أقلام حرة

تركيا الصديقة الحميمة / جواد كاظم غلوم

على انشاء المزيد من السدود العملاقة والتي تهدف الى حجب مياه دجلة والفرات والاستفادة منها لارواء الاراضي التركية حصرا دون اية مراعاة للالتزامات الدولية بشأن تقاسم المياه بين الدول المتشاطئة وكأن السدود المقامة سلفا لم تكفها فبدأت تفكر في انشاء مشروع اروائي عملاق هو سد /اليسو تزمع تركيا انجازه في غضون السنوات الثلاث المقبلة ضاربة عرض الحائط الدعوات والنداءات الدولية والاضرار الكبيرة التي سيلحقها بناء المشروع بالاماكن الاثرية في منطقة الاناضول وتدمير التراث لان هذه المنطقة  اعتبرتها منظمة اليونسكو من المواقع الاثرية الهامة في العالم ناهيك عن تهجير اكثر من 500 قرية تركية يسكنها الكرد الاتراك وفق تقارير اللجنة المشكلة من بعض دول الاتحاد الاوربي(المانيا والنمسا وسويسرا )والتي زارت المنطقة عام /2008 هذا عدا عن المشاكل التي تنجم بين الدول المتشاطئة بسبب الاستحواذ على النصيب الاوفر من المياه وسلب حصص دول الجوار وخلق متاعب جمة بين دول المنبع والمصبّ مما دعا الاتحاد الاوربي الى ايقاف التمويل المالي لهذا السدّ الذي وضع حجر الاساس له الصديق اللدود المسلم اردوغان في آب/2006 والذي خطط له ان يخزن 11 مليار متر مكعب من الماء مع تشييد مساحة 300 كيلومتر مربع هي مساحة بحيرة السد بحيث يحتجز حوالي 47 بالمئة من واردات نهر دجلة

آخر هذه النداءات وحملات التنديد جاء من قبل وزارة الموارد المائية في العراق لجمع ثلاثين الف توقيع حتى يتم ادراج نهر دجلة ضمن قائمة محميات التراث العالمي من قبل منظمة اليونسكو لاجل حمايته من المخاطر التي يتعرض لها من الجانب التركي وهبوط مناسيب مياهه الى حدّ مخيف

ومثلما أثّر مشروع GAP  المشيّد على نهر الفرات في تقليص الاراضي الزراعية غرب العراق والفرات الاوسط وازدياد نسبة الملوحة فيه فان آثار بناء سد اليسو السلبية ستفوق التوقعات كثيرا ويمكن حصرها بما يلي :

1)انخفاض مساحة الاراضي الزراعية حيث ستتصحّر اكثر من 696 ألف هكتار من اراضي العراق الخصبة

2)تفاقم الاضرار البيئية بسبب تقلص الاراضي الخضراء والمراعي الطبيعية وزحف ظاهرة التصحر والجفاف  وتاثيرها السلبي على الطقس وازدياد العواصف الترابية والرملية التي نشهدها مرارا هذه الايام في ربوعنا بعد ان كانت نسيا منسيا خلال السنوات العشرين الفائتة

3)تغيير النمط السكاني وطرق المعيشة لان قلة او انعدام الماء سيؤدي الى ترك الزراعة والهجرة نحو المدن

4)توقف العمل في منظومات الطاقة الكهربائية المقامة على نهر دجلة (سد الموصل وسد سامراء)

5)تدمير الاهوار التي تعتمد كليا على المياه بحيث يصعب انعاشها وتنميتها بهذا الكم الضئيل الذي يصلنا من مياه نهر دجلة وانخفاض مناسيب الخزانات الطبيعية في بلادنا كبحيرة الثرثار والحبانية

وللتذكير، يحضرني ما قال مسعود يلماز السياسي التركي قبل سنوات بشأن المياه :" ان المياه في اراضينا هي نفط لنا وان كان هناك من يرضى باقتسام نفطه مع الآخرين فتركيا على استعداد لاقتسام مياهها "

ويبدو ان تركيا لاتفرق بين الثروة الكامنة في باطن الارض والثروة الطبيعية المتحركة الجارية والخاضعة للقسمة والمشاركة بموجب قوانين دولية صادرة من هيئات ومؤسسات عالمية لها ثقلها ووزنها وتاثيرها ، نعم ان من حق الدولة اية دولة الاستفادة من الانهار التي تمر في اراضيها واحواضها مع مراعاة مصالح الدول المجاورة وتقاسم المياه وفق حاجة كل بلد فهذه ثروة حباها الله للبشرية جمعاء وعلى الاقطار المتشاطئة ايجاد الحلول من خلال الحوار البناء والودي للوصول الى صيغ ترضي جميع الاطراف في الجوار غير ان تركيا لم توجه اخطارا للعراق حول التدابير التي اتخذتها والمشاريع التي اقامتها على مجرى دجلة والفرات لان تركيا لاترى في دجلة والفرات من الانهار الدولية فهما مجرد نهرين عابرين للحدود  وكل الاتفاقات الدولية عن الانهار لاتنطبق على النهرين لانهما حسب تعبيرها ثروة مائية تركية صرفة مثلما النفط في العراق ثروة خاصة به

كل خوفنا ان يظل سياسيونا ساكتين امام هذه الطموحات التركية البعيدة المدى فجارتنا العزيزة المسلمة العثمانية تريد ان تبني ثلاثة عشر سدا على نهر الفرات وثمانية سدود على دجلة الخير بحلول عام/2023 فما الذي يتبقى لنا سوى الغرين وضحالة القيعان الآسنة وبمَ سنتغنى اذا زالت أم البساتين وقُطِّعت شرايينها من جسد العراق الجليل وغُيّب الفرات العذب

إذا نهلته صديقتنا الحميمة تركيا

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2098 الأحد  22 / 04 / 2012)


 

جواد كاظم غلوم

 

في المثقف اليوم