أقلام حرة

التحزب القح ومصالح الوطن

 الانسان هو الاهم وهو الهدف الاسمى والاعلى من كل المسميات المادية والمثالية الاخرى، والاهداف والامنيات العامة هي من اجل الانسان ذاته وليس المكان او الموقع او البقعة التي يعيش فيها او ينتمي اليه . وهذا لا يعني ان لا يكون هناك حب للوطن والتضحية من اجله، بل في تسلسل الاهميات والمهمات التي تندرج لهذه المفاهيم الاولوية للانسان ثم الوطن واخيرا الحزب او الفكر والعقيدة والايمان ان كنا نهتم بالحياة وما فيها ونحن علمانيين، والعلمنة تعني العديد من المفاهيم العصرية المتمدنة الحديثة واولها الفكر الانساني والعقلية الانسانية.

 

و لا يوجد على هذا الارض من لا يحب البقعة التي ترعرع فيها، اي المواطن يحب وطنه ويحس به من قرارة نفسه مهما كانت ظروفه، وان احس بالاغتراب وعدم الرضا فانه لا يكره وطنه مهما حدث الا القليلين جدا وهم ما يمكن ان يُنعتوا بالالقاب والمسميات الشتى، والولاء للوطن قبل اي شيء اخر هو قمة الوعي، ولكن بعد الايمان بالانسانية وحب الانسان وحتى قبل الوطن ايضا، مهما ادعى البعض من الايديولوجيين المتطرفين او المثاليين والمتدينيين المتشددين والعقائديين، التضحية بالدم والنفس في سبيل الوطن .

 

الولاء والرضوخ للوطن ليس بعمل انساني مقدس فقط وانما واجب على المواطن ان يتسم به بكل صدق واخلاص، لا سيما الحب للحياة والذات يختلط في اكثر الاحيان مع الوطن، والانسانية التي تعتبر من الافكار التقدمية الحضارية قريبة جدا من الحب والولاء للوطن، وهو الذي يساند ويدعم انبات الفكر الانساني الحقيقي الصحيح في كيان اي فرد في المجتمع ولكن الانسان وما يخص حياته بنفسه فوق الجميع.

 

 انما نقصده هنا هو العلاقة بين الوطنية والحزبية او السياسة، ويمكننا ان نقول بانهما يمكن ان لا يكملا بعضهما كما هو العلاقة المتكاملة بين الانسانية والوطنية، اي يمكن ان يكون الفرد وطنيا دون ان يكون سياسيا او حزبيا، ولكن لا يمكن لاي وطني ان يكون بعيدا عن الفكر الانساني والانسانية في عقليته وسلوكه وتصرفاته .

 

كما هو الحال في اكثرية بلدان العالم عدا الدول التي ترزح تحت نير وظلم النظم الدكتاتورية التي تفرض الولاء والتحزب بالقوة، فان اكثرية المواطنين ليسوا بسياسيين وغير منتمين للاحزاب وحبهم وولائهم وتضحياتهم للوطن والتزامهم بقوانينه يفوق اية مباديء اخرى لهم وهم اقرب الى الانسانية كما هو المعلوم عن غيرهم، وهم يهتمون بظروف معيشتهم وكيفية تحسينها.

 

 ان ما نتعايشه في هذه المنطقة بالذات، اخر ما يفكر به المواطن هو الوطن واصبح التحزب في قمة الاهتمامات والاسباب معلومة للجميع، واصبح الهدف الرئيسي لكل مواطن وحزب هو الاستحواذ على السلطة والفوز بالملذات في الوقت الذي نحس ان الغالبية العظمى هم من يمتهنون السياسة ومنتمون الى حزب ما لاسباب ذاتية معيشية فقط بعيدا عن الفكرو العقيدة في الاكثرية الغالبة فيهم وفي واقع ووضع عام غير مشجع للالتزام بما يهم الانسانية وحب الاخر.  وهذا يثبته التاريخ، فكم من منتم حزبي اثبت ولاءه لحزبه وقائده وفي لحظة ارتد وانقلب وشارك في دحر وسقوط من والاهم من قبل من اجل مصلحة او اضطر لسبب ما في ولائه.

 

 عندما يختلط اداء الواجبات الحزبلية مع خصوصيات المواطن فالطريق تتفرع والمنتمي لاي حزب وهو يحاول العمل من اجل حزبه فيتفنن مع حزبه في محاولاته لزيادة عدد المنتمين باشكال مختلفة، عندئذ لم تبق مصالح الوطن في الاولويات بقدر مصالح الحزب وما يهمه، والى جانب ذلك يشغل هذا الهدف فكر وعقلية الخبراء والمختصين المنتمين في هذا الجانب بدلا من مكانهم الحقيقي وهو ممارسة تخصصاتهم المهنية وتلاحمهم مع الفئات والكونات المتعدد للشعب مما يزيد من فرص تضحياتهم للوطن وعملهم بروح ونفس انسانية وهم يوفرون الخدمات وضروريات المواطن التي هي الاهم، اي ان كانت الانسانية هي المبدا المعتمد في العقلية العاملة في اي مجال فتكون مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات ولم يبق اي عائق امام تقدم المواطن وتنمية الوطن وتطوره الا التحزب القح الضيق .

 

 

 

 

في المثقف اليوم