أقلام حرة

البديل السياسي في العراق الجديد (1) / مهدي الصافي

 (الكهولة والجمود الفكري والثقافي والحركي وليس البدني أو الجسدي)

 (حزب الدعوة الإسلامية-المجلس الأعلى الإسلامي-حزب البعث فرع سوريا-الحزب الشيوعي-الأحزاب الكردية الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي-حركة الوفاق-وبعض الشخصيات والحركات السياسية الصغيرة) ،

حتى كادت بعض الأحزاب ان تتبخر وتنهار بالكامل ويطويها سجل النسيان، والبعض الأخر أراد ان يهرب من شبح الموت السياسي، فأقترح تغيير الحركة أو الحزب فكريا وثقافيا أو حتى اسميا،

 كان لصدمة فشل انتفاضة 15 شعبان 1991وقعا مؤثرا يهدد مصداقية الحركات الإسلامية، التي يفترض إنها تؤمن بالشهادة والعمل الجهادي أو التحرري، ولا تخاف المواجهة مع النظام المتهاوي حينها

 (ولكن عندما واجه احد قيادات المعارضة تجمعا للجماهير المحتجين على المعاملة السيئة لهم من قبل الجانب الإيراني بعد فشل الانتفاضة و اللجوء إليها، بالقول لم نقل لكم انتفضوا والحدود مفتوحة للعودة........) ،

فقد حمل المنتفضون مسؤولية فشل ثورتهم إلى قيادات الحركات الإسلامية الهاربة إلى بيروت ولندن، الباحثة عن تقاسم كعكة المحاصصة لعراق مابعد صدام

 (للفريسة التي صدر بحقها قرار الموت البطيء، كموت الرجل المريض للدولة العثمانية) ،

 حلقت طائرات قوات التحالف فوق سماء العراق تتراقص على أنغام حفلات الإبادة 1991، وحملات الإعدام الجماعي الذي مارسته أجهزة النظام البائد (بما فيها الجيش العراقي وقوات الحرس الجمهوري المنسحب بذلة من الكويت) ،

وكدنا نصدق خدعة محاصرة طائرات التحالف لإحدى طائرات الهليكوبتر (التابعة لجيش صدام) في منطقة سوق الشيوخ التابعة لمدينة الناصرية وإنزالها بالقوة (عندما كانت جماهير المحافظات الجنوبية هاربة صوب مدينة صفوان) ، على إنها ساعة الخلاص من قذائف الطاغية، وطريقة مناسبة للانسحاب صوب مدينة صفون الحدودية مع دولة الكويت، ولكن كانت الإمبراطورية الامبريالية تخطط ابعد من تلك التصورات البسيطة، لشعب تتلقفه ألأيادي الخبيثة منذ تأسيسه،

إنهم يبحثون عن شيئا أخر يؤمن مصالحهم الاقتصادية ( النفط ) ، الذي ستتكفل به فيما بعد الشركات الامبريالية الرأسمالية العابرة للسيادات الوطنية.

وتحت صدمة القرار الأخير لساعة الصفر الأمريكية القاضية باحتلال العراق2003، انتبهت المعارضة العراقية (بما فيها الإسلامية) إلى هذه اللعبة والفراغ السياسي الذي سيتركه رحيل الطاغية المجنون صدام،

 (الذي عبد لهم طريق قصور المنطقة الخضراء، فقد سحق كل معارضة ناطقة سواء كانت في الداخل أو الخارج، واركع شعبه بسلاسل استبداده) ،

فجاءت الولاءات الحزبية والعائلية والفئوية لتجلس أمام بعضها البعض لتخطط للوضع القادم، فكل شيء جاهز للتحالف مع الشيطان في سبيل إسقاط النظام البعثي (على حد قول احد رجال الدين المعارضين) ،

شعب مكسور ومقهور ولايملك قراره، عادت به الظروف وقسوة الاستبداد الحكومي والحصار الاقتصادي إلى مضارب العشيرة أو القبيلة لحماية نفسه وعائلته (أو كما قالت الإدارة الأمريكية حينها، عاد العراق خمسين عاما إلى الوراء) ،

مؤسسات حكومية ينخرها الفساد من كل جانب بما فيها المؤسسة العسكرية (الملطخة أيديها بدماء الشعب) ،

ومجتمع غابت عنه المبادئ والقيم والدين والأخلاق بقوة السلاح والإرهاب الأمني، وكوادره المثقفة منهارة، اما بخيبتها وضحالة تاريخها المرتبط بمدح الطاغية والاصطفاف إلى جانبه،

واما إنها كانت تعمل تحت الأرض بسرية تامة وهنا تسقط مهمتها الثقافية، التي يفترض إنها تحتك وتشترك وتعانق ألام الناس ومعاناتهم، والآخرين من أصحاب النوايا الصادقة والأهداف النبيلة كانوا يتساقطون ويعانقون الأرض، بين شهيد لايعرفه شعبه، وسجين يقبع تحت ظلمة السقوف والجدران والقضبان،

أو ممن اضطرتهم الظروف إلى الهرب خارج الحدود، تأكلهم الهموم ومآسي الغربة ومرض الحنين،

بقيت الصورة المثالية متعلقة في الأذهان،

تحلم بيوم الخلاص، كان الناس لايعرفون ان الإنسان لا يربطه علمه أو ثقافته أو تدينه وإنما أخلاقه وتربيته، هي من تتكفل بحمايته من الانزلاق نحو الموبقات والانحرافات الاجتماعية أو الدينية،

 (كان الإنسان المتدين في نظر السلطة وأعوانها وعدد كبير من شرائح المجتمع مجرما خطيرا، بل يطلقون عليه في بعض المناطق بالخميني) ،

قصص كثيرة ساهمت في تعبيد طريق التغيير السياسي، وسهلت مهمة الحاكم المدني بريمر في كسب تلك الولاءات الرخيصة، تلك المهمات التي كان يصعب انجازها وإتمامها دون مصاعب أيام الاحتلال البريطاني للعراق في أوائل القرن الماضي،

 (مع وجود بعض الشخصيات الحزبية والسياسية التي راوغت الاحتلال لغايات وطنية، ولكن بعضها سقط أسير الفساد المالي والإداري والأخلاقي في إدارة الدولة بعد نيل السيادة الوطنية ورحيل الاحتلال) ،

الكل ينطلق من ثقافته وبيئته التي غذته بكراهية السلطات الحاكمة في بغداد منذ عقود،

فتشبع بكراهية وطنه، وكأن فرصة الانتقام لجوعه (السياسي أو المادي أو المعنوي) وجوع أهله وعشيرته قد حانت، وبدء بمشاركة الآخرين بأكبر عملية نهب لثروات بلده، وبشراهة منقطعة النظير، مع تجاهله المتعمد والمستمر لفقراء شعبه وأبناء جلدته بل حتى طائفته أو قوميته.

إن عملية تصغير أو التقليل من مهمة بناء الدولة ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية والمدنية (عبر استخدام الشخصيات المقربة لرئيس الحزب أو الكتلة أو المسؤول بغض النظر عن كفاءتها وخبراتها) ،

وإهمال مسألة إعادة ترسيخ مبدأ المواطنة المجردة من الانتماءات والاعتبارات الطائفية أو الاثنية والعرقية أو حتى الدينية والاجتماعية) ، هي عبارة عن معاول للهدم المبرمج البطيء لجدار وحصن الدولة، والمفترض انه مصان دستوريا وقانونيا وأخلاقيا،

كان البعض يعيب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ( بما فيهم الإيرانيون أنفسهم) من إنها تخضع لرجال الدين (أو رجال الملالي كما يسمونها) ،

ولكن فعل هؤلاء الرجال وفقا لرؤيتهم القومية المتعالية في المنطقة، وتبعا لطبيعة البيئة الثقافية والحضارية التي يتمتع بها الشعب الإيراني، مالم تفعله جميع الدول العربية، فصارت بلدا تهابه دول المحيط الإقليمي، مصنعا لكل شيء، بما فيها الأسلحة الثقيلة والمتطورة، ودخلت حقل الإنتاج النووي للطاقة (الخ.) ، بينما نجد في الجانب الأخر العربي أو العراقي (شيعة وسنة) ،

فشل الحركات الإسلامية الصاعدة إلى السلطة في إقناع المجتمعات والشباب العربي بقدرتها على مواصلة بناء الدولة، وحمايته من المنعطفات والأزمات الدينية أو الطائفية، او أن تكون على اقل تقدير أياديها نظيفة، أو نزيهة وبعيدة عن الفساد والتلاعب بالمال العام،

وهذا أيضا يعود إلى طبيعة هذه المجتمعات وبيئتها وثقافتها وحتى تربيتها المنزلية والتربوية كما قلنا سابقا (ثقافة المدرسة والتعليم العام) ،

والمتتبع لتفاهة أسباب الخلافات السياسية بين شركاء العملية الديمقراطية الحديثة في العراق، يرى سخرية القدر التي جعلت شعبا يمتلك تأريخا وأرثا حضاريا قل نظيره على وجه الأرض، يتنافس فيه أقطاب الحكومة على المناصب والامتيازات المالية لشركاتهم وشركات أقربائهم وأتباعهم،

وحول نسب العمولات المأخوذة من الشركات الأجنبية وحتى المحلية الراغبة في العمل داخل البلد،

بل يشتد الصراع أحيانا على كيان وهيبة الدولة المعنوية، وإلا كيف يمكن القبول بتحديات إقليم كردستان على سبيل المثال للحكومة المركزية،

يتعامل معها بلغة الند للند، وكأنها دولة كاملة السيادة، وليس إقليما لأقلية بسيطة لاتصل نسبتها حتى إلى ربع نفوس سكان البلد، مع العلم إن الشركاء الحاليين هم أنفسهم يحكمون البلد، وهم من كتب الدستور وفصلوه على مقاساتهم الدقيقة،

لتتعدى المشاكل حدود تلك الأزمات، لنرى إن بعض سياسي إقليم كردستان، الذي يطمح أبناءه للعيش بحرية وكرامة، يصعد من حدة التوترات والاختلافات، تارة تحت طرح مشاريع قوانين محلية تخص السلطات المركزية، وتارة أخرى تتعلق بالسيادة والسياسة الاقتصادية والمالية الاتحادية للبلد (المتعلقة بعقود النفط والشركات المنقبة أو المصدرة له، أو حتى إقامة العلاقات السياسية والمخابراتية أو الأمنية مع الدول الأجنبية) ،

ما هي الغاية والهدف من تلك المناكفات والمناوشات والتصريحات المستمرة بين الطرفين، غير إنها تعمل على زيادة العثرات والانشقاقات والاصطفاف الفئوية الضارة بمسيرة العملية الديمقراطية وباللحمة الوطنية، على اعتبار إن الأزمات تصنع المعجزات لمشروع حلم الدولة الكردية،

أكثر من ألف وأربعة مائة عام شمال العراق يخضع إلى سلطة دولة الخلافة، ولشعبه ورجاله مآثر ومواقف تاريخية، اليوم صار صعبا عليه إن يندمج أبناءه مع شركاء الوطن الآخرين، وهم طباعهم وأخلاقهم وحتى عاداتهم اقرب إلى المجتمع العربي منه إلى الأقليات الكردية الموزعة في الدول المجاورة،

إذن لماذا هذا الإصرار البعيد عن الشرعية الدستورية والوطنية؟

العراق بلد يحتاج إلى عمل سياسي وثقافي متواصل تضطلع بمهامه القوى والشخصيات الوطنية والاجتماعية المثقفة، مستعدة لمواجهة أخطار الفوضى والانهيار والتحديات السياسي الداخلية والخارجية،

بعد أن بانت على سطح الممارسة السياسية فشل مشاريع وبرامج القوى الحاضرة حاليا في المشهد الحكومي، المتكرر بمنغصاته وتوافقاته المتزعزعة دائما،

مع الأخذ بنظر الاعتبار إن هناك شخصيات سياسية عاملة في الساحة الوطنية، مكبلة لايسمح لها بالعمل جراء تعسف قيادات وكوادر أحزابهم ومطالبهم النفعية المستمرة، والضاغطة على مستوى أداء هذه الشخصيات الوطنية، وكذلك واقعة تحت مطرقة فشل بقية الكتل الغير متوازنة في أدائها أو أداء أعضائها البرلمانيين أو الحكوميين، هذه الحيثيات الداخلة في مجمل الأوضاع السياسية أو الحكومية والإدارية السائدة، لها تأثيرات جانبية بعيدة المدى،

يمكن إن تستغل من قبل القوى السياسية الواعية (البعيدة حاليا أو المغيبة عن المشهد السياسي) الراغبة في تعديل وتكملة مشوار بناء مؤسسات ومراكز وهيئات الدولة المدنية المتينة، حتى وان تم بذلك بالتحول عبر أسلوب الضغط المتعقل الموجه للفئات والكتل والحركات السياسية المسيطرة على مقاليد الحكم في العراق،

والتي أصبحت تتحكم منفردة أو منعزلة عن الشارع، وعن ممثليهم الذين خاطروا بحياتهم في جميع العمليات الانتخابية، في توزيع المناصب والوظائف والمنح المالية لأتباعهم ومقربيهم،

وصارت بعض القضايا المتعلقة بسيادة الدولة ومستقبل ووحدة وسلامة أراضيه موضوعا للمزايدات السياسية والوطنية، بل ومطلبا رئيسيا لتخفيف من حدة الأزمة المفتعلة بين بعض الكتل أو الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة.

إن عملية إشراك الكوادر والكفاءات والطاقات العلمية والثقافية والاجتماعية في عملية بناء الدولة، وكذلك في إعادة صياغة وتعديل بعض مواد الدستور العراقي، كفيلة بتخليصنا من ورطة النظام البرلماني الفاشل في العراق،

لقد خرجت تونس ومصر وحتى اليمن وليبيا قريبا من انقضاض الأنظمة السابقة، ونحن لازلنا نتعكز بعذر التركة السابقة للبعث المنحل، فصارت شماعة بائسة لايتقبلها الشارع، ويعزف عن سماع اسطوانتها المزعجة، نحن نتراجع إلى مربع لبننة الوضع العراقي،

وهذه مسؤولية تاريخية يجب إن يتحملها المثقف العراقي قبل اي فرد أو حزب أو كتلة سياسية بارزة حاليا، مستغلة الفرصة التي قد لاتتكرر مرة أخرى، لبناء دولة المواطنة............تتمة في الجزء الثاني


مهدي الصافي

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2183 الاثنين 16/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم