أقلام حرة

هل وجود الاحزاب الغفيرة ضرورة مرحلية في العراق؟

ويستوضح لدينا المستوى العام للمجتمع وارائه ومواقفه ازاء القضيا العامة وبما تهتم به الدولة ويمسه . هنا لابد ان اشير الى انني لا اريد ان اشوه وجه التحزب ووجوده المتحضر في المجتمع التقدمي والذي يعتبر من الظواهر الاساسية للحياة المعاصرة الصحية لاي مجتمع، والديموقراطية الحقيقية بحاجة ماسة الى الاحزاب ولا يمكن تصورها بعيدا عنها، وتدخل في خانة العمل السطحي واللعب في ساحة من دون اللواعيب الاساسيين، وتفرغ الساحة للتجمعات والجماعات والمكونات الاجتماعية المعروفة وستبقى الطبقات والمكونات الاساسية المختلفة من دون تمثيل في هذه المنافسة والصراع الحضاري المتمدن . هنا لا اريد ان اصف الحياة السياسية والحزبية في العراق بانها لم تقدم شيئا ابدا، بل التعدد في الواقع تعبير عن الفضاء الملائم والحرية في التجمع والراي والمواقف، وطبيعي ان تصل الحال بعد كبت دام عقود الى هذا المستوى على الرغم من السلبيات، رغم ان اكبر المضحين هم الطبقة الكادحة والفقراء والمعدومين، بينما سنحت الفرصة للعناصر الانتهازية في اللعب والوصول الى المواقع لا يستحقها .

 

ان المشكلة الاساسية في الاعداد الغزيرة من الاحزاب والتجمعات والحركات هي عدم استقلاليتهم وولادتهم من رحم المجتمع بشكل طبيعي كضرورة تاريخية فارضة لنفسها والتي تكون لخدمة تحقيق مصالح المجتمع او المكون الذي انبثقت منه. ما نشاهده هو التجمعات الدينية والمذهبية والعشائرية في هيئة تنظيمية غير واضحة المعالم والمضمون والاهداف والشعارات الحقيقية، بل يمكن ان نسميها تجمع العشائرعصرية المظهر من حيث الادارة والوجه. اننا يجب ان نعلن هنا ما نقوله ليس من اجل انهاء الواقع الحزبي بشكل مطلق، او محاولة لفرض سلطة جهة على اخرى او الطعن في عمل الشخصيات النموذجية والنخبة في هذه الاحزاب او ادانة التعددية، لا ابدا، وانما الهدف هو تنظيم الحياة الحزبية بشكل واقعي متحضر بوجود الاسس العلمية الضرورية في بنية اي كيان سياسي،من اجل ضمان الشفافية في كيفية تاسيس اي تجمع، والذي يجب ان يكون واضح التركيب والعمل، وهو يسعى لتحقيق اهدافه وفق القوانين العامة، وبالضرورة اقرار قانون الاحزاب والذي يعتبر لحد اليوم الفجوة والسلبية الكبرى والعامل الاكثر تاثيرا على تنظيم الاحزاب وكيفية اداء واجباتهم.

 

فان كانت نتائج الانتخابات ونمو العملية الديموقراطية والحياة السياسية والصراع بين الطبقات والفئات من العوامل الدافعة لانبثاق وتاسيس الاحزاب في الغرب بعد تجمع ووحدة الشخصيات والنشطاء الساسيين، فان الحزب في العراق بشكل عام (الاصيلة منها طبعا) منبثقة من خضم الصراعات مع السلطة والنضال في اجواء وواقع غير طبيعي وهو ثمرة وحدة الصف للمعارضين والمستند على ما يؤمنون به وما هو عليه المجتع من المستويات المختلفة من الافكار والعقائد وما استورد اخيرا من التوجهات والمباديء بعد الاحتكاك مع الاخرين. والواقع الفوضوي من حيث تنظيم هذه المنظومات نتيجة طبيعية وبالاخص بعد سقوط الدكتاتورية، ويحق لنا ان ننتقد هذا على انه طاريء مفروض، وفي خضم هذه التفاعلات سيبرز الاصح، ولكن الواجب الرئيسي على النخبة من اجل تخفيف تاثيرات ما موجدود من الصفات السلبية للمجتمع في تركيب التنظيمات السياسية وهذا ما يحتاج الى وقت وخطط واصرار كافة الجهات والمؤسسات.

 

 وبعد  ماآلت الاوضاع الى ما نحن عليه الان ولاسبابه المتعددة والمختلفة من الذاتية الى الموضوعية، وما فرضته المصالح الاقليمية وتصفية الحسابات وتدخلات الاخرين من خلال دعمهم لهذا الحزب او ذاك او تدخلهم في تاسيس احزاب واستخدامهم في تصفية الحسابات التي تمس مصالحهم نجد ان التعددية اصبحت ثقلا على العملية السياسية بدلا من ان تكون عاملا هاما في نجاحها . اما النوع الاخر من الاحزاب فهو من ولادة واقع اخر ومن خضم الوضع الفوضوي الذي سيطر على البلاد والعباد. وكما هناك من الاحزاب ليست الا تجمع العشائر والقبائل والمقربين من البعض لحفظ مصالحهم الحياتية باسم الحزب، ومنهم من ضربت مصالحه الشخصية نتيجة التغييرات وهو من المستفيدين من الظروف الماضية ويريد اعادة امجاده عن طريق هيئة او تجمع او كتلة يسميه حزب وليس له اية صلة بمفهوم الحزب ومضمونه.

 

من المؤسف ان العديد من هذه الاحزاب والتجمعات غير الطبيعية لم تنقرض بمرور المراحل نتيجة استغلالها ودعمها خارجيا ولاهداف معلومة، وهناك ما يسندها الوضع الاجتماعي الثقافي العام ومستوى وعي ابناء الشعب .

 

 اي العدد الغفير من الاحزاب لها سلبياتها ان قورنت بايجابيات التعديدة المطلوبة التي لايمكن حصرها في تعدد الاحزاب فقط،  وانما النظام الديموقراطي الذي لا يمكن تطبيقه دون توفر التعددية في الافكار والاراء والمواقف المختلفة لا يعني الكثرة في العدد فقط، وكما هو الحال فان التعددية الحزبية في العراق ليست من ضرورات التاريخ والمرحلة المتنقلة بل عملية طارئة في طريقها الى الزوال ان عادت الاوضاع الى حالها الطبيعي.

 

 

 

 

في المثقف اليوم