أقلام حرة

الفلم المسيء للرسول .. وثورة الكرامة الزائفة / مهدي الصافي

أسلوب قذر لحضارة منفلتة تتلاعب بها ماكينة الأمواج الإعلامية الامبريالية المأجورة، الفلم الذي أثيرت حوله الضجة، لايصلح إن يطلق عليه فلم، وإنما حركة إعلامية رخيصة، تفتقر إلى ابسط مقومات العمل التلفزيوني البدائي، تافه في الإخراج والتمثيل فضلا عن غياب هدف وغاية وخلاصة الموضوع (عدا ماكان مخطط له من تحريك مشاعر المسلمين)، حتى في إساءتهم للرسول لم يذكروا حقائق يمكن أن تؤول من قبلهم، لكي يقبلها الشارع المخاطب بالأمر،  وإنما تلفيقات مدفوعة الثمن، وسيكون هذا الفلم أيضا وسيلة عالمية مجانية لشهرة الإسلام، سيقرأ العالم ويطلع على الحقائق، وسوف يحكم بنفسه

كانت ثقافتنا الإسلامية الشرقية تعلمنا احترام الأديان السماوية الثلاث (اليهودية-المسيحية-الإسلامية)، وبعد ان فتحت بوابات الحرب الباردة، وانتهت دوامة الصراع الدولي بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، وانتصار الأخير، وتشرذم العرب والمسلمون هنا وهناك في دول الغرب،

عرفنا إن مسألة احترام معتقدات وديانات وحريات الآخرين أمر أخلاقي قانوني اجتماعي قيمي مقدس (وهي قيم علمانية غربية بامتياز)، ولكن تتغير هذه الثوابت في بلاد الغرب عندما تتداخل المصالح السياسية مع مصالح الشركات الرأسمالية العابرة للسيادات الوطنية، ولهذا تذوب جبال الجليد وترفع الخطوط الحمر أمام أي حملة همجية متخلفة تستهدف الإسلام والمسلمين، لأنها مادة حية تحتاجها دوائر القرار العالمي (تحت شعار صناعة العدو المحتمل سواء كان وهميا أو حقيقة)

هل يحق لنا ان نحتج بقوة على تلك الإساءات المتكررة؟

 وهل هي احتجاجات متأخرة؟

وهل تلك الأساليب الهمجية التي تستهدف سفارات الدول وقنصلياتها أمور مطلوبةّ؟

بالرغم من إن كرامتنا كبشر لم تكتمل بعد، بل كانت دائما ناقصة، أما بفعل دول الاحتلال والاستعمار، أو بفعل استبداد أبناء تلك الأرض من الحكام الظلمة،  الذين جيء بهم من قبل تلك الإمبراطوريات الشرسة،

والغريب إن إنسان تلك الأرض سرعان ما يتحول وتتغير طباعه، ويصبح متوحشا، شرها، منفتح الشهية في كل شيء (في استعباد الناس، والتعالي أو التكبر في التعامل مع المحيطين به، في سرقة أموال الشعب، في الإمعان في إيذاء وإذلال أبناء البيئة التي خرج منها، الخ.) عندما يستأثر بكرسي الحكم (حتى وان كانت بيئته التي نشأ فيها هي بيئة الطبقات الفقيرة أو المتوسطة)،

هذه الإمبراطوريات المتوارثة كانت تدعو في القرون السابقة كتابها ومثقفيها إلى تصنيف شعوب الأرض وفقا للأعراق وألوان البشرة، وتسمي أصحاب البشرة الصفراء بالشعوب المتوحشة القابلة للتعلم والتحضر المحدود، يتفوق جزئيا على وحشية القارة السوداء،  لكنه لايصل إلى حضارة البشرة البيضاء،

فعندما أرادت شعوبنا عبر مثقفيها ومفكريها ان تغير من هذه الصورة، ذهبت إلى بلادهم لتقرأ من هناك ثقافتها وتأريخها الشرقي، لازالت صورة فرنسا (إضافة إلى بريطانيا وروسيا وألمانيا وحتى أمريكا) التي منعت الحجاب عن الطالبات المسلمات مؤخرا، تلعب دورا تاريخيها في العقل الثقافي العربي والشرقي عموما، ولازال المثقف العربي يستحي من الحديث أو كتابة مقال معين دون ان يستشهد بمقولات فلاسفة ومفكري تلك الحضارات!

كرامتنا غائبة منذ زمن، ولولا لعبة الفيسبوك (الغربية) لما انعتقت رقاب الناس من سلاسل وقيود السلاطين، فالربيع العربي ربيعهم، ولنا فيه قشور من الحرية والديمقراطية المعلبة، كرامتنا بالضبط كانتفاضة الأعزل المقهور،

(عندما تنتفض المرأة العربية في بلادنا ضد قساوة وظلم زوجها أو أوامر الأخ الأكبر، تنتفض بقوة وبكل طاقاتها، ولكن سرعان ما تهدأ ثورة غضبها لتعود منكسرة الخاطر مستسلمة، الشعوب العربية كرامتها تشبه إلى حد ما كرامة المرأة المقهورة، سرعان ما تعود إلى حضن الحضارة الغربية، لأنها امة غير مستقلة،  بل معتمدة في كل تفاصيلها اليومية على المنتج والنموذج الغربي).

لقد نجحت خطة إثارة المسلمين بشكل كبير، وتحولت مدن وعواصم البلاد العربية والإسلامية إلى ساحة للفوضى ولأعمال الشغب، امتلأت شوارعنا بالغوغائيين الجهلة، ثم انتقلت إلى شوارع العواصم الغربية،  بعد إن اندفع المهاجرين بحماسة خائبة لنصرة سمعة الرسول ص كما يدعون،

وكأننا في حرب عالمية ضد المشركين، ولكن حرب بلا سلاح فقط باللسان وحجارة الصبيان، هؤلاء الذين يقولون إن اليهود اشرف من الشيعة، لم ينتفضوا عندما قام احدهم وقال للرئيس المقبور صدام أنت ربي (بيدك تحييني سيدي وبيدك تميت)،

لم ينتفضوا لفلسطين ولكرامتهم ضد الفقر والعوز والمرض، ولكم في حالة العراق شواهد كثيرة، هذا البلد الذي لم يبقى مسؤولا واحدا فيه بلا شركة، الكل يستثمر أموال الدولة لصالحه ولصالح عائلته، وترى عشائر العراق تتراقص بالأهازيج والأشعار لمجرد ان تطأ أقدام المسؤول أرضهم، ويمشون ألاف الأميال إلى ارض سيد الشهداء بحجة المواساة واستلهام روح الثورة الحسينية،  ولكن بلا نتيجة لا يجنون غير الخيبة والخسران، أما سنة هذا البلد فلازال بعضهم تائها بلا مرسى، وغارقا في استحضار صورة اهتزاز أكتاف قائد الضرورة التي كانت تتراقص فرحا بمعاناة العراقيين، ويمعن في تدمير بلده!

  لو كان فيهم عاقل لعرف إن الحرب على الإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد المسلمين، قد ساهمت في انتشار الإسلام بشكل خطيرفي بلاد الغرب، الآلاف يدخلون الإسلام بسبب تلك الحرب، لان حاجة الإطلاع والمعرفة تفتح أبواب المجهول،

كان المفروض ان تكون احتجاجاتنا سلمية، احتجاجات عصرية مهذبة بعيدة عن التشويه، لا تخالف التعاليم الإسلامية، ولا تتجاوز الأعراف والقوانين الدولية والأخلاقية والشرعية،

هل يعلم العرب والمسلمين إن السلاح الذي بحوزتنا هو سلاح يصنعه الغرب، فكيف لنا ان نحتج بمثل تلك القوة التي استهدفت أماكن محرمة ومحصنة دوليا وقانونيا، كسفارات الدول وبعثاتها الدبلوماسية والقنصلية.

كرامتنا لازالت تبحث عن الجنسية والإقامة والحقوق الاجتماعية والصحية والتربوية في بلاد الغرب المسيحية، على الرغم من إن دول الخليج قادرة على ان تعيد إلى الإنسان العربي كرامته، من خلال دعم البلدان العربية وحتى الإسلامية الفقيرة، السعودية وحدها قادرة على تكفل رعاية دول عربية كاملة، ولكن أين هي الثروات وأموال النفط العربي،

لماذا لا تثورون على ثروات أمراء البترول التي تصرف على ملذاتهم وفي ملاهي أوربا ومنتجعاتها، وهي في العرف والشرع الإسلامي أموال المسلمين؟

لماذا لاتفتح دول الخليج أبوابها للعرب المسلمين بدل هذه الهجرة القاسية، التي يضطر المسلمون فيها إلى تذوق مرارة الصراع الحضاري والثقافي  والديني في بلاد المهجر؟

وتطول وتكثر أسئلة لماذا.........؟

 ولكن عندما يبدأ المواطن العربي بسؤال نفسه مثل تلك الأسئلة، سيعرف كيف يحمي سمعة وكرامة وحرمة نبيه من الإساءة، ويستعيد كرامته بدون شروط،

ولكن لا احد في الوقت الحاضر يمكنه الإجابة  على هذه الأسئلة وخصوصا من قبل هؤلاء المندفعين نحو السفارات الأجنبية بقوة عاطفية مبرمجة مخابراتيا..

 

مهدي الصافي

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2223 الأحد 23/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم