أقلام حرة

الحمار الطائفي / جعفر المظفر

أو سياسية لكي ينتقدها أو يهاجمها بطريقة جميلة وسريعة ومؤثرة. بعض الرسوم الكاركترية بإمكانها أن تفيد في إيصال الفكرة بسهولة, وتترك أثرها لزمن طويل في عصر تكاثر فيه الكتاب عن طريق الإنشطار لا عن طريق الولادات الصعبة.

آخر الرسوم التي أثارت الإنتباه وأقدم كثيرون على إعادة إرسالها في البريد الألكتروني أو نشرها على صفحات تواصلهم الاجتماعي هو ذلك الرسم الذي يظهر فيه شخصا برأس حمار وهو يحدث صديقه عن هذا التحول الذي حدث له منذ أن صار طائفيا.

 

برغم نوايا محاربة الطائفية التي تكمن خلف نشر رسم كهذا, وتلك التي دفعت الفنان للتعبير عن كراهيته للطائفية بهذا الشكل, فإني أجد أن ثمة ما يجعل من  الصورة غير دقيقة بالتعبير عن المعنى.

 لقد جرت العادة أن نستعمل كلمة الحمار للشتيمة أو للإنتقاص من ذكاء الآخرين, لكن رجلا كرديا عراقيا من كردستان العراق جاء ليخبرنا بأن الصورة النمطية للحمار يجب أن تتغير. ولقد ذهب هذا الرجل إلى تشكيل حزب بإسم حزب الحمير, ثم راح يشرح أفكاره بشجاعة وثقة من خلال مقابلات وندوات مصورة ومذاعة ومكتوبة, ثم أعلن عن نيته لدخول الإنتخابات البرلمانية المقبلة, وأقام بمساعدة أحد الفنانين الأكراد نصبا لرأس حمار وهو يشرئب بنظرته إلى الأعلى في لقطة ستحسده عليها رؤوس الكثير من الشخصيات التي لم يفلح ناحتوها في تصوير مشهد الفخر ذاك كما جسده رأس الحمار ورقبته المشرئبة.

 

هو يقول,أي الأمين العام لحزب الحمير, وأجده على حق فيما يقول, أن من المعيب ومن الجحود أن نرد جميل الحمير بهذا الشكل, فالحمار طالما خدم الإنسان كثيرا وإرتضى بأقل من القليل, حشائش للأكل وماء حتى ولو كان متخما بالعفونة, ثم إذا به يعود بعد كل توقف بسيط لحمل أثقال الإنسان ويتحمل ضربه وإهاناته.

 ومنذ القدم كان الحمار وسيبقى واحدا من أبرز وسائل النقل التي قدمت للإنسان خدمات لا تنسى في زمن السلم أو في زمن الحروب. ولم يتعود الحمار على الشكوى مطلقا إلا إذا أحس بأنه يكاد يهلك جوعا أو تعبا أو تألما من شيء مرهق أو مؤذٍ بإفراط. وحتى في شكواه البريئة المحقة بتنا نستهجن من بشاعة صوته, ونسرع لإدانته على طريقة إن أنكر الأصوات لصوت الحمير, متغافلين عن إمكانية أن لا يكون هذا الوصف من قبل الخالق قد جاء بصفة الإستهجان, لأن معنى ذلك أن الله يستهجن ما خلقه, , فالإدانة هنا قد تكون للإنسان وليست للحمار, للسلوك المقابل الجاحد من قبل الإنسان وليس لنبرة الشكوى التي كان الله من خلقها وأراد بها أن تكون عالية وربما مزعجة لكي يسمعها الإنسان فيمتنع عما يمكن أن يتسبب بها.

 

إذن الحمار هو ليس بالمعنى الذي جاء به راسم الكاريكتير ذاك, وإن أراد منه أن يعبر عن مقدار الغباء الذي يجسده الحمار لكي يسقطه على الطائفي. هذا الرسام وبحدود النية الطيبة ومن خلال الثقافة النمطية التي إعتدنا أن نتعرف على الحمار من خلالها أراد أن يدين الطائفية بقوة. لكن تحت سطح تلك الإدانة مباشرة أجد أن هناك  ثمة ضعف كبير. فالطائفيون بحدود التبويب العام هم نوعين من البشر: الجهلة الغوغاء الذين عومت عقولهم بإتجاهات مقصودة, وهؤلاء هم الحمير الحقيقيون بالمعنى الذي أغفل الرسم توضيحه. هم حمير لأنهم لا يستطيعون فهم الطائفية على حقيقتها ويسيرون كما الحمير بأمر مالكهم الشرعي, الذي قد يكون سياسيا أو رجل دين, فإذا إحتجوا فسيصدرون صوتا (منكرا) كما صوت الحمير ليعودوا بعد ذلك إلى وظيفتهم الأساسية كحمالي أثقال عائدة لسيدهم الطائفي.. هؤلاء هم جميعا من حزب الحمير.

 أما القسم الثاني من الطائفيين فهم الذين يشكلون إساءة لكل مخلوق, إنسانا كان أم حمارا, ويشمل هولاء كل سياسي أو رجل دين يحاول من خلال الطائفية أن يحول شعبه إلى مجموعة من الحمير المهتمة بنقل أكياس الذهب الثقيلة إلى صناديقه في المصارف أو شركاته المتعددة الجنسيات, أو يقوم بتعويم الجهل على ظهورهم ونقله إلى الآخرين لكي تسهل السيطرة عليهم.

.

إن الحمار فيما لو تمت مقارنته بهؤلاء فسوف يكون ملاكا وليس صورة إستدلالية للغباء كما أرادها أن تكون عليه السيد الرسام. ولا أدري لماذا يلجأ الإنسان كلما أراد أن يصور ظاهرة مستهجنة ومدانة إلى الإستعاضة عن الكلام برسم عن حيوان صبور ومفيد كالحمار أو بحيوان ليمثل فيه صور البشاعة والوحشية كالذئب. ونحن نعلم أن الصورة البشرية هي أبشع بكثير من الصورة الحيوانية ذاتها.. لكن المفاهيم قد جرت صياغتها بواسطة الإنسان الذي يطلق صفة المفترس على الحيوان حينما يصطاد إنسانا في حين يصف نفسه بالفروسية حينما يصطاد حيوانا حتى لو كان ذلك الحيوان أرنبا بريئا يتغذى على العشب, أو عصفورا يعزف موسيقى الصباح.

إن السيد الرسام قد ظلم الحمار كثيرا حينما قدم رسما للطائفي على شكله. الواقع أن الحمار ليس فيه من صفات الطائفي السياسي أو الدينوي  أي شيء.

 وأرى أن الإنسان لو خير بين أن يكون طائفيا أو حمارا فليختر أن يكون حمارا لا طائفيا لأن الطائفية قذارة ليس من العدل ولا من الحق أن يرسم الحمار رمزا لها

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2214 الاربعاء 29/ 08 / 2012)


في المثقف اليوم