أقلام حرة

بين المغول والحبربش تكمن عبقرية أياد علاوي / جعفر المزهر

والذي كان في سني الثمانينيات والتسعينيات واحدا من حلقة عمل تنشط في مجال حقوق الانسان داخل أروقة الامم المتحدة ومن خلال منظماتها الاهلية في جنييف ، بمعية كل من المرحوم علي العضاض والدكتور عبد الامير هاشم واخرين ، وكان لهذه الحلقة الدور الكبير في ترتيب زيارة المرحوم السيد محمد باقر الحكيم اوائل التسعينيات لجنييف ولقاءه بخافيير دي كويلار الامين العام للامم المتحدة وطرح ما يمر على الشعب العراقي من ضيم وحيف من قبل البعثيين ، وكان المرحوم علي العضاض – اغتيل في العراق بعد سقوط البعثيين – يمثل راس الحربة في هذا النشاط ، وفي خضم هذه الزيارة كانت هناك شخصيات سياسية عراقية تأتي لجنييف لتلتقي الحكيم بعدما استطاع علي العضاض ان يمرر فكرة ان الامم المتحدة تعول على قيادة السيد الحكيم للمرحلة المقبلة في العراق والتي عقبت الانتفاضة التسعينية وكان هناك زائران من هذه الشخصيات السياسية يرفض السيد الحكيم الالتقاء بهما – حسب رواية الدكتور الخطيب – هما صلاح عمر العلي وأياد علاوي ، وسبب هذا الرفض لقناعة المرحوم الحكيم ان هذين الشخصين قد تلوثت ايديهما بدماء العراقيين في حقبة البعث الثانية في ثمانية وستين لكن دخول السيد عادل عبد المهدي على الخط ورجاءه من السيد الحكيم بلقاء هذين الشخصيين من اجل إظهار المرحوم الحكيم كشخصية منفتحة على كل الاتجاهات السياسية قبل السيد الحكيم لقائهما ، وبعد ان تحقق هذا اللقاء حدثت مفاجئات مضحكة – حسب رواية الخطيب – منها ان صلاح عمر العلي كان يستخبر المرحوم الحكيم بأن هل له من توبة لمشاركته في محاكمات معارضي حقبة البعث الثانية ، والأمر الأخر هوتحول علاوي ابنا مطيعا للمؤسسة الدينية والمرجعية من خلال تقديم فروض الطاعة لهذه المرجعية .

سقت هذه المقدمة لنتبين ان النشاط السياسي اذا لم يكن من أناس يتصفون بالنزاهة وشرف الكلمة فانه يتحول عهرا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى

وبعد هذه المقدمة وما سمعته من الدكتور الخطيب في جنييف ، أتحول لموضوعي الرئيس الذي دفعني لكتابة هذا المقال ، موضوعي يدور حول ما نشر مؤخراً من فلم لاياد علاوي على اليوتوب وهويقدم تقريرا لطارق الهاشمي عن احدى زياراته لمرجعيات الدين في النجف، وبعد التأكد من صحة هذا الفلم من خلال صديقي المهندس حسن احمد المرسومي خبير البرمجيات في شركة سون رايس والذي اكد صحة هذا التسجيل والذي يظهر فيه علاوي مع الهاشمي ، ويتناولان فيه زيارة علاوي لمرجعيات النجف.

الانطباع الاول الذي تشكل عندي من خلال مشاهدة الفلم هو ان علاوي يتعامل في هذا اللقاء كتلميذ مع استاذ وليس هناك اي أشارات في هذا اللقاء نتلمس من خلالها ان علاوي كان ندا وعنده كاريزما القائد الذي يحاور اويفاوض بروح التساوي ، فعلاوي في هذا اللقاء كان ركيكا ويستدر ضحكات الهاشمي استدرارا من خلال مفردات اقل ما يقال عنها انها سوقية مثل " الحبربش والمغولي والدعوة الحرامية " وما شبهها من مفردات كان علاوي يعرف انها تريح أذان الهاشمي.

وقبل الدخول في التفاصيل ابين موقفي اتجاه مرجعية النجف التي كانت موضوع التداول بين علاوي والهاشمي ، فأنا من غير المؤمنين بأن هذه المرجعية تمتلك نفوذا مباشرا وحقيقيا في حياة العراقيين، بل انا كلي قناعة ان هناك لعبة يُستغفلُ بها العراقيون والشيعة بشكل عام لصالح مصالح ومراكز نفوذ تدار من قبل سياسيين ومن قبل المكاتب النافذة التي تدير هذه المرجعيات ، وهذه المكاتب هي عبارة عن مافيات الأبناء والاصهار المستفيدة ماديا ومعنويا من عنوان المرجعية ، وان (عنوان المرجعية ) هذا يُعمل به لإخافة اصحاب المصالح السياسية / التجارية من اجل إبقاءها خاضعة لمافيات مكاتب الابناء والاصهار لاجنداتها ورغباتها الشخصية ، وليس هناك من خدمة حقيقية تلمسناها طيلة هذه العقود من هذه الدوائر ومرجعياتها للمتعبدين بالفقه الجعفري الأمامي وذالك من خلال اقامتها لمشاريع تنموية حقيقية في مجال التعليم اوالتطوير الاجتماعي والديني. ومع كل هذا الخلل الذي يتلبس عنوان المرجعية الدينية يبقى احترامي قائما لفقاهة كل فقيه اوعالم دين في كل العالم الاسلامي لأني أميز بين الفقاهة كنشاط معرفي فيه خدمة المتعبدين من المسلمين وبين المرجعية كمؤسسة راعية لها شروطها وتفاصيلها التنظيمية ، ومن هنا فهذا الاحترام لفقاهة الفقهاء هوالذي دفعني لتبيين ضحالة الروح الارتزاقية التي تتلبس جل السياسيين العراقيين ومن ضمنهم أياد علاوي صاحب فلم الكاميرة الهاشمية. فعلاوي هذا والذي كان بالأمس القريب يستدر عطف الحكيم في جنييف لقبوله ابنا بارا وجنديا منضويا تحت عباءة المرجعية يأتي اليوم وبعد ان استقوى ليصف هذه المرجعية بالحبربش وليصف احد أركانها بأن شكله مغولي ، ويتجاهل اسمه ليظهر امام مضيفه الهاشمي انه لا يبالي حتى بمعرفة اسماء أركان هذه المرجعية ، مع ان الحنكة السياسية كانت تلزمه ان يكلف نفسه بمعرفة اسماء هذه المرجعيات وخصوصا انه كان قبل هذا رئيساً للوزراء وعول كثيرا على هذه المرجعية – والوثائق تثبت هذا– مضافا الى هذا ان علاوي مثله مثل باقي السياسيين الذين ما انفكوا يتملقون هذه المرجعية ويتملقون المكاتب التي تدير شؤون هذه المرجعيات ، وتجاوزا لك هذا يسوغ علاوي لنفسه ان يصف فقيها بوصف " المغولي " وان يصف علماء دين " بالحبربش " الا اذا كان علاوي في قرارة نفسه وحقيقة مواقفه لا يحترم هذه المواقع ولا يحترم دورها على كافة المستويات ، وان كل نشاطه العلني والاعلامي اتجاه هذه المرجعيات يقع في خانة النفاق السياسي والاخلاقي.  أكان حقا علاوي رئيسا للوزراء وهوبهذه الردائة في الكياسة واللباقة الادبية ؟ ! فحزني على العراق بهكذا سياسيين. كيف يتم تجاهل اسم شخص ليتم بعدها توصيفه بالشكل وان شكله مغولي، ونحن نعلم ان المغول هم عنوان لحقبة تاريخية وهم قوم ليس للأفغان دخل معهم ، فمن السخف ، ومن الخفة ، ومن الدونية محاولة تجاهل انسان له عنوانه واسمه ، وما يثبت هذه الدونية ان مضيّف علاوي الهاشمي يعرف هذا الشخص بالتفصيل ، فمحاولة تجاهل علاوي لعالم دين من دولة افغانستان اسمه اسحاق الفياض ووصفه بالمغولي، ولما يمتلك هذا الشخص من مكانة اعتبارية في الفقه الجعفري الامامي ، وهومن ضمن حلقة المرجعية التي يتملقها السياسيون، كل هذا يضع علاوي في خانة الاشخاص الذين لا يضمرون الخير اتجاه هذه المؤسسات ، اوان علاوي يتميز بغباء سياسي يستحق عليه بأن لا يوصف بقائد سياسي بل لا يستحق ان يكون سياسيا من الدرجة الثانية اوالثالثة ، وان كل الذي حصل عليه علاوي من مواقع مهمة في الدولة العراقية الجديدة لم يكن بقدراته الذاتية بل كان بضربة حظ دعمها توازن القوى الذي تريده امريكا توازنا قائما في العراق لاجل غير منظور.

ومن المؤشرات المهمة التي كشف عنها هذا الفلم ايضا هي حقيقة الدوائر والمكاتب التي تحرك هذه المرجعيات ، فذكر علاوي لابن المرجع السيستاني وكيفية تهجم هذا الابن على حزب الدعوة ووصفهم بالحرامية من اجل إرضاء النوازع النفسية لعلاوي تبين الحقيقة الرثة لهذه الدوائر، وتأكيد علاوي على لغة " الفشار " التي استخدمها ابن المرجع في نقده اللاذع تبين خفتهم ومستوياتهم المتدنية في حواراتهم مع الاخرين . يبقى ان اقول ان هذا الفلم المسرب كشف عن حقيقة علاوي ومحدودية قدراته السياسية والقيادية ودونيته التاريخية امام الاخر خصوصا ان هذا الاخر هومن بقايا النزعة الانكشارية العثمانية

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي   تويتر المثقف

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2200 الاربعاء 8/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم