أقلام حرة

التسويق / امين يونس

أهداف الإستعمار القديم التقليدي " وحتى الإستعمار الحديث التكنولوجي والمعلوماتي " .. هو إيجاد المزيد من " الأسواق " في أرجاء العالم .. فببساطة، ليسَ هنالكَ جدوى من " الإنتاج "، إذا لم يكن هنالك " إستهلاك " ... ولله الحَمد، فنحنُ أي جميع دول مايسمى بالعالم الثالث أو البلدان المتخلفة او النامية .. سّمِها ماشئت .. فنحنُ مُستهلِكون، والولايات المتحدة الامريكية واوروبا واليابان والصين، مُصّنِعون، ولقد لحقتْ بالأخيرة دول، مثل البرازيل وتركيا والهند وجنوب افريقيا . إذن الصناعيون الكِبار، لايريدون بالتأكيد، ان تتطور الدول المتخلفة الى درجة بحيث تكون دولاً مُنتِجة وتستغني عن الإستيراد .. بل تريدها ان " تنمو " بِمقدار ان تستطيع، تبليط بعض الطرقات والشوارع، لكي تستورد سيارات .. ولا بأس ان تكون لها بعض المطارات، حتى تشتري من البلدان الصناعية، الطائرات ...

انهم يُشّجعوننا في العراق مثلاً، على حفر المزيد من آبار النفط .. لكنهم بِمُختلف الأساليب، لايُريدوننا، ان نُكّرِرَ هذا النفط الخام وان تكون لنا مصافي كبيرة حديثة .. ولا يُحّبذون ان نُطّوِر صناعة البتروكيمياويات ... فليسَ من المعقول ان لايوجد مصفى واحد في العراق " وحتى في اقليم كردستان "، بعد تسعة سنوات من الإحتلال، مصفى يستطيع إنتاج بنزين ذو مواصفات جيدة لايؤذي المركبات ولا يُخرب البيئة، فحتى مصافي الدورة وبيجي، تنتج وقوداً ذا نوعيةٍ مُتدنية بائسة .

نحنُ كما يبدو، لازلنا مُستعدِين أن نُخْدَع .. فيعرضون علينا محاسن الحياة السهلة، وإمكانية " إستيراد " كافة المنتوجات الزراعية والحيوانية، بأسعار " يُقنعوننا " بأنها رخيصة .. وان الأمر لايستحق ان تتعب في الزراعة ومشاكلها وصعوباتها، في حين ان بإمكانك ان تجلب الطماطة والخيار والدجاج والبيض ...الخ، من دول الجوار وغيرها، بسعرٍ أقل من تكلفته إذا أنتجته هنا في الداخل ! .. ونحن نُصّدِقِ بسذاجة وحمق .. ولا ندرك ان معظم البلدان " تحمي " زراعتها، وتدعم فلاحيها، بمليارات الدولارات، لكي [يعملوا] ولا يبقون عاطلين، وكذلك لكي يصلوا الى الإكتفاء الذاتي من المنتوجات الزراعية الاساسية، التي هي أساس الأمن الغذائي . بينما نحن هنا ... جعلنا فلاحنا، بسياستنا الخاطئة المميتة، يترك أرضه، ويتوجه الى [التجارة]، فكل مدينة صغيرة، فيها آلاف المحلات والدكاكين .. التي تبيع كُل شئ، ولا شئ منها من إنتاجنا !.

إذن، إتفقنا على ان الصناعيين الكبار، لهم وسائل عديدة، رُبما معظمها، مُلتوي .. ل" تصريف " بضاعتهم، التي نحن بحاجةٍ لها، لأننا مُجرد مستهلكين .. لكن الطامة الكبرى، هي في إنتاج نوعٍ من البضاعة، خطير .. ألا وهي [السلاح] بانواعهِ .. فمن المعلوم، ان مصانع السلاح العملاقة في الغرب، وبالتماهي مع الإحتكارات النفطية .. هي التي تقود السياسة .. وهي من القوة، بحيث انها تؤثر مباشرة على مُجريات الأحداث حول العالم .. وبحسابٍ بسيط، وعلى إفتراض ان لا أحدَ يشتري الطائرات الحربية والصواريخ والدبابات والمدافع والبارجات والعتاد ...الخ، فما هو مصير هذه المصانع العملاقة، والمهندسين والعمال الذين يعملون فيها ؟ ستكون كارثة تحيق بالعالم الصناعي عموماً، وهدماً لِرُكن من أركان النظام الرأسمالي .. ولكي لايحدث ذلك .. فمن الضروري " تسويق " هذه المنتجات بصورةٍ دَورية .. ومن اجل ان تُسّوَق، يجب ان تقوم حروب وقلاقل ومعارك وازمات مستمرة، هنا وهناك .. ومنذ عشرات السنين، فأن [صناعة الحرب]، باتتْ من الصناعات التقليدية .. وهي بحاجة الى تخطيط مُسبَق، وبدائل مُحتملة، وسيناريوهات عدة، وتهيئة ظروف مواتية، وتسويق مُبررات لإقناع الرأي العام الداخلي والخارجي .

أعتقد ان ما يجري، حولنا .. في سوريا وايران والمنطقة عموماً .. هو مقطعٌ من الفلم أعلاه .

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2020 السبت 04 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم