أقلام حرة

الشرق الاوسط .. والحرب الاقتصادية الخفية / علي عبد داود الزكي

صنم بغداد لغرض خلق الفوضى التي من خلالها تمت تصفية وتحجيم القوى والشخصيات السياسية المهمة والمؤثرة  التي لا ترغب بها امريكا في العراق وجعلها عاجزة لا تقوى على شيء لتخسر قاعدتها الشعبية وبنفس الوقت عملت  امريكا على توظيف الارهاب العربي الذي جاء للعراق وقامت باستغلاله لتنشئة فكر تكفيري جاهل في مدرسة الفوضى الخلاقة التي اسسها الاحتلال على ارض العراق وقامت بتهيئتهم لفترة ما يسمى الربيع العربي ليعودوا الى بلدانهم وتوجيه حركات وبؤر الارهاب في كل الدول العربية لتعمل في داخل بلدانهم التي كانت تصدرهم للعراق لنشر الفوضى والارهاب ثم الاستيلاء على السلطة وقهر الشارع العربي بعد سقوط الدكتاتوريات العربية. كما برز خلال العقد الماضي دورا كبيرا لدول الغباء الخليجي لينفذوا المشروع الامريكي في المنطقة وكان يرافق ذلك اعلام وترويج مستمر للثقافة التركية في كل المجتمعات العربية عبر المسلسلات التركية المدبلجة التي روج لها بشكل كبير في اغلب القنوات العربية واثرت بشكل كبير في اخلاقيات الشارع العربي اضافة الى ترويجها لمفهوم الاسلام الاروبي او الاسلام التركي المنفتح باخلاقيات تختلف عن اخلاقيات اغلب دول الشرق الاوسط. سقطت بعض الانظمة وستتبعها باقي الانظمة الخرفة. لقد اعتمدت امريكا بشكل اساسي على مصر والسعودية في خلق هذه الاجواء واليوم مصر الجديدة تمر في حالة فوضى عارمة ستستمر لسنوات عديدة وبالتاكيد ستتبعها السعودية في وقت قريب والتي بدا دورها في المنطقة يتضاءل مع تزايد وتعاظم الدور التركي بتخطيط وبرمجة امريكية. ان كل دول المنطقة اليوم اصبحت هزيلة وضعيفة وتعاني من الفوضى والمشاكل التي سببها انهيار الامن والنظام فيها لذا فان تركيا اليوم تسعى لفرض نفوذها وسيطرتها على هذه الدول. تخلص العراق من التدخلات السلبية العربية ولكن يبدو بانه سيقع في فلك التدخلات التركية والتي قد تبرز اكثر واكثر في المستقبل القريب وخصوصا وقد بدات تركيا باستخدام المياه (قطع مياه دجلة والفرات) كورقة للضغط وجس النبض ومحاولة جعل العراق تابعا ضعيفا لتركيا وخاضعا للارادة الامريكية. صحيح ان العراق تحرر اليوم من الاحتلال العسكري وبدا ينحسر الارهاب والدعم العربي للارهاب فيه بشكل كبير نتيجة احداث ما يسمى بالربيع العربي لكن بدات تدخلات تركيا واضحة وجليه تهدد بتقسيم العراق بتدخلاتها غير المبررة والتي تسعى من خلالها الى استقطاع اجزاء واسعه منه او ابتلاعه بشكل كامل في خارطة الشرق الاوسط الجديد.

 ان سقوط الانظمة الدكتاتورية الشرقمتوسطية سيتبعه سقوط من يصفق منهم للتغيير في باقي البلدان ويساعد امريكا ايضا في مشروعها لاتمام ذلك ظنا منهم بان امريكا حليف حقيقي ووفي لهم سيحمي انظمتهم حتى النهاية. ان الانظمة الدكتاتورية هي وحدة متكاملة وسقوط اي جزء منها لا يعني تقبل باقي الاجزاء لذا ستنهار جميع الانظمة الدكتاتورية تباعا لان منظومة السياسة والاقتصاد والاستقرار الامني مترابطة ولا يمكن ان تكون مستقلة عن بعضها البعض. ان نفوذ وتاثير تركيا على دول الشرق الاوسط كان محدود خلال العقود الماضية لكنه منذ سقوط صنم بغداد بدا نفوذها يتصاعد بشكل تدريجي. رغم انها كانت حيادية ولا تدخل في نزاعات الشرق الاوسط. باستثناء دعمها لاي جهد يمنع قيام دولة كردية في الشرق الاوسط. 

 

اوربا اليوم تمر في مازق انهيار اقتصدها واقتصادها اليوم يترنح وسيؤدي الى تفكيك اوصر قوة اتحادها. وامريكا ستبقى اللاعب الاقوى على الساحة الدولية بالسيطرة على العالم بواسطة عملتها الورقية التي تستمد قوتها من نفوذ امريكا كقطب عالمي وحيد لا نظير له ولا ند. يبدو ان امريكا ستخلق شرق اوسط جديد وفقا لرؤية امريكية للسيطرة على كل العالم بعد ان صنعت اوربا الشرق الاوسط في بدايات القرن الماضي وفقا لمصالحها. يبدو ان امريكا تعمل على مناغمة احلام تركية قديمة لخلق حكم عثماني تركي جديد وسحب تركيا نحو الشرق اوسط بعيدا عن اوربا. لقد اخطأ الاوربيون عقود طويلة بعدم تقبلهم لتركيا في الاتحاد الاوربي الذي يبدو انه سيهوي وينتهي ولتصبح اوربا تعيش في اقتصاد متعثر تحت رحمة امريكا. ويبدو ان تركيا لا تعول كثيرا اليوم من الانضمام للاتحاد الاوربي لانها بدات تنظر باستراتيجة جديدة لقيادة الشرق الاوسط ولربما توسيع نفوذ سيطرتها لاحقا على بعض اجزاء اوربا المنهارة اقتصاديا لامحالة امام نشوء قوى اقتصادية عالمية جديدة متعددة خارج اوربا وخاضعة للنفوذ الامريكي. ان  تركيا لها موقع استرتيجي كبير اضافة الى انها بدات تتجه باتجاه الاسلام المعتدل مبتعدة عن علمانيتها السابقة. ان تركيا اليوم تبتعد عن اوربا باتجاه قيادة الشرق الاوسط بدعم وتخطيط امريكي. كما ان الخلاف التركي الاسرائيلي يبدو كانه مفتعل وغير حقيقي وذلك لكي تلعب تركيا على وتر عاطفة شعوب الشرق الاوسط لكي تقترب اكثر فاكثر من تركيا لتكون وكانها المنقذ في العصر الجديد. ستنفذ تركيا المخطط الامريكي بالسيطرة على الشرق الاوسط وخلق هيكلية اقتصادية في الشرق الاوسط ستزعزع اقتصاد اوربا وتضربه ضربة مميته وستؤدي الى انهيار الاتحاد الاوربي وخضوعه الى امريكا والوقوع في شركها. ان مفاتيح نهاية اللعبة الامريكية في الشرق الاوسط ستبدا بنهاية الحكم الاسلامي في ايران ونشوء حكم قومي علماني في ايران موالي لامريكا والذي سيفضي الى سيطرة امريكية مطلقة على كل الشرق الاوسط ليصبح بعدها العالم كله تحت رحمة امريكا المتجبرة وليكون الشرق الاوسط محكوم من قبل قطبين رائيسين هما ايران العلمانية وتركيا الاسلام المعتدل كحلفاء لامريكا.

قلنا راي وننتظر اراء وقد تمر الايام وتثبت صحة او خطأ ما قلنا كليا او جزئيا. لكننا باستقراءنا هذا نحاول ان نستفز رؤى الكتاب والمفكرين في الاستقراء والتنبؤ بالمستقبل للمنطقة وتاثير ذلك على العالم.

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2025 الخميس 09 / 02 / 2012)

د.علي عبد داود الزكي

في المثقف اليوم