أقلام حرة

الحِذاء الضّيِق / امين يونس

حال هذا الرجُل يشبه حال حكومتنا المُوقرة ونظامنا العتيد، في تعامله مع الشعب ... فكما يبدو، ان الرجُل اعلاه، مُصابٌ بنوعٍ من الماسوشية، يُريد ان يُعاني ويتعذب من جراء لبسه لحذاءٍ ضّيِق، فقط من أجل أن يشعر بالراحة عندما ينزعهُ !... لكن هنالك فَرقٌ بسيط بين صاحبنا، وبين الحكومة ... فهو رُبما لسذاجتهِ، يتعمد ان يشعر بالمرارة والعذاب، بسببِ تَصّرُفٍ أخرق يقوم بهِ .. ثم يُزيل هذا السبب بنزعه الحذاء .. فيشعر بالسعادة والراحةِ فوراً ... أما الحكومة، فهي ليستْ غبية الى هذه الدرجة .. بل تلجأ الى الخباثةِ وحتى الى السادية .. فهي لاترضى ان تتعذب أو تُعاني، بل تعمل على إزعاج وتعذيب الشعب، من خلال إغراقهِ بالأزمات المتلاحقة، أي تُلْبِسَه حذاءاً ضيقاً، لكي تقوم بعد ذلك، بتفكيك الأزمة على مراحل، وبالقَطّارة ... ثم تُحّمِل الشعب مِنّة .. وتقول له : ماذا تُريد بعد ؟ لقد وّسَعْنا الحذاء قليلاً .. فإجنح الى الراحة !.

وعن الحكومة في بغداد، فلستُ أعني رئيس الوزراء فقط، او كتلته، بل أعني جميع المُشاركين أيضاً، من القائمة العراقية والتحالف الكردستاني وغيرهم .. فجميعهم في الحقيقة، مُشتركون بدرجةٍ او بأخرى .. في هذه المهزلة .. يخلقون الأزمات، ويُصّعِدون المواقف، وتؤثر عليهم  سياسات دول الجوار وغيرها، ويؤججون الشارع، ويسوقون الوضع الى حافة الهاوية .. إنهم وبصورة مُتعمدة ومع سِبق الإصرار " يُلبِسون الشعب حذاءاً ضيقاً " .. لكي يكون منزعجاً على طول الخط، متوتراً، مقهوراً، مُنشغلاً بأمور ثانوية تافهة .. وسط فوضى إنعدام الأمان والإستقرار، وشحّة الخدمات وغموض المستقبل ... من خلال مُهاترات الطبقة السياسية الحاكمة، السمجة، وتحميل بعضهم البعض المسؤولية، عن هذا التَردي في كُل المجالات .

ماذا بعد ؟ إنسحبَ الأمريكان .. فَلماذا هذه التفجيرات اليومية في بغداد والمحافظات ؟ مَنْ يقوم بها ومَنْ تستهدِف ؟ إذا كانتْ لل " المقاومة " أية شرعية، حين كانَ الجنود الأمريكان جاثمين على صدر العراق، فأنهم رحلوا اليوم .. فَما هي أهداف العبوات والعمليات الانتحارية وكواتم الصوت ؟ لماذا يتمتع المواطن الاردني مثلاً، بِحَدٍ أدنى مقبول من كافة الخدمات الأساسية، من قبيل الكهرباء والماء الصالح للشرب والخدمات الصحية والتعليمية والسكن، علماً ان الأردن دولة فقيرة مُقارنةً بالعراق ؟ العراق الذي يفتقر مواطنوه الى كافة هذه الحقوق أعلاه . لماذا يُقتَلُ بضعة أنفار، في أية دولةٍ في العالم، فتقوم الدُنيا ولا تقعد، وتُستَنْفَر وسائل الإعلام وتُعقَد الجلسات الطارئة، لتدارك الوضع وإيجاد الحلول السريعة الكفيلة بوقف سَيلان الدماء ؟ في حين ان اليوم الذي لاتنزف فيه دماء عراقية، ولا تسقط فيه ضحايا بريئة .. ليسَ يوماً عادياً .. وان عشرات ومئات الأشلاء في بغداد والمحافظات، أسبوعياً .. صارَتْ شيئاً تقليدياً .. لايُحّرِك مشاعر العالم، وكأننا لسنا بشراً مثل الآخرين ! ... تُرى متى سنتوقف عن خداع انفسنا وعن تحميل مسؤولية أوضاعنا المأساوية للآخرين ؟ فتارةً نقول الإحتلال الأمريكي وأخرى دول الجوار، أو الحظ التعس او الظروف ؟ ان السبب الرئيسي في ذلك : هو ان الطبقة السياسية في غالبيتها العُظمى، فاسدة، مُهتمة بِمصالحها الذاتية، متواطئة .. ونحن أي الشعب، سلبيين، عاطفيين، كسالى ... وإلا، فأن الوقت قد حانَ فعلاً .. لِنزع الحذاء الضّيِق، وضَرب الطبقة السياسية الفاسدة، بهِ .. على اُم رأسها !!.

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2019الجمعة 03 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم