أقلام حرة

بين الشاعر والصحفي .. ردا ً على مقالة (الأديب والكاتب السياسي) / علوان حسين

هو يعيش منصهرا ً بالعالم ومندمجا ً مع حركة الحياة لكنه ليس صحافيا يتناول الأشياء والأحداث بالتحليل والإفاضة وتهمه المعلومة وتفاصيلها . الشاعر والفنان يذهب الى الجوهر يغرف من اللغة مجازاتها ومن الصور قدرتها على التأويل ومن المواقف ما يتناغم وفكره، هو أقرب الى التجريد منه الى الأشياء المحسوسة، لابد من تواطىء مابين الشاعر وقارئه، لابد للشعر من الكناية لئلا تصاب اللغة بالترهل والجفاف . لغة الصحافي ومعذرة لصراحتي الجارحة لغة مباشرة وتقريرية ولغة الشاعرة مجازية، الشاعر يراوغ اللغة والصحفي يمتهنها، مادة الشاعر الإحاسيس يضفي عليها من خياله مايرواده من جمال خلاب، ينهبه ويبني منه مادته الإبداعية،فالشاعر هنا لا يدجن اللغة بل يسبغ عليها من حنانه مطرا ً لترق َ بين يديد وتشف َ. يشحن الشاعر اللغة بالرموز والإشارات، يقطرّها ويصفيها حتى تشف ليعلو بها والصحفي يهبط معها حد الألفة والإستعمال اليومي، هو الفرق بين الخيالي والواقعي، بين الجمالي والعملي . ثمة التقنية التي يحتاجها الشعراء في صنع القصيدة وهي أحد أسرار لعبتهم ولكل شاعر فرادته في الوصول الى تقنيته أو سره الخاص الذي يفضح مهاراته وقدراته الذاتية في الخلق والإبتكار .  كل الموضوعات متاحة للشاعر كما للصحفي ولكن طريقة التعامل وطبيعة اللغة تختلف حد التناقض فالبوستر ليس هو اللوحة التشكيلية ولكل منهما وظيفته الجمالية وطاقته التعبيرية هو بالضبط الإختلاف بين الفلم الوثائقي والسينمائي فلا الشاعر يكتب ويعبر بلغة الصحفي ولا الصحفي يتوق ليكون شاعرا ً مع إستثناءات قليلة كان فيها صحفيون يكتبون بلغة ٍ فيها من الكثافة والقدرة التعبيرية توازي الشعر أو تأخذ منه منحاه التصويري فتغيب الحدود بين القصيدة والمقالة كما يحدث غالبا ً مع كتابات يوسف الصائغ وعبد الرحمن الطهمازي وأنسي الحاج وعقل العويط وميشال جودة وعباس بيضون وشوقي بزيع  وغيرهم .. بابلو نيرودا كتب شعرا ً سياسيا ً وتناول قضايا يومية، ريتسوس وسعدي يوسف ومحمود درويش ويحيى السماوي وآخرين لم يتعالوا عن الواقع بل إنغمسوا فيه حد التماهي ولكنهم ظلوا شعراء غنائيين أسهموا في خلق ذائقة جمالية للمتلقي ولم يسفوا أو يهبطوا بقارئهم، المسألة هي كيف يذهب الشاعر الى مادته وموضوعه دون أن يتخل عن رهافته وشفافيته ولغته الفنية . الحقيقة ليس مطلوبا من الصحفي أن يكون شاعرا ً ولا من الشاعر أن يتحول الى صحفي فالحدود واضحة بينهما، طبعا ما أقوله ألان يدخل من باب البداهة فحتى قصائد الحب تبدو سياسية وتأخذ موقفاً معينا ً من الحياة يحمل مغزى سياسيا ً في معناه الأعمق .

كاتب من العراق   

 

للاطلاع

جدل سياسي: الأديب والكاتب السياسي: (3) حوار مع مثقف لا يتدخل في السياسة / صائب خليل

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2164 الاربعاء 27/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم