أقلام حرة

مراكز الدراسات الستراتيجية وبناء الدولة العراقية / علي جابر الفتلاوي

من قبل امريكا وحلفاؤها من دول المحور الطائفية في المنطقة، وهي مرض المحاصصة، التي تشجع على الطائفية والفساد، وصعود عناصر غير كفوءة قد تكون فاسدة الى المسؤولية، يأمل الشعب العراقي ان يتخلص من وباء المحاصصة في الدورة الانتخابية القادمة، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها دول المحور الطائفي لتكريس هذا الوباء، وتحويله الى مرض مزمن في جسد العملية السياسية الجديدة،  باب المحاصصة هو الوحيد الذي بقي مفتوحا للدول الحاقدة على العراق، كي تتدخل من خلاله في الشؤون الداخلية، بعد ان اشرف الارهاب على الانحسار، وعلى تشييع جنازته الى الابد انشاء الله تعالى، بفضل جهود ابناء العراق الغيارى من سياسيين، وعسكريين، ومواطنين متعاونين معهم، يأمل الشعب العراقي الصابر في بناء دولة المؤسسات القوية، يعيش المواطنون فيها متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بين مواطن وآخر بسبب الدين او المذهب او القومية، تكون السلطة جزءا من الدولة، وواحدة من مؤسساتها، يتم تداولها بصورة سلمية ولفترة زمنية يحددها الدستور، وتعامل هذه السلطة جميع ابناء الشعب وفق معيار واحد، هو معيار المواطنة .

من مستلزمات بناء دولة المؤسسات الديمقراطية الحديثة، انشاء مراكز للبحث والدراسات الستراتيجية، تكون بمثابة هيئات استشارية، وتساعد في بناء دولة المؤسسات، اذ تقدم هذه المراكز نتائج دراساتها النظرية والميدانية الى الدولة كل حسب اختصاصه، لتساعد في وضع السياسات والخطط  في جميع المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والصحية والتنموية وبقية مجالات الخدمة المجتمعية وحتى النفسية، تستقطب هذه المراكز الستراتيجية ذوي الاخصاص من الكفاءات العراقية، وتستعين بالخبرات الاجنبية احيانا، وبفضل هذه الدراسات يقوم ذوو الاختصاص في دولة المؤسسات، كل حسب تخصصه بوضع خطط المستقبل التنموية لسنين قادمة، قد تكون قصيرة الامد او طويلة .

 مراكز الدراسات الستراتيجية والبحثية تساعد في بناء دولة المؤسسات وتطورها وتقدمها، السلطة في دولة المؤسسات تابعة للدولة وليس العكس، رئيس السلطة التنفيذية، موظف في دولة المؤسسات، يؤدي دوره المكلف به، بعدها يغادر كرسي السلطة، ليستلم غيره المسؤولية فيتحول الى مواطن عادي،  في دولة المؤسسات كل يؤدي دوره بمهنية بعيدا عن الانتماء الحزبي اوالهوية القومية او الدينية او المذهبية، يصادف احيانا في دولة المؤسسات الديمقراطية التي تقوم على النظام الرئاسي،  اذ يُنتخب رئيس السلطة التنفيذية وهو رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، ان يكون الرئيس من حزب والغالبية البرلمانية في السلطة التشريعية من حزب اخر، في دولة المؤسسات كل يؤدي دوره بمهنية بموجب الدستور، بعيدا عن التقاطعات السياسية والاختلافات الحزبية، الدستورهو من يرسم سياسة الدولة العامة، وكذلك الهيئات الاستشارية في مختلف الفروع التي تعمل في مراكز الدراسات الستراتيجية، السياسي الذي يستلم السلطة لا يمكنه فرض افكاره الشخصية، ورؤاه السياسية على الدولة المؤسساتية، بل الدولة هي من تحدد للسياسيي الذي يتولى المسؤولية، طريق العمل والسياسة العامة للدولة وفق الدستور.

 الهيئات الاستشارية المستقلة من كوادر مراكز البحوث والدراسات الستراتيجية التي تضم الخبراء والمفكرين والباحثين كل في تخصصه، ترسم الخطط  للحاضر والمستقبل، وهذه الدراسات تساير المتغيرات، في الوضع الداخلي والخارجي، فهي ليست ثابتة غير خاضعة للتغيير، بل تتغير حسب الظروف والمشاكل المستجدة، معالجة المشاكل ووضع الحلول لها من اختصاص مراكز الدراسات الستراتيجية، التي تكون مستقلة عن الدولة، وتعمل وفق المعايير العلمية، لا يمكن للسياسي في دولة المؤسسات ان ينفرد في حل المشاكل بل تحال المشكلة لهذه المراكز، لدراساتها علميا وواقعيا، لايجاد الحلول المناسبة لها، وتسيير هذه الحلول الى السلطة التنفيذية، تعتبر مراكز الدراسات الستراتيجية خير معين للدولة، في رسم سياستها، ومعالجة مشاكلها  سواء كانت هذه المشاكل سياسية،  بيئية،  اجتماعية،  صحية، تربوية،  نفسية، الى غير ذلك من المشاكل .

نحن في العراق الديمقراطي، نطمح لانشاء مثل هذه المراكز البحثية والستراتيجية، سيما وان شعبنا يتمتع بطاقات عالية، وكفاءات ممتازة، يمكن الاستقادة منها لانشاء هذه المراكز، التي نطمح ان تكون خير معين للدولة في رسم سياستها، وترشيد عملها وايجاد الحلول المناسبة لمشاكلنا الكثيرة، منها مثلا مشكلة شحة المياه، التصحر، انتشار الامراض السرطانية، تلوث البيئة، البطالة، التخلف في اداء الخدمات، شؤون الامن والدفاع، الى غير ذلك من المجالات التي نحن بحاجة للخوض فيها وايجاد الحلول المناسبة لها، هذه الامور ليست من اختصاص السياسي، بل لابد لذوي الاختصاص من استثمار تخصصاتهم وكفاءاتهم لتفعيل عمل مراكز الدراسات الستراتيجية، لغرض الارتقاء بالدولة العراقية الى دولة المؤسسات، التي لا ترتبط بذلك الشخص او هذا الحزب، بل الكل يمارس دوره وواجبه المكلف به حسب الدستور  وحسب الخطوط العامة لمسار الدولة، التي تكون السلطة جزءا منها .

دولة المؤسسات هي ما نطمح لبنائها في العراق الجديد، وخير من يعين دولة المؤسسات هي مراكز الدراسات الستراتيجية، هذه المراكز المهمة هي من يرسم السياسة العامة للدولة، ويوجه الاداء الوظيفي، وهي التي تقضي على حالة الارباك في الحكم، وتساعد في اتخاذ القرارات المصيرية، او في ايجاد الحلول الناجعة للمشاكل الكبيرة التي يعاني منها البلد، وهي التي تحدد نوعية القوانين الاكثر ضرورة للناس، للاسراع في اقرارها وتنفيذها، مراكز الدراسات الستراتيجية المستقلة التي تعمل وفق المعايير الفنية والمهنية والعلمية، هي في خدمة بقية مؤسسات الدولة، ومنها السلطة التنفيذية، والتشريعية، وحتى القضائية، وبقية مؤسسات الدولة العصرية، لا يمكن انبثاق دولة عصرية، الّا بتأسيس مراكز البحوث والدراسات الستراتيجية، السلطات في دولة المؤسسات لخدمة الجماهير، وليست وسيلة للسيطرة، وفرض النفوذ، والحصول على الامتيازات، او وسيلة للانتقام من الاخرين، او سلماً للصعود اللامشروع، او استغلال المنصب للحصول على المكاسب المادية والاجتماعية او لتقريب ذوي القربي من الحزب او العشيرة او المنطقة .

السلطة التنفيذية في دولة المؤسسات الديمقراطية هي جزء من الدولة وتابعة لها، على عكس الدولة غير الديمقراطية التي تبتلع السلطة فيها جميع مؤسسات الدولة، وتسخرها لخدمة السلطة التنفيذية، لا يمكن بناء مراكز للدراسات الستراتيجية في ظل السلطة الدكتاتورية، لأن من شروط عمل هذه المراكز الاستقلالية، وفي الدولة الدكتاتورية كل شئ يخضع للسلطة التنفيذية، بما فيها هذه المراكز ان وجدت .

الدولة العراقية الديمقراطية الفتية هي في طريق البناء، ومن مستلزمات البناء الصحيح للدولة العراقية المؤسساتية، انبثاق مراكز للبحوث والدراسات الستراتيجية المستقلة، يكون لها الدور في بناء الدولة العراقية الحديثة، التي يطمح الشعب العراقي لبنائها ليصبح العراق من منظومة الدول المتقدمة والمتطورة في المنطقة، ويكون مركزا للاشعاع لبقية الشعوب، ولتكن التجربة العراقية انموذجا في بناء دولة المؤسسات الديمقراطية، التي تقوم على الحرية والعدالة واحترام الانسان، وتوفير العيش الكريم لابناء الشعب العراقي من غير تمييز بسبب الدين او المذهب او القومية، بل المواطنة هي الصفة الجامعة لكل العراقيين .


 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2220 الثلاثاء 04/ 09 / 2012)


علي جابر الفتلاوي 

في المثقف اليوم