تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

موت "الزعيم" والثورات المستمرة / مروة كريدية

وعلامة ذلك ما نراه من متغيرات متسارعة في الآونة الأخيرة بحيث أدخلت جميع المفاهيم والمصطلحات التي طالما تغنوا بها في زوايا النسيان ووضعتهم أمام واقع أقل ما يقال فيه أنه منفلت وأبعد مما توقعوه بكثير .

فلا مكان اليوم للحديث عن التقدمية والرجعية او عن العنتريات الثورية في ايقاع متسارع من التحولات التي لا تعرف الاستقرار. ولا مكان فيه للناقد القابع في إطار "ثقافته الهادفة " المتعالية عن جراح الشعوب وآلامها او المتعجرف "الموضوعي" المكتفي بنفسه والقائم بذاته في دائرة أناه. فالممارسات الثقافية الشعبية المعاصرة المتلاحقة في الشارع المتغير أزاحت ميراث كهول "المثقفين " كما "السياسيين" واجبرتهم على التقهقر الى مؤخرة المشهد فاتحة الفضاء الواسع للنشطاء الواعدين الغير آبهين باتهامات من سبقوهم لهم بانحرافهم عن "الأصالة" ولحاقهم بكل مكونات الثقافة المعولمة لينسجوا حريتهم وعالمهم ويقدموا فهمهم لكل أنواع "النصوص" واشكال الخطاب السياسي  على طريقتهم فاتحين صدورهم العارية أمام كل آلات القمع الجبارة .

صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات الالكترونية حولت المفاهيم والنصوص "الادبية" منها وغير الادبية بما في ذلك المصطلحات الثقافية والسياسية الى شبكة هائلة من التناص و "الاقتباسات " الذي ذاب في ظلها الوجود التقليدي لكل من يدعي "الاحتراف " فغاب وجود "المتعالي الملهم" و "الكاتب القدير" و الأديب"المحترف" و الفنان "المخترع" والصحفي "الصانع للحدث" ، ليحل محله "الانسان "المتواصل" القادر على استكشاف المناطق البينية بين النصوص والمفاهيم والأحداث ضمن نسيج هائل اخترق الحواجز بين القطاعات المعرفية والعملية نحو أفق مغاير غيّر علاقات إنتاج القوة وأدوات توزيع السلطة في المجتمعات الانسانية وذاب في اطار حضاري معولم .

بطبيعة الحال فإن ذلك أدى الى تلاشي كل "المركزيات " وغياب كل أشكال "الهرميات" و "التراتبيات " في العلاقات؛ بدءا من العلاقات الاجتماعية الشكلية البسيطة وصولا الى علاقة الفرد بدولته التي ينتمي اليها . فالطفل لم يعد يقبل بدور المقلد المطيع كما المواطن الذي لم يعد يقبل بموقع التابع المهمش والمغيب عن قضاياه، فخرجت الثورات لتؤكد على انتقال الشعوب من طور القبول ب"الضرورات" الى مستوى الحريات التي لا تؤمن بوحدة المركزية بل تجد في تعددية المراجع سبيلا طبيعيا وتداوليا لذوات تتكافئ في الحضور، محطمة بذلك كل "أساطير التفوق " وأشكال "الزعامات" و"الهيمنة " .

اذن ساعة الصفر قد حانت معلنة بزوغ نزعات كونية تحتم استمرار الثورات الدائمة على كل الانساق "الجامدة " الفكرية منها والسياسية والثقافية، فالثورات التي حملت شعار "الشعب يريد اسقاط النظام " ليست إلا انعاكس لتطور الوعي الانساني للمشهد الكوكبي، الذي ينطوي على تنوع مذهل وتعددية صادمة بثرائها كمًّا وكيفا تفرض نوعا جديدا من المتابعة والوعي، فيما لا يزال كثيرين ممن هم في "مواقع السلطة " سواء كانوا حكاما او مدراء او مسؤولين او مثقفين او نقاد بعيدين كل البعد عن استيعاب ايقاع التغيير العاصف يمارسون شتى انواع القمع والعنف ليحافظوا على مركزية مواقعهم في عصر لا مكان للمركزية الجامدة فيه .

ولا يظننّ أحد ان رحيل "الطغاة " وسقوط "الرئيس " هو انجاز للثورات بل هو بدايتها على الحقيقة فالثورات لا تُنجز أبدا بل هو فعل مستمر متغير، وكما ان رولان بارت قد أعلن موت الكاتب الملهم فإننا أمام مرحلة أهم سماتها "موت الزعيم القائد" وافول كل زعامة بحيث سنجد نوعا جديدا من العلاقات لم تعهدها النظريات الادارية والسياسية  من قبل

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2036 الأثنين 20 / 02 / 2012)


في المثقف اليوم