أقلام حرة

لو كان المتنبي حيا ـ جسديا ـ لأعلن احتجاجه / يحيى السماوي

إلآ بكونها  حرب الجهل على الفكر والأدب والمعرفة، وحرب المتخمين على الفقراء، وأن القائمين بها ومَنْ وراءهم أعداء للثقافة بقصد أو دون قصد .

لقد شعرت بالقرف حين قرأت خبر الحملة وشاهدت صور الكتب الممزقة والأكشاك المحطمة، إثر قيام  مفرزة من " الأشاوس الجدد " وقد دُجِّجَ أفرادها بالأسلحة يقودها  أكثر من " خير الله طلفاح جديد " داهموا يوم الإثنين الماضي شارع المتنبي مستهدفين باعة الكتب على الأرصفة، فحطموا الأكشاك ونثروا محتوياتها  مُطلقين الكلام البذيء على أصحابها مما خلق حالة من الذهول والهلع حوّلت شارع المتنبي من حديقة معرفة وبستان ثقافة إلى مكبّ كتب ممزقة ونفايات أكشاك محطمة !

مثل هذا العمل لا يمكن تبريره بحجج واهية كالزعم مثلا بأن الكادحين ـ أصحاب بسطيات وعربات الكتب  ـ قد تجاوزوا على القانون " المُتجاوز عليه أساسا  بمثل هذه الحملات " باحتلال الأرصفة، فشارع المتنبي يكتسب أهميته من وجود الكتب وباعتها، وما كان هذا الشارع سيبقى قِبلة الأدباء العراقيين والسيّاح العرب والأجانب لولا  مكتباته وباعة الكتب فيه بما فيهم الباعة الذين افترشوا الأرصفة أمام بسطياتهم وعرباتهم ..

إذا كانت الذريعة هي التجاوز على الأرصفة فالمفروض تبليغ الباعة من قِبَل أمانة العاصمة وإلفات نظرهم والعمل على إيجاد بدائل كفتح سوق جديد للكتب المستعملة واستيعاب هؤلاء الباعة وجميعهم ذوو عوائل فقيرة، وليس رمي  بضاعتهم والإعتداء عليهم بالكلام البذيء .

لهؤلاء الباعة فضل كبير في توسيع القاعدة الثقافية من خلال توفير الكتب  وبأسعار  زهيدة ، إضافة لكون الكثير منها  كتبا غير متوافرة في المكتبات قد لا تتواجد حتى في دار الكتب القديمة ..

بالأمس القريب فوجئ الجميع بحملة المداهمات التي طالت بعض النوادي ومنها نادي اتحاد الأدباء والكتاب العراقي، والعبث بموجوداتها والإعتداء الجبان على بعض المتواجدين ـ  كما ظهر ذلك جليا في أشرطة الفيديو ـ  ... والان حملة أخرى على باعة الكتب الجوّالين في شارع المتنبي ...فهل سنشهد في الغد القريب حملة جديدة على السينمات والمسارح ودور العرض الفنية لتحويلها إلى تكايا  ؟

وعلى افتراض أن الحملة كانت للحيلولة دون احتلال هؤلاء الكادحين  لساعات محددة من كل نهار مساحاتٍ من الأرصفة دون أيجار، فإن مثل هذا الإفتراض يوجِب على قادة الحملة أن يُداهموا  أولا النواب البرلمانيين الذي يتقاضون بدلات إيجار بينما هم احتلوا  بيوت الدولة شهورا وسنوات مجانا وليس بضع ساعات من كل نهار ... أن يداهموا  أصحاب الشركات الوهمية الذين سرقوا أموال الشعب العراقي  وليس مداهمة هؤلاء الكادحين والعبث بممتلكاتهم البائسة ... لانريد لبغداد أن تكون " قندهار جديدة " .. نريدها بغداد القديمة الآمنة المطمئنة .. بغداد  الكتاب والمحراب وزرياب والمتنبي والكاظم وأبي حنيفة وأبي نؤاس ..

لو كان المتنبي حيا لأعلن احتجاجه واستنكر الحملة  .

 

تنويه

هذه المادة غير مشمولة بالتعليقات، فيرجى من الجميع مراعاة ذلك وشكرا


تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2222 السبت 22/ 09 / 2012)


في المثقف اليوم