أقلام حرة

دولةٌ في مَهَب الرِيح / أمين يونس

بالبدء ب (تخطيط) علمي لجميع مرافق الدولة .. من دون جدوى !. ولن يكون هنالك تخطيط سليم، بِلا إحصائيات وأرقام وجداول دقيقة عن كُل شئ .. وهذا ما نفتقده لِحد الآن .. حتى الخطوة التي كان ينبغي البدء بها، منذ سنوات، ألا وهي [الإحصاء السكاني العام] .. جرى تسييسها، وإخضاعها للتأجيلات المُتعاقبة، تحتَ ذرائع واهية وحُجَجٍ ضعيفة . بحيث ان أي دراسة اليوم، حول أي موضوعٍ حيوي، تعتمد على أرقام تقريبية غير دقيقة، وإحصائيات غير مُوّثَقة .

عموماً، كان رئيس هيئة الإحصاء في أقليم كردستان، قد صّرَح انه حسبَ عمليات الحَصر والترقيم، التي جرتْ في اواخر 2009، في مُحافظات الأقليم الثلاثة، فأن عدد سكان الأقليم بلغَ (4.9) مليون نسمة . فإذا حسبنا مُعّدل الزيادة السنوية 2.5%، فان نفوس الأقليم سيكون حوالي الخمسة ملايين وبضعة آلاف في نهاية 2010، وخمسة ملايين ومئة وخمسين ألف تقريباً في نهاية 2011 ...

وأود أن اُرّكِز على السنة الماضية 2011 .. فلقد قال السيد وكيل وزير مالية أقليم كردستان، ان هنالك [662444] موظف يُداوم بِشكلٍ رسمي في أقليم كردستان في سنة 2011 .. وهنالك [645] كادر وموظف لدى الأحزاب... وقال انهم إستلموا (سبعة تريليون وسبعمئة وخمسين مليار دينار عراقي)، ولِنُحّوِل هذا المبلغ الى دولار، فيصبح [[6335]] مليون دولار أمريكي ! .. نعم ايها السادة ستة مليارات وثلاثمئة وخمسة وثلاثون مليون دولار أمريكي، الرواتب التي إستلمها الموظفون الرسميون وكوادر الاحزاب في أقليم كردستان في سنة 2011 . وأدناه بعض الملاحظات :

- 662444، الموظفين الذين يُداومون رسمياً، يُشكلون حوالي (13%) من مُجمَل نفوس الأقليم .

- علماً ان ميزانية الأقليم لسنة 2011، كانتْ حوالي 14 تريليون دينار عراقي، أي حوالي [11480] مليون دولار امريكي . منها [7975] مليون دولار تشغيلية و[3505] إستثمارية . وان ميزانية البرلمان حوالي [44.28] مليون دولار، وميزانية السلطة القضائية [39.64] مليون دولار .

- أحزاب السلطة، عالجِتْ خطأً بخطأٍ أكبر .. فبعد أن عمدتْ ومنذ بداية التسعينيات الى ضَم أكبر عددٍ مُمكن الى صفوفها، بِغَض النظر عن النوعية والإخلاص والنزاهة .. بل فقط من أجل غايات إنتخابية وفي سبيل الإستحواذ الأقصى على السُلطة والنفوذ .. لكن بعد أن " تَرَهلَ " حِزبا السُلطة في الآونة الأخيرة، وباتا بحاجةٍ الى التقليص والترشيق، نتيجة ضغوطات الشارع .. فأنهما لجئا الى " إحالة الكثير من كوادرهما الى التقاعُد " ... ولكي يستمِرا في حَلب الميزانية .. أحالوهم على التقاعُد بدرجة [مُدير عام] وخصصوا لهم رواتب عالية " ينبغي الإشارة الى ان الاحزاب الاخرى الصغيرة، لم تتعفف في هذه المسألة، بل وافقتْ ضمناً على المبدأ، من خلال صرف رواتب تقاعدية لبعض كوادرهم على نفس المنوال ". بحيث إذا دُقِقَتْ اليوم قوائم المُتقاعدين في أقليم كردستان، من الذين بدرجة مُدير عام او ما يُعادله، فأن الأرقام ستكون كبيرة ولا تتناسب مع حجم ونفوس الأقليم !.

- ان سياسة الإعتماد الكُلي تقريباً، على الدولة والحكومة، وجعل نسبة عالية جداً من المواطنين، موظفين ومُستلمين لرواتب، او حشرِ قسمٍ آخر على قوائم، تحت عناوين شَتى ... إدى الى تعويد المواطنين بصورةٍ عامة، على الإتكالية والكسل، وترك العمل المُنتِج . أعتقد ان أي [[هّزة]] تُصيب ميزانية العراق خلال الفترة القا دمة (والأسباب المتوقعة كثيرة، منها الركود العالمي وإنخفاض أسعار النفط بشكلٍ حاد) .. ستؤدي الى كارثة حقيقية تحيق، بالوضع الاقتصادي والاجتماعي في العراق عموماً وبضمنه أقليم كردستان . حيث لن تستطيع الحكومة حينها، توفير هذه النسب الضخمة من الرواتب .. وستكون معضلة جدية، في كيفية إدارة الإحتجاجات الناتجة عن ذلك والإضطرابات المتوقعة . ناهيك عن الأزمات الخانقة التي سوف تظهر، نتيجة الإعتماد شُبه الكُلي على الإستيراد في كُل شئ ولاسيما المواد الغذائية.

- حّبذا، لو قامتْ أي جهة حكومية أو غير حكومية، بكشف أعداد الذين يستلمون أكثر من راتب، وتحت مُختَلف التسميات، وأعداد الذين يستلمون رواتب من غير المتقاعدين، وهم لايزاولون أي عمل على الإطلاق ... وأعداد منتسبي الجهات الأمنية خاصةً، الواردة أسمائهم في قوائم الرواتب، وهُم لايداومون أبداً، ورواتبهم يستلمها كل شهر، مسؤولون في تلك الجهات . حبذا لو جرى ذلك، لكي يُحاسَبون ويوضَع حَد لهذه المهزلة !.

حبذا لو بدأتْ الحكومة، في توفير أعمال [[مُنتِجة]] حقيقية، لأرتال العاطلين والتنابلة وإيجاد حلول للبطالة المُقنَعة .. بالتخطيط السليم المُجدي، وبالتنسيق مع القطاع الخاص .. وبعث الروح في (الموتى سريرياً) : الزراعة والسياحة والصناعة . وإلا فأننا على أبواب مأساة قادمة، لأننا كما نحنُ الآن، دولة ضعيفة في مَهب الريح .

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2034 السبت 18 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم