أقلام حرة

نقض تعريفات المستشرقين وأعداء الإسلام للجهاد والرد على شبهاتهم

والتنقيص من قدره، وتخذيل المسلمين عنه..

وكان من شبهاتهم التي ألصقوها بتلك الفريضة العظمى شبهة انتشار الإسلام بالسيف، وإكراه الناس عليه، ثم بعد ذلك قاموا بمحاولة لإفراغ الجهاد في سبيل الله من مضامينه ومعانيه السامية، ليكون القتال في سبيل أهداف مختلفة بعيدة عن الإسلام كالقومية والعصبية والوطنية...كما خططوا جاهدين لزرع الفرق الأجيرة التي تعمل على إلغاء الجهاد في سبيل الله، بحيل شتى، إضافة إلى إطلاق الجهاد على الحركات القتالية التي تحمل شعار الجهاد الإسلامي لتقتل الأبرياء واستغلال هذه الصورة المصطنعة للتنفير من فريضة الجهاد في سبيل الله، مع أن هذه الصورة لا تمت بصلة لدين الإسلام، بل يحرمها ولا يأذن بها، هذا إضافة إلى ما تقوم به المنظمات الدولية كالماسونية والصهيونية... من بث الشكوك حول تلك الفريضة ونشر الأفكار الرامية إلى القضاء على دين الإسلام بإلغاء الجهاد في سبيل الله...

ومن اللافت للنظر أن التعصب الغربي بمستشرقيه وترسانته الإعلامية الكاسحة قد قام بتشويه صورة الجهاد في الإسلام، وأفرغه من معانيه المتعددة، واحتفظ بصورة  القتال والعنف الذي ينبذه الشرع، بعد أن أضفى على هذه المعاني معنى الإرهاب  ليكون  ذريعة له لاستئصال الإسلام والمسلمين من جذورهم. والموسوعات التي ألفها المستشرقون في مطلع السبعينات من القرن العشرين -خاصة الإسلامية منها- مليئة بهذه الصور المشوهة لحقيقة الجهاد، وإن كان التمهيد له قد بدأ قبل ذلك بكثير..

لنقف هنا مليا مع بعض تعريفات المستشرقين وأعداء الإسلام للجهاد وتشويههم لصورته، وحصر معناه في قتال الكفار والمشركين بالسيف فقط.

يقول بُطرُس البُسْتاني:"الجهاد في اصطلاح الشرع: محاربة من ليس بمسلم، ويسمى المغازي أيضا، وله عندهم فضل عظيم لبذل النفس فيه، وركوب المشقات والمخاطر وقد جعله النبي1()في الفضل بعد الصلاة وبر الوالدين.."2 ().

هذا التعريف منقول من تعريف الفقهاء للجهاد، ولم يأت (بطرس) بجديد في تعريفه.

وجاء في دائرة المعارف الإسلامية -التي شارك في إعدادها عدد من المستشرقين- تحت عنوان (الجهاد) ما يلي:"نشر الإسلام بالسيف فرض كفاية على المسلمين كافة.. " 3().

وقال المنصر المكرم متحدثا عن النبي ? بقوله:"فإنا لم نره دعا الناس إلا بالسيف وبالسلب والسبي والإخراج من الديار.."4 ().

أما الراهب الإسباني سان بدرو باسكوال المتوفى سنة 1300م فإنه يقول في كتابه (الفرقة المحمدية):"القرآن على حد سواء أمر بالسلب والحرب، والحديث أكد هذا"5(). هكذا يعبرون عن ذلك الحقد الدفين الذي ملأ كيانهم وكليتهم..

هذا هو الجهاد في عُرف الجاهلين بحقائق الإسلام لا جهاد السيف وانتهى الكلام. وكأن الإسلام نقمة على العالمين.

إن المتدبر في تعريفات المستشرقين وأعداء الإسلام السابقة التي ترمي إلى استدامة العدوان والحروب بين الشعوب؛  هو نتاج لجهل محض بحقيقة الشريعة الإسلامية الغراء، التي انتشرت بمبادئها النابعة من الوحي القرآني والسنة النبوية المطهرة، ولم تنتشر بحد السنان، ولا بالغزو..

إنه تأويل منحرف لمفهوم الجهاد في الإسلام؛ وزاد انحرافا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول التي جعلته مرادفا للإرهاب والقتال.

هكذا لم يذكر الجهاد إلا وذكرت معه الكراهية، والانتقام، وسفك الدماء... مما يحول ذلك إلى هستريا جماعية في الأوساط الغربية فيزيد في تشويه صورة الإسلام، والانتقاص منه حتى يفقد الإسلام مصداقيته في وسط تلك الشعوب.

ويزيد الجرح عمقا حينما يروج أعداء الإسلام من المستشرقين والمغربين لفكرة تقسيم العالم إلى منطقتين: "دار الإسلام"، و"دار الحرب"؛ وجعل الحرب هي العلاقة بين كل الشعوب، والمستهدف هو الإسلام.

ويا للعجب! كيف يتناسى هؤلاء ما في العهد القديم من عنف ومجازر؛ مجازر وحشية بشعة، قائمة على القتل والتمثيل بالقتلى والهدم واستلاب الثروات.

والحرب في اليهودية قائمة على الإبادة والاستئصال، ومحو أي أثر لما كان قائماً من ناس وتراث، أو من ماشية... وما يقع في فلسطين السليبة عامة وفي قطاع غزة خاصة لخير دليل على بشاعة الحرب عندهم.

ولذلك فإن فرية (انتشار الإسلام بحد السيف) التي أطلقها المستشرقون فرية خاطئة لا تستند إلى سند صحيح،  ومخالفة لمقاصد الشريعة الإسلامية ولفهم القرآن الكريم؛ويكفي للرد عليهم أن الإسلام لا يكره الناس على أن يكونوا مسلمين:?لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ?6()، ?أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ?7().  إلا أهل الردة فلهم عقوبتهم المقررة في الشريعة الإسلامية.

وللإشارة فقد زعم بعض المغرضين من المستشرقين وغيرهم أن هناك تعارضا بين قوله جل وعلا: ?لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ?8()، وقوله جل وعلا: ?قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ?9()، فالأولى تمنع الإكراه في الدين، والأخرى تأمر بالقتال والإكراه في الدين؛ وهذا خطأ فاحش، لأن الآية الأولى تتحدث عن سلوك دائم إلى يوم القيامة، في عدم إكراه الناس على اعتناق دين معين، والأخيرة موضوعها قتال الكافرين كافة كما يقاتلوننا كافة؛ ذلك  أن الروم الذين اتخذوا المسيحية شعارا لهم -ولم يتخلصوا من وثنيتهم- وكانوا يخططون للهجوم على دولة الإسلام في المدينة، وأصبحوا يمثلون خطرا كبيرا على مجتمع الإسلام الجديد وعلى أمنه واستقراره، فأمر الله تبارك وتعالى المسلمين بقتالهم10() حتى يكفوا عن أذاهم بالخضوع لسلطان دولة الإسلام، ويعطوا الجزية في غير استعلاء.

فالآية الكريمة لم تأمر بقتال الذميين لإدخالهم في دين الإسلام. ولو كان الأمر كذلك فما الفائدة من إعطاء الجزية وكف القتال عنهم! ولكان استمرار القتال سواء أعطوا الجزية أم لم يعطوها، حتى يدخلوا في دين الإسلام أو تقطع رؤوسهم. لكن الدارس للسيرة النبوية ولتاريخ الخلافة الراشدة وما بعدها لم يجد بتاتا قتال المسلمين لغيرهم لإجبارهم على اعتناق الإسلام، بل كان إعطاء أهل الذمة الجزية مقابل إبقائهم في الأرض التي يفتحها المسلمون، أو حمايتهم في ديار المسلمين وعدم مشاركتهم في الخدمة العسكرية وفي القتال المفروض على المسلمين، ولو أكرهوا على القتال مع المسلمين لكان في ذلك إكراههم على القتال من أجل عقيدة لا يؤمنون بها، والمسلمون يقاتلون في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، ونصرة دين الإسلام، وفي هذا منتهى العدل، أضف إلى ذلك أن الجزية- التي فرضت على الذكور البالغين القادرين وأعفي منها الفقراء  من أهل الذمة- رمز للخضوع لدولة الإسلام ورمز كذلك للحرية الدينية وممارسة الشعائر العقدية وعدم إجبارهم على تغيير دينهم، وزيادة على ذلك فإن هناك حالات اشترك فيها الذميون في القتال مع المسلمين فتم إعفاؤهم من الجزية، والتاريخ شاهد على هذا، لكن أعداء الله من المستشرقين وغيرهم دائما يشوهون تاريخ التسامح الإسلامي الذي لم يعرف التاريخ مثيلا له.

ثم ألم يقرأ هؤلاء المستشرقون والمغرضون ما في كتبهم المقدسة من الجزية التي فرضت على الأمم التي خضعت لهم: جاء في الكتاب المقدس عند اليهود:"وأقام داود حاميات عسكرية في أرام دمشق، وأصبح الأراميون يدفعون له الجزية، وكان الرب ينصر داود حيثما توجه"11 ().وجاء في التفسير التطبيقي للكتاب المقدس في شرحه لهذه الفقرة:"الجزية ضريبة تفرض على الأمم المهزومة. وكانت هذه الضريبة تدعم حكومة إسرائيل وتثبت أن الأمة المهزومة تقع تحت سيطرة الأمة المنتصرة"12().

ومما لا ريب فيه أن قتال الأنبياء ووراثهم من بعدهم غايته إخضاع العالم لسلطان الله؛ لتستقيم الحياة البشرية على صراط الله السوي، وفي هذا منتهى العدل والرحمة والحرية.. أما إذا كان العالم خاضعا لأهواء البشر وطموحاتهم الشخصية، فإن شمله سيتفرق بين تلك الأهواء.

 

خلاصة المرام في تحقيق المقام:

نقول لأصحاب فرية (انتشار الإسلام بالسيف): أليس الاعتداء حقا ما يقوم به اليهود الصهاينة من جرائم التوسع والاستيطان في الأراضي الفلسطينية الشرعية، عن طريق السرقة والاغتصاب والعدوان والظلم والتقتيل والتهجير..، وما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية اليوم في العراق من التمثيل بالقتلى وهدم المنازل واتهام الأبرياء والرمي بهم في السجون والاغتصاب..وما يقع في أفغانستان في سياستها التوسعية الاستخرابية... هذا في الوقت الذي يحرص فيه الإسلام على حقوق الناس، كما جاء في صحيح الإمام البخاري عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ ? قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ?:?مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ? 13().

أضف إلى ذلك أن رسالة الإسلام هي رسالة دعوة إلى الله ورسوله والإيمان؛ كما لخصها سيدنا ربعي بن أبي عامر ? في قوله لرستم: «الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام»14(). فنحن دعاة ولسنا جناة ولا قضاة.

و لا يعني هذا أننا لا نأخذ الأهبة والحذر، بل إننا أمرنا بإعداد القوة دائما؛ القوة الاقتصادية والتكنولوجية والإعلامية... فضلا عن القوة المعنوية أو الروحية.. فرحمة الإسلام وفضيلته وعدله وعفوه وصفحه  لا يأتي من موقع الجبن والانهزام لكن يأتي من موقع قوة.. والتاريخ شاهد على ذلك.

وهذا يلقم المستشرقين جبالا من الحجارة، ليدركوا أن الإسلام هو دين العدل والدفاع عن المستضعفين وتوفير الأمن في العالمين... أما اليهودية والصهيونية العالمية والدول الاستدمارية الاستخرابية فهي التي انتشرت بالعدوان والسيف والظلم... ونصوص العهد القديم والعهد الجديد السابقة الذكر شاهدة على هذا.

 

د.أبو اليسر رشيد كهوس

وجدة-المغرب

 

...........................

هوامش

(1) قلت: صلى الله عليه وسلم.

(2) دائرة المعارف، 6/572.

(3) دائرة المعارف الإسلامية، تأليف: مجموعة من المستشرقين، يصدرها بالعربية: أحمد الشنتاوي وزملاؤه، 7/188-189.

(4) الرسول في عيون غربية منصفة ردود على حملات تشويه صورة خاتم المرسلين، الحسيني الحسيني معدّى، ص33.

(5)الرسول في عيون غربية منصفة، ص38.

(6) سورة البقرة: من الآية 256.

(7) سورة يونس: من الآية 99.

(8) سورة البقرة: من الآية 256.

(9) سورة التوبة:29.

(10) قال ابن كثير: و لما أنزل الله عز و جل على رسوله ?قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ?  ندب رسول الله ? أهل المدينة و من حولهم من الأعراب إلى الجهاد، و أعلمهم بغزو الروم، وذلك في رجب من سنة تسع. الفصول في اختصار سيرة الرسول ?، ص109.

(11) سفر صموئيل الثاني، الإصحاح: 8، الفقرة: 6.

(12) ص655.

(13) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أراضين، ح3196.

(14) البداية والنهاية، لابن كثير، 4/163.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1198 الخميس 15/10/2009)

 

في المثقف اليوم