أقلام حرة

معارِكُ آياتُ الله .. على السُلطةِ والنفوذ / امين يونس

ولو لم يكن التَشّيُع أصلاً، مُتعّلِقاً بتراث علي بن أبي طالب وأحقِيته في خلافة النبي مُحَمد، ومأثرة إبنه الحُسَين بعد ذلك، ومَقتَل كِليهما في العراق، ووجود مرقَدَيهما هناك .. لولا كُل ذلك، لما توانَتْ إيران في تجيير المذهب الشيعي بالكامل، لحسابها الخاص ومصالحها القومية ومطامحها الامبراطورية، وعلى الرغم من انها، أي إيران، لم تُقّصِر عبر التأريخ، في السعي من اجل ذلك، لكنها لم تنجح بدرجةٍ كافية كما أعتقد . فحتى في عهد نظام صدام، الذي قمع الحوزة الشيعية في النجف في وقتٍ مُبّكِر .. فإستغلتْ إيران الأمر، وإنتعشتْ أثر ذلك، حوزة " قم "، وحاولتْ ان تكون بديلاً للنجف .. إلا ان النجف بَقِيت هي [المركَز] والمقر الرسمي للحوزة . علماً ان الكثير من رجال الدين الإيرانيين الذين درسوا في النجف ومنذ عشرات السنين، بَقوا في النجف وكربلاء، وتقدموا في درجات الحوزة تدريجياً، وإتقنوا العربية، بل وصلوا الى منزلة آيات الله، وتزعموا المرجعية في النجف، وآخرهم " علي السيستاني " نفسه . والصراع على المرجعية، ليستْ أسبابه الحقيقية، كما أرى، تقتصِرُ على الجانب " المذهبي "، بل تتعداه الى المصالح الإقتصادية، والنفوذ السياسي أيضاَ .

من الطبيعي، ان نظام البعث السابق وعلى مدى عقود، عملَ جاهداً في سبيل " إختراق " الحوزة في النجف، وجّند العديد من عملاءه، من اجل تخريبها من الداخل، وإضعافها، والتجسُس على رجال الدين .. ورُبما يكون نجحَ أحياناً بصورةٍ جُزئية . غير ان قيام النظام البائد، بِمُطاردة الناشطين الشيعة وسجنهم وتعذيبهم وقتلهم، لاسيما قُبيل الحرب ضد إيران وأثناءها، أدى الى لجوئهم الى ايران، والإقامة فيها لسنواتٍ طويلة .. مما وّفرَ للنظام الايراني، فُرصة ذهبية، لل [ التأثير ] المباشر على، الأحزاب الشيعية العراقية، بل والضغط عليها من اجل توحيد رؤاها، بِما يُلائم الإستراتيجية الايرانية .

وحيث ان طبيعة المذهب الشيعي الإثني عشري في العراق، يُتيح للشيعة [ تقليد ] أي مرجع من المراجع .. فلقد تنوّعتْ ولاءات الناس وتوّزَعَتْ على عددٍ من رجال الدين، على الرغم ان هنالك رأيٌ شائع، ان مُقّلِدي آية الله العُظمى " علي السيستاني "، رُبما يكونون أكثر من مُقلدي آيات الله الثلاث الكبار الآخرين .. " محمد إسحق فياض "، و " بشير النجفي " و " محمد سعيد الطباطبائي الحكيم "، وغيرهم مثل " اليعقوبي " و " الحسني الصرخي " ... الخ .

مناسبة هذا الحديث، هي الاحداث الاخيرة، التي وقعتْ في قضاء " الرفاعي " في ذي قار، ثم إمتدتْ الى العديد من المدن والقصبات الاخرى، من الفاو الى الديوانية والنجف وغيرها، وما زالتْ تداعياتها تترى .. أدناه بعض الملاحظات :

- بطل هذه الأحداث، " رجل دين " شيعي مُثير لِلجدَل، إسمه [محمود الحسني الصرخي]  .. ولقد وضعت رجل دين بينَ قَوسَين مُتعمِداَ .. لأن هنالكَ من الشيعةِ مَن يقول، بأن الرَجُل دخيلٌ على الحوزة، ولا علاقة له بالعلم والإجتهاد، وإنما هو مُدّعي يُمارس الهرطقة !، بل يقولون بأنه كان صديق عُدي صدام حسين، حيث كانا معاً في كلية الهندسة التي تخرج منها الصرخي في 1987.. في حين ان أتباعه ومُريديه، يرفعونه الى مراتب عُليا أعلى من جميع المراجع سواء في العراق او إيران ! .. ويجّلونه الى درجة تقرب من التقديس .

- برزَ أسم آية الله العُظمى محمود الحسني الصرخي، في الأحداث المأساوية، في " الزركة "، حيث سقط المئات من القتلى وآلاف الجرحى .. وكيلتْ له الإتهامات حينها، مِنْ قِبَل الامريكان والحكومة العراقية .. إختفى بعدها لفترة .. ثم عادَ مؤيدوه الى النشاط خلال السنوات الماضية، وفتحوا حُسينيات في الكثير من المدن والقصبات في الجنوب والوسط .. وكان لهم، كما يبدو نشاطٌ مُمَيز في محافظة ذي قار خاصةَ .

- يقول الصرخي، انه (يلتقي دورياً مع الإمام الغائب، المهدي المُنتَظَر، ويشرب معه الشاي، وهو وحده الذي يراهُ، وهو وحده وكيل الإمام) .. وهنا يتقاطع الصرخي، مع كافة المرجعيات سواء في ايران او العراق .. علماً ان مُريدي ومُقلدي الصرخي، يُصّدقون أقواله ويثقونَ بهِ .

- " يُقال " ان جُند السماء، الميليشيا المُسلحة، من أتباعهِ .

- الصرخي، كما يُرّوَج، لايعترف بأي مرجعية في النجف، وعلاقته سيئة مع إيران أيضاً، وهو ضد الإحتلال الامريكي، وضد الحكومة العراقية أيضاً !.

- قبل يومَين، هاجمَ المئات من مواطني قضاء الرفاعي، مكتب السيد محمود الحسني الصرخي، وأحرقوه .. مُتهمين أياه، بأنه يعمل من اجل إشعال فتنة في المدينة ! . بعدها تظاهرَ أتباعه في ذي قار ومُدن اُخرى، وقالوا، ان قوى الامن الحكومية كانتْ متواطئة مع الذين هاجموا مكتب الحسني في الرفاعي ! .

حدثتْ بعض القلاقل في أماكن متفرقة، في الجنوب والوسط، حيث ضُرِبَتْ بعض مقرات حزب الدعوة والمجلس الاعلى الاسلامي، من جانب .. ومكاتب الصرخي، من جانبٍ آخر .

 

......................................

وجهٌ آخر، من الصراع على السُلطة والنفوذ والمال .. يقوده هذه المرّة " آيات الله " !.

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2037 الثلاثاء 21 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم