أقلام حرة

الدولة....والأمة / مهدي الصافي

والميراث الوحيد الباقي لخاتمي(بل نظيف أيضا ميراث جناح الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي) وانتصاراته الانتخابية هوجعل عودة إيران إلى الوضع الذي كان قائما قبل عام 1997 أمرا مستحيلا(كتاب" نشوء الإسلام السياسي الراديكالي وانهياره", راي تاكيه ونيكولاس غفوسديف ترجمة حسان بستاني)

النماذج التي يمكن الاعتماد عليها في دراسة الوضع العراقي الجديد, هي تجربة صناعة الدولة -الأمة في الاتحاد السوفيتي السابق, تيتو-يوغسلافيا السابقة, ومن ثم إيران, كل تلك التجارب أخضعت مجتمعاتها المتنوعة(عرقيا ودينيا واتنيا) لعملية ترويض طويلة وقاسية أووحشية أحيانا, لكنها لم تسجل في نهاية المطاف إلا حقيقة واحدة, هي إن اندماج المجتمعات المختلفة تراثيا وثقافيا ودينيا أمر يكاد يكون مستحيلا, دون ان تتكفل الدولة أوالنظام السياسي الحاكم مبدأ إنضاج وعي جماهيري شامل(بمعنى يشمل ويحتوي كل الثقافات والاختلافات الثانية والطائفية الخ.) تذوب فيه كل الجزئيات والتفاصيل الاجتماعية والثقافية والدينية, يسمح بصناعة امة حية تتعايش فيها كل الأطياف والأديان والأعراق المختلفة بشكل حضاري, ضمن دولة المواطنة الخالصة والنقية من شوائب التفرعات الاجتماعية, إلا إننا يمكن ان نرى شيئا مختلفا في حالة التجربة الإيرانية القديمة والمعاصرة, التي استطاعت الدولة الصفوية بقياد الشاه إسماعيل الأول في القرن الخامس تقريبا من توحيد المجتمع الإيراني مذهبيا, وذلك باعتماده المذهب الشيعي الاثني عشر, مذهبا رسميا وإجباريا أحيانا للدولة الصفوية.

هذه المحاولة الذكية استطاعت إن تخمد نار الفتن الطائفية والعرقية في تلك البلاد, وتصنع إمبراطورية الأمة الإيرانية, بينما عجزت بقية الدول بما فيها غريمتها التاريخية الدولة العثمانية ان تكون دول حاضنة فكريا وثقافيا ودينيا لبقية الطوائف والعرقيات والأقليات المنضوية تحت لوائها الرسمي.

ولكن فوق كل تلك النسبة المذهبية الشيعية التي تتجاوز 80% من المجتمع الإيراني, نرى إن الخلل الطائفي والعرقي واضح في بعض المناطق الإيرانية(خوزستان غالبية سكانها من العرب الشيعة-وكردستان وغالبية سكانها من الأكراد السنة, إضافة إلى الأقليات الأخرى التركمانية الخ.), التي يطمح أبنائها إلى رؤية دول خاصة بهم.

العراق في تجربة مجلس الحكم بعد انهيار النظام البعثي البائد 2003, وضع الخطوط العريضة لتقسيم البلاد بجهالة مفرطة, وبخبث ودهاء الإدارة المدنية –بريمر لقوات الاحتلال, التي قسمت العراق إلى فئات وطوائف وعرقيات متساوية, أي إنها ساوت بين الأقلية البسيطة(الأقلية الكردية) مع الأكثرية الساحقة(العرب -الشيعة), واعتمدت مبدأ التوافق السياسي بين المكونات الاجتماعية الثلاث(الشيعة-السنة-الأكراد), فكانت الاستحقاقات متساوية تقريبا في توزيع الثروات والمناصب الحكومية السيادية والوظيفية العامة.

الخطأ الكارثة الذي وقع فيه العرب(الشيعة والسنة)هوموافقتهم الغير مشروطة على إقامة نظام الأقاليم(وهويختلف اختلافا جذريا عن النظام الفيدرالي). مما سمح لبعض الأحزاب الكردية ان تستغل تلك الورقة لممارسة لعبة الند للند مع الحكومة المركزية في بغداد, بعد ان أصبحت مناطقهم مناطق نفطية, فلم يتبقى لهم إلا فرصة الحصول على المنفذ البحري أوالبري, الذي سيغذي دولتهم الحلم وينقذها من الانهيار, وينعش أمالهم في ديمومتها واستمرارية الحياة فيها, مع إنها أضغاث أحلام, ستبقى دولتهم المزعومة دولة ميتة مسبقا, لأنها واقعة بين إمبراطوريات(إيران-تركيا-عرب سوريا والعراق), وحدود دول لأتعرف الرحمة أوالتهاون في مثل تلك المسائل المهددة للأمن القومي والوطني.

ولكن قد تستغل تلك الدول هذه الورقة مع بعض الأطراف المحلية المستفيدة(كما هوحاصل في التحالف الغريب والغير منطقي بين حكومة إقليم كردستان وبالأخص الحزب الديمقراطي الكردستاني والجارة الطموحة تركيا), ليس انتصار للقضية الكردية, وإنما كراهية للنظام الديمقراطي الحديث في العراق.

ونكاية بالتوافق السياسي المبدئي الحاصل بين جناح إيران سوريا (حزب الله لبنان)والعراق, في مقابل جناح التخريب المتحالف مع القوى الامبريالية العالمية, الخليج العربي وبالذات السعودية وقطر- تركيا, هؤلاء يلعبون بالورقة الكردية لممارسة سياسة الضغط والابتزاز ضد الحكومة العراقية, وبعد تنفيذ الخطط ألامبريالية في المنطقة, ستنقلب الضغوط وتتغير المواقف وتتحول الوعود إلى كوارث تعصف بالأخوة الأكراد قبل غيرهم(ولهم في تجربة جمهورية مهاباد العبرة والتجربة الواضحة).

تبقى لدينا مسألة الاعتراف بالخطأ الذي ارتكبته بعض الشخصيات والأحزاب السياسية(في مجلس الحكم, والجمعية الوطنية, ولجان كتابة الدستور)غاية في الأهمية, من اجل إيجاد مخرج وطني لها, والبحث عن طريقة لتصحيحه والتراجع عن تكملة مشوار التقسيم المدمر له.

كانت التنازلات التي قدمت للتحالف والمناطق الكردية تنازلات كبيرة, جعلتهم يتمادون أكثر في استدراج الحكومة المركزية والبرلمان العراقي إلى تجاذبات وأزمات ومشاكل لافائدة منها, غير إنها تضعف هيبة الدولة, وتدمر سيادته الوطنية, وتسمح للقوى الإقليمية في التلاعب والتدخل بشؤون وقراراته الداخلية.

إن الحلول الواقعية التي يمكن ان تخرج العراق من أزماته الخطيرة, تتعلق في خارطة طريق متكاملة, وليست ورقة إصلاحات فوقية لاتعالج جوهر المشاكل, ويمكن لنا ان نوجزها في نقاط عامة منها:

اولا:إعادة النظر في بعض مواد الدستور العراقي, وتصحيح المواد الخلافية الغير واضحة

ثانيا:إلغاء نظام الأقاليم, والسماح بقيام نظام فيدرالية المحافظات فقط

ثالثا:تحديد صلاحيات الحكومة المركزية والحكومات المحلية, بما فيها شرح واجبات وصلاحيات مجلس المحافظات والمحافظين

رابعا:توضيح المسؤولية الإدارية والقانونية والدستورية للحكومة المركزية لإدارة موارد العراق, ولمختلف القطاعات الاقتصادية والاستثمارية, بما فيها قطاع الطاقة (النفط والغاز)

خامسا:الامتناع عن الترويج الطائفي والعرقي أوالقومي والاثني في المناسبات الرسمية, لأنها واحدة من اخطر مراحل التفكك والانقسام الاجتماعي والوطني(وقد شهد العراق حربا طائفية دموية لم يعرفه تاريخه الحديث بسبب تلك المناكفات الانفصالية أوالانعزالية المتبناة سياسيا أوثقافيا), علما إن اغلب دول العالم تكاد تكون دول متعددة الثقافات والطوائف والأعراق, وقليلة هي الدول الناشئة على أسس عرقية أوطائفية.

سادسا:اعتماد ثقافة وطنية عراقية تستوعب كل الثقافات والموروثات والتوجهات الاثنية دون تمييز, تبدأ من المدارس الابتدائية وصولا إلى الجامعات والدوائر ووسائل الإعلام الرسمية والخاصة, والابتعاد قدر الإمكان عن التذكير بحقوق الأقليات, لأنها حقوق مكفولة أصلا في الدستور, والحديث عنها يعني إهانة وتشكيك واضح بالنظام الديمقراطي القائم.

الأمة لاتصنع دولة, بل العكس صحيح, (شكل المسلمون دولة في بداية الدعوة المحمدية, ثم أصبحت امة إسلامية تمتد شرقا وغربا)

لان الأمة التي ليس لها دولة, لن تتمكن يوما من تشكيل دولة, ولهذا بقية العرب دولا بلا امة, على الرغم من محاولات الشريف حسين بن علي من صناعة امة يحكمها أبنائه, فتشظت إلى دول معزولة ومتناحرة أحيانا.

ومن هنا فإذا أراد الإخوة الأكراد ان تكون آمتهم دولة, عليهم بتشكيل أربع دويلات أولا(تمتد من العراق-سوريا-إيران إلى تركيا) وبعدها يتم الاندماج الطموح, ولكن أيهما أفضل إن تعيش بدولة مدنية توفر لك كل الحقوق أوعلى الأقل اغلبها, وخصوصا إن العالم أصبحت دوله دول كونية لا تعرف القيود, وبين حلم لا تعرف متى يتم الانتهاء من غيبوبته...........

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2207   الاثنين  20/ 08 / 2012)

في المثقف اليوم