أقلام حرة

جانبٌ من المشهد السياسي في الموصل / امين يونس

دخل الكثير من الإرهابيين والإنتحاريين والسيارات المُفخخة .. وعبره، تَمَ هروب العديد من رموز ومسؤولي النظام السابق، مُحّمَلين بثروات العراق المنهوبة، بل وإستمرتْ عمليات تهريب النفط ومشتقاته الى سوريا لسنواتٍ طويلة . ومَعبرُ ربيعة هذا، دليلٌ ساطع، على عدم جدية الإحتلال الامريكي، في حماية العراق وامنه وشعبه وثروته ... إذ ان من أولى " واجبات " الإحتلال، حفظ الحدود ومنع التدخلات الخارجية .. وما كان أسهل ذلك .. [لو] أرادتْ أمريكا .. لأنها لو كانتْ وضعتْ دبابتَين وبضعة جنود في كل نقطة حدودية، لما تجرأتْ سوريا او ايران او الاردن او غيرها، على المساس بالأمن العراقي او إقتصاده !. ففي الواقع، ان سوريا وايران، بالذات، كانتا مرعوبتَين في 2003، من السهولة التي إستطاعتْ بها، الولايات المتحدة الامريكية، هزيمة الجيش العراقي وإسقاط النظام وإحتلال البلد .. وكانتا تتوقعان ان تمتد اليد الحديدية الامريكية، في أية لحظة، لتدميرهما ... لكن الذي حدث، ان الإحتلال بكل خباثةٍ وسوء نِية، ترك كافة المؤسسات والمنشآت والبنى التحتية " التي سلمتْ من الحرب "، تركها تحت رحمة النهب والسلب والتدمير، حتى المتحف العراقي سُرِق تحت أنظار الجنود الامريكان، ( الوزارة الوحيدة التي قامتْ قوات الاحتلال بحماية بناياتها، منذ 9/4/2003، كانتْ وزارة النفط !، وفي ذلك الكثير من الرمزية) .. الإحتلال  تركَ كُل أبواب العراق، مُشّرَعة أمامَ كافة التدخلات بصورةٍ مُتعمدة .. فسارعَتْ الدول المُجاورة، لإستغلال هذه الفُرصة المُتاحة .. ونقلتْ ساحة الصراع وتصفية الحسابات الدولية والاقليمية، الى الأرض العراقية .. حيث بدأت سلسلة العمليات الارهابية الجهنمية منذ ذلك الوقت .. ولحد اليوم، لم تنتهي بصورةٍ تامة .

تجدر الإشارة، الى ان من تداعيات، تجاهل الاحتلال للمنافذ الحدودية " لاسيما بعد حَل الجيش والشرطة وقوى الأمن " ... فأن هذه المنافذ أصبحتْ تحت سيطرة، الأحزاب الجديدة أو العشائر المحلية .. وبالنسبة الى " ربيعة "، فأن شيوخ عشيرة شَمر، هُم الذين تحكموا بها، بإعتبارها من ضمن منطقة نفوذهم .. في البداية أي في السنوات الاولى بعد الاحتلال، حيث لم تكن هنالك سجلات منتظمة ولا حسابات رسمية . وحتى بعد ذلك، فأن الفوضى، كانتْ سيد الموقف، وإستمر الأمر لسنوات عديدة، الى ان تَم فرض بعض الضوابط مؤخراً .. ولكن النقطة المهمة، هي ان عشيرة شمر، وعائلة الياور وتفرعاتها، كان " وما يزال " لها نوع من النفوذ القوي، على تلك المنطقة عموماً، ومن ضمنها منفذ ربيعة الحدودي . " وصل النفوذ الى درجة، ان الرسوم التي كان يدفعها سواق الشاحنات السورية والعراقية، عند وقوفهم في الساحات المخصصة، كانتْ تذهب (معظمها) لجيوب شيوخ عشيرة شمر ... فتصّوَر مئات الشاحنات يومياً وعلى مدى سنوات !!" .

بعد 2003 .. رفضتْ بعض الاحزاب والكيانات السياسية الجديدة التي ظهرتْ على الساحة الموصلية، المشاركة في العملية السياسية .. وكانتْ في مُجملها، قريبة من مواقع البعث المُنحَل، وما يُسمى ب " دولة العراق الاسلامية " والجماعات الارهابية .. غير ان عشيرة شمر، إستثمرتْ إنتشارها الجغرافي الواسع وعلاقاتها التقليدية مع قادة الأحزاب الكردستانية وإحتياج الوضع الجديد، الى نوعٍ من التوازن .. في تنصيب أحد أبناءها " غازي الياور " رئيساً للجمهورية في المرحلة الإنتقالية .. غير ان التحالفات كانتْ غير مُستقرة ولا تعتمد على أرضية صلبة، كما يبدو .. بحيث انه في إنتخابات مجلس المحافظة، الأخيرة، وبعدها في الإنتخابات العامة ... تحالفَ شيوخ عشيرة شمر، مع النُجيفيَين أثيل وأسامة، وكيانهما " عراقيون " و " الحدباء " . حصلتْ قائمة الحدباء على (19) مقعداً من مجموع مقاعد مجلس المحافظة ال (37) .. و (11) من هذه المقاعد حصلَتْ عليها " حركة العدل والإصلاح " التي يرأسها " عبدالله حميدي الياور "، في حين ان قائمة " عراقيون " برئاسة " أثيل النجيفي " حصلتْ على (5) مقاعد فقط .. وذلك يعني ان معظم ثُقل قائمة الحدباء، يكمن في عشيرة شمر وشيوخها وحركة العدل والإصلاح ! . وبالرغم من ذلك، وفي إعتقادي، لإفتقار طبقة شيوخ شمر الرئيسيين، الى [شخصية] تمتلك مواصفات تؤهله، للقيام بِمهام " المحافظ " او حتى " رئيس مجلس المحافظة " ... فأنهم إضطروا للتنازل عن المنصبَين ! .. وإكتفوا بمنصب نائب المحافظ، الذي لايهش ولا ينش . وحتى " غازي الياور " كان رئيس جمهورية لفترة قصيرة وبلا صلاحيات حقيقية !. وذلك يعني، ان الناخبين الشمر، أعطوا أصواتهم لشيوخهم، كإنعكاس للإلتزام العشائري وجزء من الولاء القبلي، وليسَ بسبب برنامجهم الانتخابي ! . إذ ليسَ من المعقول، ان [يُخّفِض] عبدالله حميدي الياور، مُستواه، بحيث يضطلع بمنصب " مُحافظ " رُبما يخضع للإستجواب والمُسائلة .. وهو على ماهو عليهِ، من وجاهة ونفوذ وتحكُم في محيطه العشائري !. إذن قائمة العدل والإصلاح بشيوخها، وبما حصلت عليه من أصوات كثيرة في الإنتخابَين، وعلى مقاعد في مجلس النواب ومجلس المحافظة .. ليسَ فيها " شيخٌ " يستطيع المشاركة في مناظرة سياسية او اقتصادية او اجتماعية، ولا ان يُساهم بِجدية في تشريع القوانين ! .. وبناء على هذا الواقع المُر .. ساهمَتْ بأصواتها الكثيرة، بتنصيب " اسامة " في اكبر منصب تشريعي في البلد، و " أثيل " مُحافظاً لنينوى .

والمُفارَقة تكمن، في ان العامل (الكردي)، يؤثر في المعادلة الموصللية شئنا أم أبَينا .. ففي حين لشيوخ شَمر علاقات قديمة مع العشائر الكردية وحتى مع القيادات السياسية الكردستانية، لا بَل انه كان هنالك نوع من التنسيق والتفاهم الجيد في بعض الفترات، بين شيوخ شمر، وبين قوات البيشمركة المتواجدة قرب الطريق المؤدي الى ربيعة .. حتى ان بعض أوساط النُجيفيين وحتى 2006، كانوا يُرّوجون، ان عائلة الياور عميلة للكُرد ! . في حين ان اسامة وأثيل، بَنوا مَجدهم، على نغمة العداء للكُرد، وتصوير البيشمركة وكأنهم مغول أو صهاينة !، وتسلقوا على سُلم الدعوة الى مقاطعة الكرد وطردهم .. الى ان وصلوا الى أعلى المناصب .. فبدؤوا يصبحون [واقعيين] أكثر .. ورفسوا السُلم الذي صعدوا عليه، وتوّددوا الى الكُرد ودعوا الى التصالح، ولم يعودوا يذكروا البيشمركة والأسايش على الإطلاق !، وبِقُدرة الأتراك وأردوغان، تحّولوا من صقور تُحّرِم الفيدرالية، الى حمائم داعين الى فيدرالية للسنة ! ..

يشعر شيوخ شمر، أنهم خُدِعوا، فلقد دفعهم النجيفيين دفعاً، خلال السنوات الماضية، الى تخريب علاقتهم مع الكُرد ... وفي النهاية يجتمع اسامة بإنتظام مع أكبر القادة الكرد، ويخطط لتفاهمٍ طويل الأمد معهم .. وأثيل النجيفي، لايَمُر اسبوعين، دون ان يسافر الى دهوك او اربيل والسليمانية ! ... بل ان هنالك دعايات مُغرضة، تقول، انه رُبما سينفرط عقد قائمة الحدباء، وسوف يتخلى أثيل النجيفي، عن تحالفه مع حركة العدل والإصلاح برئاسة الياور، ويستبدلها، بالتحالف مع الكرد أي " نينوى المتآخية " !!.

في إعتقادي، ان الاحزاب الكردستانية المتنفذة التي قامتْ بملأ الفراغ السياسي الحاصل في الموصل، بعد 9/4/2003، لم تكن بالمستوى المطلوب، وإقترفتْ الكثير من الأخطاء، التي دفعتْ ثمنها لاحقاً " وما زالتْ تدفع "، وإفتقدتْ الى سياسة مُوّحدة واضحة المعالم، ولم تأخذ بنظر الإعتبار المصالح العامة العليا، سواء عراقياً أو حتى كردستانياً .

قائمة " عراقيون "، فشلتْ في رأيي بتحويل شعاراتها الى واقع ولو جزئياً، وأسفرَتْ تدريجياً، عن وجهها الحقيقي، المُراوِغ والإنتهازي والمتساوق مع توجهات تركيا وحكومة أردوغان .. وقائمة " الحدباء "، بثقلها العشائري، لم تستطع لحد اليوم، التخلص من قوقعة المصالح القبلية الضيقة، ولا الخروج الى رحابة المصلحة الوطنية والإنتماء الوطني .

ينبغي الإشارة، الى إنحسار شعبية " الحزب الاسلامي العراقي " في الموصل .. إذ كان من المُنتظر ان يلعب الحزب دوراً بارزاً على الساحة السياسية هناك .. ولكنه نتيجة مواقفه المتخبطة خلال السنوات الماضية، ومُزايداته اللامنطقية في بعض المواقف، وإصطدامه مع غالبية الأحزاب الاخرى هنا وهناك .. فأنه فقد الكثير من قاعدته في المدينة .. ومع انه يمتلك اليوم ثلاثة مقاعد في مجلس المحافظة الحالي، ألآ ان هنالك شكوكاً حول تمكنه من الحفاظ على هذه النسبة في اي إنتخابات قادمة !.

الوضع السياسي في الموصل، يعكس بدرجةٍ كبيرة .. الحالة السياسية المُزرِية في عموم العراق .

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2024 الاربعاء 08 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم