تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

(مفدي زكريا) .. قسما بالنازلات / فاطمة الزهراء بو لعراس

في نفسه وقلبه يودّ وضعَه على رأسك ثم يقبّل جبينك ممتنا، لأنك نفذت إلى الأحاسيس وحللتَ حيث يجب أن يكون المحل. فمن أين لنا تلك الدرر النادرات المحفوظة في ذاكرتنا وفي أشعارنا الرائعات؟ من أين لنا يا مفدي تلك الجزائر التي يصغى لذكر اسمها العالم ،ويسجد لها الجبابرة ومن أين لنا هذا اللهب المقدس التي احترقتْ في أتونه الأفئدة عندما جادت بها من أجل الحياة والحرية والوطن؟؟ من أين لنا تلك القطعة القدسية التي لحنها  الرصاص ووقع وتلك القصيدة الأزلية الأبيات ، والتي كان لها نوفمبر مطلعا وهل كان إعدام –زبانا- سينطبع في ذاكرة الأجيال بتلك الصورة الرائعة رغم فظاعتها؟  وهل كان سواك سيراه كالمسيح يتقدّم إلى المقصلة تحُفّ به الملائكة وروح القدس يسبح بحمد الوطن ويردد أذكاره المختلفة، وكالكليم يهزه نور الإله. ويسمع نداءه الذي لا يشبه أى نداء في الأرض ولا في السماء، من غيرك رآه يخر صعقا؟ ومن غيرك كان سيراه  يقضي راضيا بالقضاء ؟ حبا في حياة هذه الجزائر التي نستنشقها منك في تلك الجواهر من الأشعار أميرة متوجة ،على رأسها تاج الشرف والإباء ،وعلى صدرها وسام الخلود والوفاء، وفي خصرها نطاق العزة والبقاء ،وفي كفيها خضاب بألوان الدماء، وفي قدميها خلاخل اليمن والعطاء، هذه العزيزة القاسية، هذه الجزائر الغالية التي لا ترضى بغير الدماء مهرًا ،وبغير الأشلاء علوا وقدرا، ولا تُرفع إلا على الصافنات ! فكانت لها الأجيال فرسانا، وكنتَ بين هذه الأجيال أميرا ومتوجا ومن الخالدين.

كيف لا تكون كذلك وأنت الذي رابطت بساحات –جزائرك-الحصينة تطلب رضاها ،وتخوض حماها ، لا تغادرها، ولا تغادرك حيثما حللتَ أو ارتحلتَ  والتصقتَ بها فالتصقتْ بك فكنت كما هي شاعر المعجزات وكانت كما أنت جزائر الثورة، ألا يقول شعرك أنك مسكون بحب الجزائر؟؟! ألم تصرّح بأنك تحبها فوق الظنون؟ يا شاعر الشعراء ما المجد إلا للأوطان وما الخلود إلا لعاشقيها وأنت عاشقها الأكبر!

وشاعرها الأقدر فلك ولها الله الله أكبر

امتزجت كلماتك بذرات التراب فيها وارتقت سماءها ودخلت قلوب أهلها وجابت صحاريها ومجاريها وخاضت بحارها، وسبرت أغوارها ،وكشفت أسرارها، ولم تجد فيها شيئا لم تنبهر به ، فكانت جنتك التي لا ترضى بالفردوس عنها بديلا، وكانت خلوتك التي ألهمتك هذه الروائع قيلا، وكانت قرة القلب والجوارح و الأكنان ... وأميرة الفؤاد والبؤبؤ واللسان، عليها تحنو وإليها ترنو حبيبة وحدها لا قبلها ولا بعدها، يا صاحب القسم!

لقد جاز لك أن تقسم صادقا من أجل الجزائر، وذريعتك حب هذه العزيزة المتمردة لكي ترضى فهل ترضى؟ الجزائر؟ وقوافل الشهداء تتوالى في رش ترتبتها بأغلى دماء منذ بداية البداية ، ومواكب الشباب تتزاحم عل خطب ودها، ونيل عهدها، رغم ما تبديه هي من التمنع ويظهره الشباب من الجفاء.

 يا صاحب الألف والإلياذة

كيف خطر لك أن تطارد حصان طروادة ،وكيف جال بذهنك أن تعزفَ ألفا وألفا ،وتوقّع على الروائع صفا صفا، وأن تسجل تاريخا لإنس الثورة وجانها ولنباتها وحيوانها ولم تغفل شاردة ولم تترك واردة إلا حفظتها فيما شغلتَ به الورى وملأتَ به الدنا بشعر رددتَه ونردده كالصلاة.(تسابيحه من حنايا

الجزائر)  من جعلك تكتب تاريخا بطعم القوافي وأشعارا  بلون التاريخ ودماء الثورة؟  هل جاز لك ما يجوز لغيرك من الشعراء أيضا؟  أم فاتهم ما لا يكون إلا لمثلك، أم أنه الحب العظيم للبلد الأكبر والشعب الأوفى "شعب الجزائر"؟؟

أيها الثائر رفيق الشهداء

ألم  تكن من أجل الجزائر وشعبها ثائرا بالسيف والقلم؟ تشهد الزنازين التي كتبتَ بدمائك على جدرانها والصحائف التي سودتَ بمدادها  نهارات الاستعمار المشمسة في جزائر الأحلام؟ و تشهد  عليك تلك القصائد التي ألهبتَ بها حماس الوطن وذلك القسم الذي عقدته عزما أن تحيا الجزائر وأشهدت عليه الدنيا والوجود....

ما أروعك ثائرا في شعرك، شاعرا في ثورتك، ما أروعك في بيانك وما أ فصحك في لسانك ،وما أكرمك في ميزانك ،وما أصدقك في رؤياك وأغدقك في سقياك، عشتَ صوتا يصْدح، وما زلت ثمرا يطرح ،يملأ الدور والقصور، وينثر في الحنايا والسجايا كالرّياحين والعطور، هنيئا لك بما كنت له أهلا وهنيئا لملْهِمتك الأبدية فيما كانت به جديرة وهنيئا لنا بما نثرتَ فينا من أشعار وهنيئا لك بما أكسيناك  من فخار، بقسمك الأجيال تشدو جيلا فجيلا وبجواهرك تترنم شدوا عذبا وسلسبيلا، ما أروع ذلك القسم ! وما أبره وما أحلى تلك البراعم وما أغلاها، ما أعظمك يا من عظّمت الجزائر فخلدتَ بها لأنك اعتبرتها الخلود فدخلت بابه  بجهادك كما بأشعارك التي تملأ الوجدان والوجود ،فكنت من أبناء الجزائر الذين نعرفهم.. وعرفنا عظمتها في تاريخهم الغر المجيد وفي صفحاتها النيّرات هم الأبناء الميامين أحفاد الأمير وابن باديس من أمثالك الذين حملوا الجزائر في قلوبهم وعاشوا لها ،فكانت لهم كما كانوا  فداءا ورجاءً، كانوا لها عبيدا فكانت لهم مجدا تليدا، وبين هؤلاء كنت طائرها الحر الشادي، فكانت مجدك السليل البادي، حمتْك حماها لما لذتَ بحماها ورعتْك يداها حين تنسّمت شذاها وظللتك سماها ونلتَ رضاها، فما أعظمك وأنت تنال الرضا من هذه العزيزة العصيّة صاحبة العصمة والقضاء حبيبتنا الجزائر . وما أروعها وهي تحظي بشاعر ليس ككل الشعراء، رصد لها قلبه قبل شعره وحمل السيف قبل القلم من أجل مجدها وعزتها فكنت لها نغما ليس كمثل النغمات وكانت لك عروسا تباهيت فيها على الفاتنات.

يا جامعا لشرف الجهاد مجد القلم

كم  أجلّك  يا من اقتبستَ جلالك من اللهب المقدس وإلياذة الجزائر؟ وكم أحبّك لأنك أحببت الجزائر ؟ و لكم يليق بك الانبهار الذي لبسته من جمال الأوطان والفخار الذي تدثرت به من أمجادها، ولكن ما أقل هذا الجلال أمام عظمتها؟ وما أصغر كلمة الحبّ تهمس في أذن الثورة عندما يشدو لها  مفدي نشيد الفداء مع الأجيال ويقسم لها كلما ارتفع علم ،ورفرفتْ راية  عاليا’ صباح ومساء في ربوع الوطن الحر الكبير وإلى الأبد  وعقدْنا العزم أن تحيا الجزائر . فلتحيا الجزائر تحيا الجزائر تحيا

الجزائر  


..............

     من كتاب: (هؤلاء الذين أحبهم) للمؤلفة

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2099 الأثنين  23 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم