنواب". لأن الرأي الفردي شيء، والرأي المؤسساتي شيء أخر.

الأول، لا يعتد به، يتحمله صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي المؤسسة التي ينتمي لها المصرح. لكن، الثاني، هو الرأي الرسمي للمؤسسة، وبالتالي يعبر عنها ويمثلها. عليه، تحاسب بالثواب والعقاب.

 

ما يهمنا هنا في هذه القراءة هو قيام رئيس مجلس النواب، بتشكيل لجنة نيابية دون أن يصوت عليها المجلس، بحجة "متابعة قضية الهاشمي والتأكد من عدم تسيسها".

 

السؤال الأول الذي يتبادر للذهن هو بأي حق وبأي سلطة سمح السيد النجيفي لنفسه أن يشكل هذه "اللجنة"؟

ما هو الغطاء الدستوري والقانوني لعملها؟

وما هي صلاحيتها، ومن يملك أن يعطيها هذه الصلاحية؟

ومدى الزامية رأيها للسلطة القضائية؟

وما هي حدود بسط يدها في حال ما ادعت أو وجدت "تسيس في القضية"؟ هل يمكنها التدخل في عمل القضاء؟

هل يمكن لمجلس النواب أن يمارس دور المراقبة والمسألة والمحاسبة على السلطة القضائية مؤسسات وافراد؟

ومن يملك الولاية على من، القضاء أم النواب؟ .. سيل جارف من الأسئلة ..

 

بداية، يبدو أن بعض النواب، عن جهل أو عمد يظن أنهم (النواب) ومجلسهم سلطة مطلقة لا سلطان عليها، تحساب وتكاتب وتراقب بقية السلطات. وهذا اعتقاد خاطيء. مجلس النواب عليه سلطان له ذراعان، الشعب / الناخب، والسلطة القضائية.

القضاء هو الرقيب والحسيب على الجميع؛ أفراد، مؤسسات، وسلطات - اتحادية، اقليمية ومحلية. ولا يملك أحد أو جهة أو سلطة أية حصانة أمامه. حتى الحصانة النيابية، فهي مشروطة ومؤقتة، ويمكن للقضاء المطالبة برفعها وفقا للشروط القانونية والدستورية وبعد موافقة أغلبية المجلس. وفي حال ما لم يوافق المجلس. فأن الحصانة النيابية تنتهي بأنتهاء الدورة النيابية. حينها يمكن للقضاء أن ينفذ أمره، دونما عرقلة من أحد.

نعم، لمجلس النواب السلطة الدستورية والقانونية لمراقبة، ومحاسبة السلطة التنفيذية بكل مفاصلها. لكنه لا يملك مطلقا أية سلطة أو سلطان على القضاء؛ كسلطة، ومؤسسات وأفراد. وهذا ما ينص عليه الدستور نصا واضحا لا لبس فيه. لا يقبل التفسير ولا يحتمل التأويل.

القضاء؛ سلطة مستقلة قائمة بذاتها لا تتبع سلطة أو جهة أخرى، سوى نفسها. استقلاليتها أستقلالية تامة وكاملة. بل هي السلطة التي تملك الولاية القانونية على بقية السلطات والمؤسسات والجهات والأفراد - اتحاديا، اقليميا ومحليا.

 

•    إستقلاية القضاء في الدستور:

منح الدستور في أكثر من مادة أستقلاية واضحة للسلطة القضائية - كسلطة مستقلة قائمة بذاتها، لا تبع سلطة أخرى غير نفسها، ولا سلطان عليها غير القانون الذي هي في الحقيقة والواقع وبنص الدستور والقانون من تطبقه حصرا. وبالنظر إلى الدستور نحصل على التالي من مواده:

1. المادة (47): "تتكون السلطات الإتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس تخصصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات". (1).

2. المادة (87): "السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر احكامها وفقا للقانون". (2).

3. المادة (19): "أولا: القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون". (3).

4. المادة (88): "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة". (4).

 

•    إستقلالية القضاة في الدستور:

 

الدستور بدوره نص على أستقلاية واضحة للقضاة كأفراد، ولم يكتفي بما نص عليه وضمنه من أستقلالية واضحة وصريحة للسلطة القضائية. وفي ذلك اسهاب أيجابي من المشرع من أجل اقامة الحجة على الجميع بقطع الطريق على كل مجال للتأويل والتفسير. وفي كل ذلك زيادة في الإحترام والتقدير لهيبة القضاء واستقلاليته.

1. المادة (88): "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة". (5).

2. المادة (97): "القضاة غير قابلين للعزل الا في الحالات التي يحددها القانون كما يحدد القانون الأحكام الخاص بهم وينظم مساءلتهم تأديبيا". (6).

 

•    علاقة مجلس النواب بالسلطة القضائية:

 

لم ينص الدستور في كل بندوه على أية علاقة بين مجلس النواب أو السلطة القضائية. كما لم يعطيه (المجلس) أي نوع من أنواع السلطة للرقابة أو المحاسبة على السلطة القضائية. على العكس، فكما سنرى لاحقا فأن الدستور قد أعطى صلاحيات حصرية واسعة للسلطة القضائية للإشراف والحكم والبت في عمل بقية السلطات التشريعية (مجلس النواب ومجلس الإتحاد) والتنفيذية (رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء). وكل ما ذكره الدستور من "علاقة" بين مجلس النواب والسلطة القضائية، هو تصويت المجلس على ميزانية السلطة القضائية، زائدا الموافقة على بعض التعيينات القضائية بمقترح من مجلس القضاء الأعلى وحسب التالي :

1. المادة (61): "خامسا: الموافقة على تعيين كل من :

أ - رئيس وأعضاء محكمة التمييز الإتحادية ورئيس الإدعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي بالأغلبية المطلقة، بناء على أقتراح من مجلس القضاء الأعلى". (7).

 

•    صلاحيات دستورية للقضاء :

 

الدستور أسهب مفصلا في تعداده لأختصاصات القضاء، بما يجعله السلطة صاحبة الولاية على بقية السلطات كما هي على الأفراد. ومن التالي يتضح لنا بأن السلطة القضائية هي من يمكنها وفقا للقانون التدخل في عمل السلطات الأخرى في حال ما كان فيه تجاوز على القانون في حكم.. والإعتراض في هذه الحالات يكون على القضاء عند القضاء. وفي القطع القضائي، على الجميع التنفيذ.

1. المادة (52) : "يجوز الطعن في قرار مجلس النواب أمام المحكمة الإتحادية العليا خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدوره – (فيما يخص بت المجلس في صحة عضوية اعضائه)". (8).

 

2. المادة (93) : "تختص المحكمة الإتحادية العليا بما يأتي :

أولا : الرقابة على دستوري القوانين والأنظمة النافذة.

ثانية: تفسير نصوص الدستور.

ثالثا: الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الإتحادية والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات القادرة عن السلطة الإتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الأفراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة.

رابعا: الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الإتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية.

خامسا: الفصل في المنازعات التي تحصل فيما بين حكومات الإقاليم أو المحافظات.

سادسا: الفصل في الإتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وينظم ذلك بقانون. (9).

سابعا: المصادقة على النتائج النهائية للإنتخابات العام لعضوية مجلس النواب".

 

3. المادة (94): "قرارات المحكمة الإتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة". (10).

 

4. المادة (100) : "يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار اداري من الطعن". (11).

 

الخلاصة:

من كل ما تقدم أعلاه من مواد دستورية، نفهم بأن القضاء في عراق اليوم هو سلطة مستقلة قائمة بذاتها، تتبع نفسها، لا سلطان عليها كسلطة، وكمؤسسات وكمحاكم وكقضاة إلا للقانون. وان السلطة القضائية هي المؤتمنة على تطبيق القانون، وهي من تفصل في الخلافات والنزاعات والإعتراضات الناشئة بين كل من السلطات التنفيذية والتشريعية - اتحاديا، اقليميا، ومحليا. وبين مفاصل كل من السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية - اتحاديا، اقليميا ومحليا. ولا يوجد أي دور أو شبه دور رقابي أو حسابي أو فوقي أو صلاحية تذكر للسلطة التشريعية (مجلس النواب ومجلس الإتحاد) على السلطة القضائية والمحاكم والقضاة. وكذلك هو الحال مع السلطة التنفيذية. على العكس أن الدستور قد أعطى للقضاء صلاحية البت في قرارات نيابية وتنفيذية.

فالقضاء من يعطي الشرعية والحصانة للنائب وبالتالي مجلس النواب، على الرغم من انتخابه من قبل الشعب وافترض نزاهة عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ومصداقة مجلس النواب على صحة عضوية اعضائه، كله لا يضفي الشرعية والصفة القانونية على النائب دونما موافقة من قبل السلطة القضائية. والقضاء هو من يحاكم النائب وينزع الحصانة عنه وفقا للدستور والقانون، ويملك مسألة جميع أفراد السلطة التنفيذية من الرؤساء فما دون بما ينص عليه القانون ودونما اعتبارات وفقا لأحكام المادة (14) من الدستور التي تقول:

"العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأقل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الإقتصادي أو الإجتماعي". (12).

 

عليه، فأن الدستور العراقي، قد حصن القضاء كسلطة وكأفراد أكثر من غيرهم في السلطة التشريعية والتنفيذية، وبسط يد القضاء والقضاة على جميع الأراضي العراقية، وأعطى السيادة حصرا للقانون وفقا للمادة (5) التي تنص:

"السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالإقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية". (13).

 

وأضاف على ذلك، بنصه على عدم امكانية عزل القضاة، ولا سلطان عليهم لغير القانون، ولا مجال للتدخل في عملهم وفي اجراءات العدالة.

فالسلطة القضائية هي المشرفة على نفسها كما على بقية السلطات ويمكنها محاسبة السلطات والأفراد والجماعات ولا يمكن لغيراها أن يحسابها أو يحاسب افرادها. والإعتراض يكون عندها وان كان عليها. فهي المؤتمن على الوطن والمواطن وهي بالتالي صاحبة الولاية على السلطات والأفراد.

 

القانون يجرم التعرض للسلطات القضائية من خلال الطعن والتشهير والإزدراء. لكنه، الصبر والترفع والتسامح من قبل السلطة القضائية تجاه الألسن الطويلة، وإلا بأمكان القضاء محاسبة كل من يتطاول عليه وفقا للقانون.

 

عليه، فأن قرار رئيس مجلس النواب، أسامة النجيفي، بتشكيل لجنته السبعاية "لمتابعة ملف الهاشمي والتأكد من عدم تسيس القضية"، غير دستوري وغير قانوني. وهو خارج صلاحيات واختصاصات عمل مجلس النواب. بل خارج صلاحيات وعمل السلطة التشريعية بكاملها.

وبالتالي هو قرار غير ملزم لأحد، ولا قيمة له تذكر على أرض الواقع. وان "قال فيما اذا ما قال" بأن هنالك "تسيس في القضية".. بل يمكن اعتباره قرارا يتدخل في استقلالية وصلاحية وعمل السلطة القضائية بما يعرقل العدالة وفقا للأحكام المادة (88) التي نصت صراحة على عدم جواز تدخل أي سلطة في عمل القضاء أو في شؤون العدالة.

 

مصطفى الأدهم

28.01.2012

 

................................

(1). دستور جمهورية العراق لعام 2005 م

http://iraqja.iq/view.77/

(2) الى (13) المصدر السابق.

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2017الاربعاء 01 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم