تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

في ضيافة الإسلاميين الأتراك

مجموعة من أفاضل المثقفين تربوا على أفكار الرجل الملقب بـأبي الإسلام الاجتماعي في تركيا بما أصبحت تمتلكه حركته وتشرف عليه، من مؤسسات تعليمية وإعلامية وخدمية تتوزع ليس في تركيا وحدها بل في جميع أنحاء العالم.

 

اللقاء كان ـ لا شك ـ فرصة طيبة للقاء أصحاب واحدة من أهم التجارب الإسلامية الناجحة، تجربة "الأستاذ فتحُ الله جولن"، كما ينطقها الأخوة الأتراك.. دار الحديث حول هذه التجربة وفكرتهم في نشرها من خلال بناء المدارس وإدارتها في مناطق العالم الإسلامي وغير الإسلامي، ورؤيتهم في أنه ينبغي أن تقدم هذه المدارس اهتمامها بإصلاح السلوك والعمل والتفكير والعلاقة مع الآخر، ضمن مجموعة من الأفكار التي يبدو فيها الإسلام بسيطا تفهمه بعد أن ينال من يحملوه إعجابك من غير أن يخبروك بأن ما دعاهم لهذه السلوكيات الجميلة هو الإسلام.

 

كان جل اهتمامي وأنا أستمع لهؤلاء الإسلاميين الأتراك منصبا حول رغبتي في معرفة ما إذا كانت الحركة الإسلامية في تركيا قد استفادت بشكل أو بآخر من الحركة الإسلامية المصرية أو العربية بشكل عام، أو إن كانت ثمة فوارق يراها الأتراك كفيلة بأن تجعلهم لا يعملون وفي أذهانهم بعض ما فهموه من حركات الإسلاميين العرب... لم أنل إجابة تشفي غليلي، بل لحقني عقاب على ذنب لم أقترفه، بعد أن فهم المتحدث التركي من المترجم العربي أنني أقدح في حركتهم وأصفها بأنها تقدم شكلا للإسلام يمكن وصفه بـ "الإسلام الشيك"، لم يكن بالطبع هذا ما قصدته بل كنت أشرح ما يمكن أن يراه محدودي التفكير من المتابعين أمثالي.

 

تحدثت لدقائق، حاولت فيها شرح فكرتي إلا أن أخي السوري اختصر ما قلته في كلمتين نقلهما لأخي التركي، فكان رده أنه يعتبر كلامي "نكتة" بلهجتنا المصرية، والنكتة بالطبع لا يكون الرد عليها إلا بالضحك.

 

بقيت حاجتي إلى الفهم كما هي، لكني مع ذلك ألمح بعض فوارق أراها بين التجربتين (الإسلامية العربية والإسلامية التركية)، بل ويمكن رصدها، فالأولى كان لها نصيب كبير في استخدام السلاح، إضافة إلى المظهر الذي عُرفت به وانطبع سريعا في الذهنية الغربية وغير الغربية، حتى صار الإسلامي (ملتح بثياب بيضاء قصيرة وعمامة يحمل مدفعا رشاشا على كتفه)، أما الثاني فلم تقم له أي صلة بالأسلحة ولا عرفها، واقتصرت صورته في الأذهان على كونه رجل أبيض مهندم، وسياسي محنك، يحسن الخطابة والجلوس إلى كبار السياسيين في العالم، ترتدي زوجته حجاب "شيك" هو محتشم لكنه ليس مخيفا كالخيمة التي ترتديها زوجة العربي المتأفغن.

 

كلا التجربتين بدآ على أيدي مصلحين كبار أمثال حسن البنا، وسعيد النورسي، غير أنهما افترقا في المظهر والممارسة وربما في المنهج أحياناً.. التجربة التركية لم تعرف تغيير المنكر باليد، كما عرفته التجربة العربية والمصرية، ولم ترسل المتطوعين للجهاد إلى الدول الإسلامية التي احتلت واستضعفت، كأفغانستان والشيشان والبوسنة والعراق.

 

كلا التجربتين دخلا صراعا مريرا مع الأنظمة العلمانية الحاكمة، في تركيا كان العسكر بالمرصاد لكل ما هو إسلامي، وفي العالم العربي كان العسكر أيضا بالمرصاد لكل ما هو إسلامي، غير أن الإسلاميين الأتراك وجدوا في التزام العسكر بقبول اللعبة "الديمقراطية" واحترام دولة القانون مخرجا، فانتظموا في أحزاب لأنهم في تركيا يمكن أن يشكلوا أحزابا حتى أوصلتهم صناديق الانتخابات إلى سدة الحكم. أما الإسلاميون العرب فلم يكن لهم حظ إخوانهم الأتراك بل تحكمت في رقابهم أنظمة لا تعرف الديمقراطية، ولا تقيم للقانون وزنا، وأغلقت الأحزاب في وجوههم، بل حرمتهم من كل أشكال العمل السياسي...  وبينما انتهى الحال بالإسلاميين الأتراك إلى سدة الحكم، لم يجد الإسلاميون العرب سوى غياهب السجون والمعتقلات مأوى لهم.

 

لكن وبالرغم من نجاح التجربة التركية في حين أن العربية ما زالت تتعثر في أذيالها، أجدني أقرب نفسيا إلى تزكية الثانية على الأولى والتعاطف معها، وهذا ليس لكوني عربي بقدر ما هو استشعار بمدى الظلم الذي لقيه أصحاب هذه التجربة، ومازالوا، أو ربما لأني أراهم قدموا كثيرا في سبيل ما اعتقدوه صوابا، ولو لم يكن لهم سوى ما قدموه في سجون الحقبة الناصرية لكفى، كما أنه ليس من السهل أن يقتصر مقياس النجاح والفشل لدينا فقط على الوصول إلى الحكم من عدمه.... كانت هذه فقط بعض فوارق رأيتها تميز بين التجربتين، وإن كنت أرى أنها بحاجة إلى مزيد من البحث والتأمل للوقوف على تفاصيلها التي قد يستفاد منها ولو مستقبلا.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1203 الثلاثاء 20/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم