تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

البصرة .. مدينة السياب والشاوي وأهلها الطيبين / جعفر المظفر

طيلة الخمسة سنوات من حكم الزعيم عبدالكريم قاسم.

والمناسبة كانت إزاحة الستار عن تمثال للشاوي أمام البوابة الرئيسة لأرصفة المواني في مدينة المعقل..

بالنسبة لي أنا الذي عشت في مدينة المعقل آنذاك طفلا ويافعا ثم شابا قبل أن أغادر إلى بغداد لا تنقصني معرفة بالرجل أو بإنجازاته، ولذلك رأيت أن إقامة تمثال له في هذه الفترة إنما يعبر عن وفاء لما كان عليه الرجل من صفات أخلاقية رائعة وإنجازات كانت تكللت ببناء مدينة المعقل النموذجية على مساحات شاسعة بعد أن كانت تملؤها الصرائف والمستنقعات..

وفي زمن الفساد هذا والطائفية الذي يعيشه العراق الحالي فإن إقامة تمثال لرمز من رموز النزاهة والبناء يعطينا قراءة لا يمكن لها أن تكون منعزلة عن الصفات البصرية ذاتها.

ولكون الرجل كان "سنيا" ومن الشاوية "العبيدات"، ولكون البصرة، وخاصة المعقل التي أقامت له التمثال، هي "شيعية" المذهب في غالبها، فإن ذلك جعلني أتنفس إرتياحا، معتقدا أن البصرة من خلال هذا العمل الصغير يحجمه والكبير بمعناه، قد أكدت على أن لها تاريخا هو خارج فعل التغطية الطائفية. وإن الروح والأخلاق الطيبة التي هي سمة أساسية من سمات هذه المدينة العظيمة بإمكانها أن تعود سريعا لتؤكد على إنها والبقية من مدن العراق، قادرة على أن تكون أعظم من أن تقزمها الطائفية القميئة الهزيلة أو أن تمسخ هويتها المتحضرة المفعمة بصفات الكرم والطيبة والتسامح والتي كانت أعطت للإنسانية الكثير.

ولم يكن صعبا علي أن أفسر ذلك، فبالإضافة إلى ميزة الإقرار بفضائل الرجل، فلقد شعرت أن الناس هناك حققت لي ما يمكن أكون فعلته بنفسي فيما لو كنت هناك وبيدي إزميل نحات.

ولفعلت ما فعله جاري النحات المبدع "نداء كاظم" حينما خلد إسمه بعمله المتقن والبارع الذي أنتج تمثال السياب المنتصب على ضفة شط العرب الكبير بالقرب من منبع نهر العشار، وكأني أسمعه وهو يتطلع ببصره نحو الخليج يتحدث بمطلع قصيدته " الأسلحة والأطفال " الذي قال فيه..

كأني أسمع خفق القلوع

وتصخاب بحارة السندباد

رأى كنزه الضخم بين الضلوع

فما إختار إلاه كنزا.. وعاد

فأحس أنه بهذا يتحدث مع كل من يبحث عن كنزه خارج ضلوعه، وهو حديث لا شك أنه يليق بأهل العراق في هذا الزمان.

إن السياب والشاوي كانا ثنائية رائعة، فإن ذكر أحدهما فلا بد أن يذكر الثاني، حيث أن الشاوي، العسكري الوطني الشاعر الأديب، كان قد رعى السياب بعد أن سدت في وجهه السبل فأحسن رعايته، فكأني بتمثال الشاوي على الطرف الشمالي من البصرة وتمثال السياب على طرفها الجنوبي يحكيان عن إحدى القصص التاريخية التي تجسد العلاقة الحميمة ما بين الحاكم العادل والأديب الفذ وتضعان للجغرافية شواخص جديدة قوامها الأدب والعلم والثقافة.

وكأني بأحد هؤلا ء الجغرافيين يكتب وهو يحاول أن يعرف حدود البصرة ليقول أنها الأرض التي يقع في شمالها مزهر الشاوي وفي جنوبها بدرالسياب، والتي يسكنها ناس معروفين بكرم الأخلاق وطيبة المعشر والذين لا بد يعرفون جيدا أن كنزهم الحقيقي هو الذي مكانه الضلوع.

ودون كنز كهذا فإن كل كنوز الأرض لا يمكن لها أن تبني وطن.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2182 الأحد 15/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم